سري سمّور
أمد/ لا يكاد يمضي يوم إلا ونسمع عن اعتداءات المستوطنين في أرجاء الضفة الغربية؛ وبعد الحرب على غزة منذ شهور، تصاعدت هجمات المستوطنين على الأهالي والبيوت والمركبات والمزارع والمواشي، وصارت تأخذ طابعا دمويا غير مسبوق في زخمه، وهي تتم غالبا تحت حماية ودعم وإشراف قوات الجيش الإسرائيلي.
فصار خبر هجوم المستوطنين على قرية برقة قرب نابلس أو (سميَتها) برقة قرب رام الله وحوارة ودوما والمغيّر وسنجل ومسافر يطا، خبرا روتينيا مع أنه عادة يسفر عن ارتقاء شهداء بنيران المستوطنين، وعن الخسائر المادية فحدث ولا حرج.
فكيف صار المستوطنون بهذه القوة والجرأة؟وما هي ملابسات تحولهم إلى ما يشبه الدولة الغازية، خاصة خلال السنوات الأخيرة؟
بالصدفة -أقولها حقيقة دون ادعاء- وقعت عيناي على كتاب في مكتبة عامة، مترجم عن العبرية، فاستعرته وعكفت على دراسته، ووجدت أنه يجيب على كثير من الأسئلة المطروحة وغير المطروحة.
حيث أنه يناقش بتفصيل وبيانات نشأة وتغوّل الاستيطان في الضفة الغربية منذ 1967 وحتى 2004.
أما ما بعد ذلك فنحن نراه ونلمسه، فقد تفشّى السرطان الاستيطاني في الأرض الفلسطينية وصار خطرا على كينونتها وهويتها ووجود وتطور ونمو أهلها الحقيقيين العرب الفلسطينيين فيها.
تعريف عام بالكتاب
الكتاب مترجم عن العبرية بعنوان:-
(أسياد البلاد
المستوطنون ودولة إسرائيل
1967-2004)
وقد اشترك كاتب وكاتبة إسرائيليان في تأليفه هما:-
عقيبا الدار(هكذا اسمه على غلاف الكتاب ولكن دوما نقرؤه في ترجمات مقالاته: عكيفا إلدار) وعديت زرطال.
والكاتب (عقيبا الدار – Akiva Eldar ) كما في تعريف له في نهاية الكتاب هو كاتب عامود ومحلل سياسي في صحيفة (هآرتس) وخدم في نهاية الستينيات كضابط أركان في الضفة الغربية(يهودا والسامرة حسب النص الأصلي والمترجم).
ولعل أي مهتم يلحظ أن اسمه ليس غريبا فيما يترجم وينقل من الصحافة العبرية.
أما الكاتبة(عديت زرطال) فهي مؤرخة وباحثة في الثقافات وعملت في جامعات الولايات المتحدة وفرنسا، كما في التعريف الموجود.
وبعد عملية بحث وجدت أنها( Idith Zertal ) تصنف فيما يعرف حاليا بـ(المؤرخون الجدد) وبالتالي علينا أن نستنتج حجم اللغط والجدل الذي أثارته هذه الشريحة من المؤرخين والباحثين في إسرائيل ومؤسسات غربية بحثية أيضا ومنهم هذه الكاتبة التي بلغت الثمانين من عمرها، وزميلها في تأليف الكتاب في نفس العمر أيضا.
أما مترجم الكتاب فهو (عليان الهندي) الباحث والمترجم الفلسطيني المهتم والمختص بالشؤون الإسرائيلية، والذي أنجز الترجمة في نيسان 2006 أي بعد سنتين من صدور الكتاب بالعبرية.
النص العبري الأصلي للكتاب صادر عن دار(دفير) للنشر والتي تأسست قبل أكثر من قرن في ألمانيا ثم انتقلت إلى تل أبيب ونشرت مئات الكتب في مجالات مختلفة؛ وهذه المعلومة عن دار النشر لم يشر إليها المترجم لسبب أو لآخر، مع أن الكاتبان يقدمان الشكر إلى محررة الكتب المدرسية في الدار المذكورة.
وعدد صفحات النص العبري حوالي 650 صفحة والنص المترجم إلى العربية عدد صفحاته 573 صفحة تحوي 8 فصول و 10 ملاحق، و هناك ترجمة إنجليزية قامت بها نيويورك تايمز بعدد صفحات قريب من الترجمة العربية، وعلى ذكر النص الإنجليزي فقد كتب(آدم ليبور) في نيويورك تايمز في 2007 وهي سنة ترجمة الكتب إلى الإنجليزية بأن ( Lords of the Land ) هو أول كتاب يؤرخ لكامل المشروع الاستيطاني.
جدير بالذكر أن موضوع الكتاب هو مستوطنات الضفة الغربية، مع أنه يتطرق إلى مستوطنات غزة(تم تفكيكها بعد صدور الكتاب) دون توقف طويل، اللهم إلا في نهاية الكتاب.
في رحلتنا مع الكتاب من الآن فصاعدا كل ما أورده هو من النص المترجم إلى العربية فقط، مع التعقيب الضروري على محاور مختلفة من هذه القراءة أو المراجعة.
المترج والتعليقة عودة إلى تاريخ الاحتشاد الأوروبي
عمل عليان الهندي في بيت الشرق وهذه معلومة ليست موجودة في الكتاب المترجم، وبيت الشرق كان بمثابة وزارة خارجية ومكتب علاقات خارجية وداخلية في مدينة القدس وقد أغلقته سلطات الاحتلال في 2001 . فالأحداث الأخيرة جعلتنا نشعر وكأننا أمام احتشاد الأوروبيين خلف ريتشارد قلب الأسد للانتقام من الأيوبيين، أو تكتلهم في زمن لاحق لحرب السلاجقة ثم العثمانيين.
وكأن كل المواثيق والقوانين الدولية، والأطر الناظمة للعلاقات بين الدول التي صيغت وفرضت في المقدمة ص3-4 يوضح المترجم(عليان الهندي) أنه لم يتدخل العصر الحديث خاصة في النص الأصلي للكتاب، مع أنه يحتوي على وجهات نظر ومصطلحات لا يتفق -و نحن أيضا – معها مثل مصطلح(هار بيت) أي الحرم القدسي الشريف، ويهودا والسامرة أي الضفة القرنين الأخيرين، وحتى مفهوم الدولة الوطنية وما يتضمن من خصوصية، كلها قد ذابت وتلاشت، وظهرت حقيقة الصراع عارية بقباحة ووحشية، وقد ضخّ التعليم والإعلام طوال عقود أن البشرية وبالذات الأمم الغربية .
وينتقد المترجم تحميل الكتاب (غوش ايمونيم-تجمع المؤمنين) مسؤولية المشروع الاستيطاني، وإعطاء هذه الفئة مساحة وحجم أكبر من حجمها.
ويختم مقدمة الترجمة بأن يسهم الكتاب بوضع استراتيجية مضادة لبقاء الفلسطينيين في هذه الأرض وكشف زيف ووهم السلام الذي تدعو إليه إسرائيل الدولة والمجتمع.
مهند عبد الحميد ومقدمته
(( أسياد البلاد، دراما مثيرة تشد الأعصاب من البداية وحتى النهاية)) بهذا الوصف افتتح الكاتب والباحث والمحلل السياسي تقديمه لترجمة الكتاب وهي مقدمة من 8 صفحات تقريبا تحت عنوان(أسياد البلاد أعداء العباد).
وهي مقدمة ثرية ومهمة ربما تلخص مجمل ما في الكتاب، مع وضعه ملاحظات مهمة وانتقاده المنطقي لمساواة الجلاد بالضحية، ويرى مهند أن الكتاب لم يجب عن سؤال جوهري:لماذا أقدمت إسرائيل على هذا المستوى من الاستيطان؟
ويستخلص ما لا شك فيه بأن إسرائيل مشروع كولونيالي يرفض الآخر ويعمل على إقصائه، كما أن المستوطنين ينطلقون من أيديولوجيا دينية ترى في العرب كفارا لا حق لهم في الأرض، والحل بتطهير أرض إسرائيل منهم، كما يقول أحد حاخاماتهم الكبار بالحرف الواحد.
عودة إلى تاريخ الاحتشاد الأوروبي إثارة أم تأكيد على ما هو على الأرض؟
عنوان الكتاب مثير طبعا(أسياد البلاد) ولكن هل هدف المؤلفان هو الإثارة فقط، في كتاب توثيقي بامتياز؟
الواقع يقول أن العنوان يعبر عن واقع ملموس وقائم؛ فإسرائيل كما يقول مهند عبد الحميد بحكومتها والرأي العام فيها هم رهائن مستسلمة لإرادة المستوطنين.
فالمستوطنون فعلا أسياد الكيان العبري، وهم الذي يحددون أجنداته، ويرسمون سياساته، وليس معنى هذا أنهم يختطفون الدولة ومؤسساتها، بل إن الدولة بتركيبتها ذات روح استيطانية عميقة.
يظهر الكتاب حجم نفوذ المستوطنين والدلال الذي تمتعوا به عند كل حكومات إسرائيل، ومنها حكومات حزب العمل الفاتح للاستيطان الذي تمدد في عهد الليكود وترعرع في حضن حكومات الوحدة.
ولا أدري ماذا أقول لتيار عربي وفلسطيني واسع، ظلّ يعتبر حزب العمل ساعيا نحو السلام وإرجاع ولو بعض الحقوق الفلسطينية من خلال عملية تسوية، وهم عايشوا بذرة الحزب المسمومة في أرضنا؟
إضافة إلى عنوان الكتاب المثير هناك عناوين فصول لا تقل إثارة منها عنوان الفصل الأول مثلا(الجديان أصبحت تيوسا) في إشارة إلى حجم تضخم نفوذ المستوطنين، وإلى حجم المستوطنات وما أحدثته البلدوزرات على الأرض…يتبع