أمد/
تل أبيب: للمرة الأولى منذ هجوم السابع من أكتوبر، وبعد أشهر من التأخير، تلقى الرأي العام الإسرائيلي نتائج أولية لتحقيقات الجيش الإسرائيلي بشأن الإخفاقات الأمنية والاستخباراتية التي سبقت المذبحة. وفق ما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية.
التقرير، الذي نُشر قبل أيام قليلة من انتهاء ولاية رئيس الأركان هرتسي هاليفي، يسلط الضوء على سلسلة من الإخفاقات الاستراتيجية والتكتيكية التي أدت إلى وقوع الهجوم. ورغم خطورة هذه الإخفاقات، لم تُتخذ أي إجراءات شخصية ضد المسؤولين، تاركًا القرارات القيادية لخلفه إيال زامير.
*"المفاجأة كانت كاملة"*
أظهرت التحقيقات أن الجيش الإسرائيلي لم يكن لديه أي مؤشرات تحذيرية تسبق الهجوم، على عكس حرب أكتوبر 1973، حيث تلقت إسرائيل تحذيرات استخباراتية بشأن الهجوم العربي المشترك آنذاك. إلا أن هذه المرة، لم يكن هناك أي إنذار استباقي، ولم تتم مناقشة استدعاء قوات الاحتياط، مما جعل المفاجأة أكثر خطورة.
وأشار التقرير إلى أن حماس نجحت في تضليل المخابرات الإسرائيلية من خلال سلسلة من عمليات الخداع التكتيكية والاستراتيجية، أبرزها عملية "جدار أريحا"، التي استُخدمت لإيهام الجيش الإسرائيلي بمستوى تأهب منخفض. ورغم وجود تحذيرات سابقة داخل القيادة العسكرية، لم يتم اتخاذ أي إجراءات ملموسة.
*قرارات استراتيجية خاطئة.. والتهديد تم التقليل من شأنه*
وفقًا للتحقيقات، فإن سياسة إسرائيل في "إدارة الصراع" وتعاملها مع حماس أدت إلى تقوية الحركة على مر السنين، حيث تدفقت الأموال القطرية إلى غزة، وتم التركيز على تهدئة الأوضاع بدلًا من الاستعداد لسيناريو تصعيد.
قبل ثلاثة أشهر من الهجوم، أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو توجيهات للجيش الإسرائيلي بالتركيز على إيران، حزب الله، والضفة الغربية، مع تقليل الاهتمام بجبهة غزة، ما جعل الهجوم أكثر فتكًا عندما وقع.
*إخفاق استخباراتي.. وثقافة تنظيمية معيبة*
توصل التحقيق إلى أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية فشلت في كشف نوايا حماس، حيث اعتمدت تقييماتها على افتراضات خاطئة بأن الحركة غير معنية بحرب واسعة النطاق.
وعلى الرغم من وجود أكثر من عشر إشارات تحذيرية في العامين السابقين للهجوم، لم تُغير الاستخبارات تقديراتها.
كما كشف التحقيق عن وجود ثقافة استخباراتية ضعيفة داخل الجيش الإسرائيلي، حيث لم يكن هناك تفكير نقدي كافٍ أو استعداد للتشكيك في الافتراضات القائمة. وأدى غياب الفهم العميق لعقيدة حماس واستراتيجياتها إلى وقوع الجيش الإسرائيلي في فخ استراتيجي خطير.
*انهيار فرقة غزة.. واستجابة متأخرة*
في صباح السابع من أكتوبر، فوجئت القوات الإسرائيلية بمدى حجم الهجوم، إذ تسلل حوالي 5000 مقاتل من حماس إلى البلدات الإسرائيلية، في حين كان الجيش الإسرائيلي يتوقع سيناريو أسوأ لا يتعدى تسلل 70 عنصرًا فقط.
انهارت فرقة غزة العسكرية خلال الساعات الأولى للهجوم، بينما فشلت القيادة الجنوبية وهيئة الأركان العامة في إدراك حجم التهديد في الوقت الفعلي. كما تأخرت الاستجابة الجوية بسبب عدم وجود خطط طوارئ معدّة مسبقًا لمواجهة هجوم بهذا الحجم.
*نتائج وتداعيات*
خلص التحقيق إلى أن الفشل في التعامل مع تهديد حماس كان "مؤسساتيًا" أكثر منه متعلقًا بأفراد محددين، مما يعني أن المشكلة تمتد إلى بنية النظام الاستخباراتي والعسكري بأكمله.
وعلى الرغم من خطورة الإخفاقات، لم تصدر توصيات بمحاسبة شخصيات محددة، وترك رئيس الأركان هاليفي القرارات القيادية لخلفه إيال زامير، الذي سيتسلم منصبه قريبًا وسط ضغوط كبيرة لإجراء إصلاحات جذرية داخل الجيش الإسرائيلي.
أبرز استنتاجات الجيش الإسرائيلي من التحقيقات:
1. لم يأخذ الجيش الإسرائيلي في الاعتبار سيناريو هجوم واسع ومفاجئ، إذ اعتُبر غير واقعي، ولم يتم حتى التفكير في سيناريو قريب منه. هذه نقطة رئيسية لم يكن الجيش مستعدا لها.
2. تمت السيطرة على فرقة غزة لعدة ساعات. بين الساعة 6:30 صباحا و12:30 ظهرا، لم يكن للجيش الإسرائيلي سيطرة على منطقة غلاف غزة، وخلال هذه الساعات وقعت معظم عمليات القتل والخطف. احتاج الجيش إلى حوالي 10 ساعات ليبدأ في استعادة السيطرة العملياتية على المنطقة، حتى تم القضاء على معظم المسلحين أو عادوا إلى القطاع.
3. فوجئ الجيش الإسرائيلي ليس فقط بالهجوم نفسه، ولكن أيضا بعدد المسلحين الكبير الذي اجتاح غلاف غزة، بسرعة تحركاتهم، وحجم وحشيتهم التي خُطط لها بعناية من قبل حماس.
4. اعتمد الجيش على مفاهيم خاطئة انهارت، مثل أن قطاع غزة يُعتبر "العدو الثانوي" وبالتالي لا يتطلب اهتماما كبيرا، وأن حماس مُردعة وتفضل الهدوء والمزايا المدنية، وأنه يمكن إدارة الصراع مع حماس وحتى التوصل إلى تفاهمات معها، إضافة إلى إمكانية التمييز بينها وبين السلطة الفلسطينية.
5. سمح الجيش بوجود تهديد خطير وخطأ على الحدود، بالاعتماد المفرط على الحاجز الأمني، بينما كانت عناصر الجيش على الحدود تعاني من أوجه قصور، بما في ذلك عدد قليل من الجنود.
6. كان الجيش الإسرائيلي في وهم التفوق الاستخباراتي والسيطرة على الواقع، إذ كان لديه ثقة كاملة في أنه ستكون هناك إنذارات استخباراتية مبكرة قبل أي هجوم.
أبرز 10 دروس من رئيس الأركان المنتهية ولايته، هرتسي هاليفي:
1. تغيير في العقيدة الأمنية – لا يجب السماح لأي عدو ببناء قوته على حدودنا، في وقت يعيش فيه المدنيون بالقرب منه، والاعتماد فقط على الردع والإنذار. لا يمكن السماح لحماس وحزب الله بالعودة إلى ما كانا عليه.
2. لا يمكن "إدارة صراع" مع عدو يريد تدميرك. لا يمكن شراء الهدوء بثمن قد يؤدي إلى تضخم المشكلة مستقبلا.
3. يجب أن يكون الجيش الإسرائيلي أكثر استعدادًا لهجوم واسع ومفاجئ. هناك حاجة إلى غرفة إنذار رئيسية تراقب الوضع باستمرار، وغرفة تقييم استراتيجي تبني صورة الموقف عند انهيار كل شيء.
4. يجب أن يتوسع الجيش الإسرائيلي، مع تعزيز القوات المنتشرة على الحدود، وزيادة قدرات جمع المعلومات، وإطلاق النيران الأرضية، وتوفير المزيد من الوسائل الجوية القابلة للنشر الفوري.
5. يجب تعزيز الأسس الاستخباراتية، ولكن دون الاعتماد المفرط عليها. فالاستخبارات ستظل ضرورية في المستقبل، لكن لا يجب الاتكال عليها كليًا.
6. هناك حاجة إلى مزيد من الاحتراف في الدفاع عن التجمعات السكنية المدنية، من خلال تحسين معدات وحدات الطوارئ في المستوطنات وزيادة التدريبات.
7. يجب تعزيز مهارات القتال الفردي لكل جندي في الجيش الإسرائيلي، ليس فقط في الوحدات الخاصة ولكن أيضًا في الكتائب العادية.
8. يجب بناء المزيد من المواقع العسكرية على الحدود.
9. هناك حاجة إلى قسم رقابة استراتيجي في هيئة الأركان.
10. يجب تعزيز القيم القتالية في الجيش.
وقال الجيش الإسرائيلي في تحقيقاته:
الأجهزة الأمنية بكافة مستوياتها فشلت ليلة السابع من أكتوبر.
التحقيق في المجال الاستخباراتي يخلص إلى هوّة شاسعة ومتواصلة بين تقديراتنا وبين الأوضاع على حقيقتها.
اكتشفنا خلال الحرب أن عقيدة أعدائنا حول الحرب متعددة الجبهات أكثر تطورا مما عرفناه عنها.
كانت لدينا ثقة مفرطة بقدرات الجدار الأمني عند حدود غزة.
تقديراتنا أن 5000 فلسطيني شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر على 3 موجات.
خلال ليل السابع من أكتوبر تلقينا إشارات متضاربة تشير إلى أمور استثنائية في غزة لكن أخرى كانت تشير إلى وضع عادي.
إسرائيل عبر المستويين السياسي والعسكري استندت إلى عقائد انهارت صباح السابع من أكتوبر منها أن غزة عدو هامشي وحركة حماس قابلة للردع والتهديد من غزة محدود.
كل الإنجازات التي حققناها في الحرب لا تخبّئ فشل السابع من أكتوبر.
حماس أخضعت فرقة غزة صباح السابع من أكتوبر خلال ساعات.
هذا وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس أمر الجيش "بتسليم جميع التحقيقات المتعلقة بأحداث السابع من أكتوبر على الفور إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والاستعداد لتقديم أي تحقيق يراه مناسبا له بالتفصيل".
مكتب نتنياهو ينتقد..
انتقد مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عدم تقديم الجيش له نتائج التحقيق التي ينشرها الجيش مساء الخميس، لرئيس الحكومة.
وكتب رئيس طاقم مكتب نتنياهو رسالة موحهة للسكرتير العسكري لوزير الجيش :
" لماذا لم يتم تقديم نتائج التحقيق لرئيس الحكومة نتنياهو ". كما كتب رئيس طاقم مكتب نتنياهو : " نتائج التحقيق تم عرضها لوزير الأمن، ولقيادة الجيش ولصحفيين، لكن يا للمفاجأة، شخص واحد لم يحصل عليها وهو رئيس الحكومة".
كما أشار رئيس طاقم مكتب نتنياهو في رسالته الى " ان التصرف الصحيح يلزم تقديم نتائج التحقيق لرئيس الحكومة دون تقديم طلب من أجل ذلك ".