أمد/
صَدَرَ عَنْ دارِ الحَدِيثِ للإعلام وَالنَّشْرِ، لِلْكاتِبَةِ امال أَبُو فارس، كِتابُها الثّامِنُ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ دِيوانِ شِعْرٍ نَثرِيٍّ، يَقَعُ فِي 128 صَفْحَةً مِنَ الحَجْمِ الكبِيرِ. صَمَّمتْ غِلافَهُ الفَنّانةُ مَلِكَةُ لالا، اعتمدت على لوحة للفنان إسعيد سرحان، وَكَتَب المُقدَّمةَ الأُسْتاذُ فَوْزات حَمْدان.
وَالْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّ هُناكَ تَوَاصُلًا بَيْنَ القَلْبِ وَالشِّفَتَيْنِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بَعِيدًا عَنْها; إِذْ نَشَأَتْ فِي بَيْتٍ يُحِبُّ الفَنَّ وَيُمارسُهُ. فَشَقِيقُها صالِح قَرَا، أَحَدُ الفَنانِينَ البارِزِينَ فِي الِبلادِ، كَمَا أنّ شَقِيقَها عَبْدَ اللهِ رَسَّامٌ اخْتَرَقَ المَحَلِّيَّةَ إِلَى العالمِيَّةِ. وأشقاؤها الاخَرُونَ رَسَّامُونَ ذَوُو شُهْرَةٍ كَبِيرَةٍ. وَسَطَ هَذَا الْجَوِّ، انْطَلَقَتْ، وَتَعَلَّقَتْ، وَضَرَبَتْ جُذُورَها عَمِيقًا فِي الأَرْضِ، وَتعلّقت بِالمكانِ الَّذِي تُحِبُّهُ، وَهِيَ تَهْجُو بَعْضَ الشَّيْءِ مِنْ مُنْطَلَقِ الغَيْرَةِ وَالْمحَبَّةِ لَهُ. وَقَدْ تَرْجَمَتْ عِشْقَها فِي أَوَّلِ قَصِيدَةٍ مِنَ الكِتابِ، حَيْثُ تَقُولُ فِي قَصِيدَةِ: “أَنَا مِنْ هُنا” (ص 13)
بَعْدَ أَنْ تَتَطَرَّقَ إِلَى مَعالِمِ الكَرْمِلِ تَقُولُ
“هَذِي عُسُوف
تحْتَضِن الرِّياحَ العاتيةَ –
تُشاكسُ الأَمْواجَ الهادِرَةَ –
تُحَدِّقُ فِي السُّفُنِ المُحَمَّلَةِ بِالضَّجِيجِ
عَلَى ذُرَى عَرُوسِ الكَرْمِلِ.”
وَالْكاتِبةُ امال تَمْقُتُ السُّكُونَ، فَنَجِدُها ثائِرَةً فِي قَصِيدَةِ “مُشاكَسَةٍ” (ص 38) تَقُولُ::
“ثُورِي عَلَى كُلِّ المَرايا وَاكْسِرِيها
فَالمِياهُ الرّاكِدَةُ مُسْتَنْقَعٌ –
لا يَجْذِبُ إِلَّا الضَّفادِعَ وَالْبَعُوضَ».
وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَى جَوْهَرِ الإِنْسانِ، لا إِلَى ثَرْوَتِهِ. فَفِي قَصِيدَةِ “يا عابِدًا لِلْمَالِ” (ص 40) تَقُولُ:
“لا تَدَعْها تأسرك فِي سِجْنِها.”
إِلَى أَنْ تَقُولَ:
“اعتبر مِمَّنْ تَوارَوْا فِي الثَّرَى –
هَلْ أَفادَ المالُ فِي إِبْقائِهِمْ أَحْياءً يا تُرى؟”
ثُمَّ تَقُولُ فِي نَفْسِ القَصِيدَةِ:
“ولا يُقاسُ المَرْءُ بِالأَكْوامِ مِمَّا قَدْ حَصَدَ –
بَلْ بِإِجْزالِ العَطاءِ لِكُلِّ مُحْتاجٍ قَصَدَ”.
وَهَكَذا، هِيَ تَتَفاعَلُ مَعَ الوَاقِعِ بِكُلِّ زَخَمٍ، وَتَحَسَّرُ عَلَى مَا إِلَيْهِ مَوطِنُها، حَيْثُ تَقُولُ فِي قَصِيدَةِ “يا مَوْطِنِي” (ص 45):
“لَمْ يَعُدْ كَرْمَلِي الَّذِي تَحْمِيهِ
كَمَا عَهِدْتُهُ كَرْمَلًا عَاديّ
لَقَدْ غَيَّرَتْ يَدُ الأيَّامِ أَنْفُسَهُ
وَفرّق السّاسة والطّغيان أخواته
وَجَرَّعَتْهُ هُمُومًا مَا عاهَدْنا.
نفوسٌ تَبدَّلتْ وَتَغَيَّرتْ,
وَتَشَوَّهَ الْجَوْهَرُ”
وَلَعَلَ التّفاعل الشَّدِيدَ مِنَ الأُمُورِ الجَوْهَرِيَّةِ الَّتِي تُمَيِّزُ الاُدَيبَة، بِحَيثُ يَكُونُ الأَلَمُ مُضاعف لَدْيهِمْ بِسَبَبِ انْسِجامِهِمْ مَعَ أَوْجاعِ النَّاسِ، كُلِّ النَّاسِ. وَهَذَا يَتَخَطَّى جُغْرافِيَّةَ المَكانِ. وَيَحُزُّ فِي قَلْبِ الكاتِبَةِ مَا يَجْرِي فِي الوَطَنِ العَرَبِيِّ مِنْ مآسٍ. فَفِي قَصِيدَةِ “آه حلب” (ص 48) تَقُولُ لِلشّادِي وَتَقْصِدُ المُطْرِبَ الرّاحِلَ صَباح فَخْرِي:
“لَنْ يُرَدّد الشَّادِي اسْمَكِ بَعْدَ الَيْوْمِ.”
وتَحْضُرُ بَيْروتُ النّازِفَةُ بِزَخَمٍ فِي قَصِيدَةِ “بَيْروت” (ص 54)، تَقُولُ:
يا مَنْهَلَ الجَمالِ
مَخالِبُ القَدَرِ قَسَتْ وَتَفَنَّنَتْ –
وَأَلْبَسَتْكِ السَّوَادَ قَسْرًا”
وَتَسْتَغْرِبُ مِنَ المَنْطِقِ الأَعْوَجِ فِي قَصِيدَةِ “يَوْمِ المَرْأَةِ العالَمِيِّ” (ص 68)، تَتَسَاءَلُ بِاسْتِغْرابٍ”
“هَلْ لِي يَوْمٌ وَاحِدٌ فِي السَّنةِ؟”
إِلَى أَنْ تَقُولَ:
“كَيفَ سَيَسْتَمِرُّ الكَوْنُ مِنْ دُونِي؟
في قَصِيدَةِ “اعْتِراف” (ص 81)، تَتَناوَلُ وتهاجم الكاتِبَةُ آمال أَبُو فارس نَرْجِسِيَّةَ الرَّجُلِ وَالمَفاهِيمَ الرَّجْعِيَّةَ، مَعَ التَّرْكِيزِ عَلَى مَوْضُوعِ تَعَدُّدِ الزَّوْجاتِ. تَتَحَدَّثُ بِلسانِ الرَّجُلِ، قائلَةً:
أُحِبُّكِ وَأُحِبُّ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثًا وَرُباعًا
ثُمَّ تَسْتَمِرُّ فِي نَقْدِ هَذِهِ الأَفْكارِ بِقَوْلِها:
لا تَنْسِي أَنَّ الشَّرْعَ حَلَّلَ لِي ما حَرَّمَهُ عَلَيْكِ
وَنَحْنُ مَعْشَرَ الرِّجالِ
لا نَقْبَلُ إِلّا أَنْ نُطَبِّقَ قَوانِينَ الشَّرِيعَةِ”.
تُظْهِرُ هَذِهِ الأَبْياتُ نَقْدًا واضِحًا لِلهَيْمَنَةِ الذُّكُورِيَّةِ وَالتَّفاسِيرِ التَّقْلِيدِيَّةِ الَّتِي تُبَرِّرُ التَّمْيِيزَ ضِدَّ المَرْأَةِ.
أَمّا فِي قَصِيدَةِ “مَنْ قال” (ص 83)، تُعَبِّرُ الكاتِبَةُ عَنْ الكِبْرِياءِ وَالثِّقَةِ بِالنَّفْسِ، فَتَقُولُ:
فَلَقَدْ شَيَّدْتُ مِنْ حَوْلِي جِدارًا عالِيًا –
أَقْوَى مِنَ الحِصْنِ المَنِيعِ –
هُوَ إِيمَانِي بِذاتِي…
تَقُودُنِي حُرِّيَتِي كَي لا أُساقَ كَما القَطِيعُ”؟
تُبْرِزُ هُنا اعْتِزازَها بِحُرِّيَّتِها وَاسْتِقْلالِيَّتِها، مُؤَكِّدَةً عَلَى قُدْرَتِها عَلَى مُقاوَمَةِ القُيُودِ المُجْتَمَعِيَّةِ.
وَفِي قَصِيدَةِ “مُحاكَمَة” (ص 94)، تَعُودُ لِتُؤَكِّدَ عَلَى المُساواةِ بَيْنَ المَرْأَةِ وَالرَّجُلِ بِقَوْلِها:
لا، لَنْ أَقِفَ مَكْتُوفَةَ الأَيادِي أَسِيرَةَ خافِقِي
فَأَنْتَ مِثْلِي وَأَنَا مِثْلُكَ
تُدافِعُ الكاتِبَةُ عَنْ فِكْرَةِ أَنَّ المَرْأَةَ لا تَقِلُّ مَكانَةً عَنِ الرَّجُلِ، وَأَنَّ لَها الحَقَّ فِي المُساواةِ وَالحُرِّيَةِ
تُظْهِرُ هَذِهِ الأَبْياتُ تَفاعُلًا قَوِيًّا مَعَ قَضايا المَرْأَةِ، حَيْثُ تُعَبِّرُ عَنْ رَفْضِها لِلْقُيُودِ المَفْروضَةِ عَلَى النِّساءِ مِنْ قِبَلِ المُجْتَمَعاتِ التَّقْلِيدِيَّةِ، وَتَدْعُو إِلَى الحُرِّيَةِ وَالاسْتِقْلالِيَّةِ