أمد/
تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيداً في التوترات بين إيران ودول المنطقة الأخرى، ويتزامن هذا التصعيد مع الحرب الدائرة حالياً في غزة، ويثير هذا الوضع يثير القلق بشأن الاستقرار في المنطقة ويطرح المزيد من التساؤلات حول التحديات الكبيرة بشأن السلام الإقليمي، ويثير نظام الملالي الحاكم في إيران تصعيداً في التوترات مع دول المنطقة فضلاً عن استعراضات التصعيد مع الولايات المتحدة وإسرائيل التي تشن حرباً إبادية على أهالي غزة أدت إلى تدهور الوضع الإنساني في غزة وزيادة التوترات بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين، ويهدد هذا التصعيد بنشوب نزاعات إقليمية واسعة قد تفضي إلى حروب بالمنطقة، ويستهجن العرب وكافة القوى الحرة تصعيد نظام الملالي تجاه دول المنطقة ومنها الأردن في ظل الأزمة الفلسطينية المتفاقمة فيما يفسر البعض هذا النهج على أنه اصطيادٌ في الماء العكر ينم عن توجهات سياسية عدوانية.
تداعيات محتملة
بعيداً عن الاحتمالات والتوقعات فقد أدى هذا التصعيد المتزامن في إيران والمنطقة مع الحرب على غزة يمكن أن يؤدي إلى تدهور أمني كبير على الحدود السورية الأردنية وترقبٍ حذِر بالمنطقة، ويمكن أن يعرقل ذلك جهود ومساعي الحوار الإقليمية والدولية؛ أما على الصعيد الداخلي في إيران فقد أدى هذا التصعيد إلى توسيع الحملات القمعية وزيادة كبيرة في عمليات الإعدام وإجراءات تعسفية بحق الشعب الإيراني خاصة النساء والشباب المنتفضين أفعى ولاية الفقيه الحاكمة في إيران، وأما المخاطر والتداعيات المحتملة الأخرى في المنطقة قد تتضمن إعادة طوق العزلة من جديد على رقاب نظامي الملالي في إيران ونظام الأسد في سوريا على أقل تقدير.
المسارات التصعيدية لدى أفاعي الملالي
أربعة مسارات تصعيدية انتهجها نظام الملالي (أفعى ولاية الفقيه الحاكمة في إيران)؛ مسار التواطؤ مع الغرب، ومسار التحريض على الحروب والفتن والإرهاب والتهريب في المنطقة، ومسار الخديعة والخذلان، ومسار تصعيد عمليات القمع والإعدامات وانتهاكات حقوق الإنسان داخل إيران؛ ومن المسارات الأربعة ثلاثة مساراتٍ خارجية ومسار داخلي، وتوضح هذه المسارات حقيقة ما يجري على الأرض في منطقة الشرق الأوسط الذي بات من الواضح فيه أن عبث أفعى ولاية الفقيه فيه وما تقوم به من هدم ودمار وبسط للهيمنة لم يأتي من فراغ بل جاء بدعم أمريكي وأوروبي حيث يتقاسمون النفوذ مع تلك الأفعى في العراق وسوريا ولبنان ويتغاضون عن تمددها وجرائمها في فلسطين بل ويدافعون عنه، ولم تعد هناك قراءة لما يجري بين الغرب وأفعى ولاية الفقيه في إيران سوى أنه أمرٌ مُتفقٌ عليه.. ومن لا يرى الشمس من الغربال أعمى.
مسار التواطؤ مع الغرب وافتضاحه
على مسار العلاقات الدولية لم تكن العلاقات بين ملالي إيران والغرب وفق الثوابت والمناهج الطبيعية التي تقوم عادة بين الدول بل كانت علاقات متعددة الأوجه قائمة بين نظامٍ ودول ولم تكن بين دولة وأخرى أو دولة ودول، وموضوعاً معقد التكوين ولا يعبر عن علاقات شفافة فيما يتعلق بأمور الدول العربية ودول الشرق الأوسط بعد أن استبدل الغرب شاه إيران المخلوع بالملالي المخادعين على سلطة إيران بعد الاحتيال على جماهير الثوار وتضحياتهم وسلب ثورتهم التي قامت من أجل إيران أفضل؛ لم يكن من السهل على الغرب العلماني المدعي بالديمقراطية أن يعتمد ويرسخ نظاماً ثيوقراطياً في إيران يتسلط عليها ويكون عامل تهديد للاستقرار بالشرق الأوسط بدون التخطيط لذلك وتنفيذه بضمانات أعادت خميني بعد أشهر من دخوله فرنسا على متن طائرة فرنسية خاصة ليتسلم زمام الأمور في إيران وفق المخطط المتفق عليه وسياسة الغرب الجديدة بالمنطقة بعد الدولة العثمانية حيث تم ترتيب الأوضاع السياسية بالمنطقة وفق شعارين (شعار القومية العربية في العالم العربي؛ وشعار الإسلام وفق مخطط خميني الذي باركه الغرب) وكلا الشعارين كانا وسيلة لبلورة الواقع السياسي لهذه المنطقة في مرحلة ما بعد الدولة العثمانية، ومن هنا جاء التواطؤ الغربي مع أفاعي الملالي، ويمكن تتبع التواطؤ بين النظام الإيراني والغرب في العديد من الأحداث التاريخية منذ ما قبل قيام الدولة الإيرانية المعاصرة، وقد تغيرت هذه العلاقات بشكل كبير في القرن العشرين بعد الثورة الوطنية الإيرانية في عام 1979 حيث سلب الملالي ثورة الشعب وباتوا يديرون علاقات مزدوجة المعايير مع الغرب وبالتوافق معهم نظام مقابل دول، وقد سادت هذه العلاقات الكثير من المناورات والاستعراضات خاصة مع الولايات المتحدة، وحقق النظام الإيراني أهدافه من خلال هذا التواطؤ مع الغرب، ويعتبر الاتفاق النووي مع نظام الملالي من بين الأحداث الرئيسية التي تبرز التواطؤ بين الغرب والنظام الإيراني.
أطاحت الثورة الوطنية الإيرانية بالشاه، وانقض خميني بدعم غربي لسلب الثورة وانتزاع السلطة عنوة من الشعب واستعباده بشعارات وخطب رنانة يزعم بأنها إسلامية والإسلام بريء مما يدعيه براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
بعد استيلاء خميني على السلطة بدأت مناورات سياسية استعراضية لزوم الدور فقطع ملالي إيران العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في العلن وما خفي كان أعظم.. كما أظهر موقفاً أكثر تشددٍ تجاه الغرب، وبدوره وضمن نفس الدور الاستعراضي اتهم الغرب نظام الملالي بدعم الإرهاب، وتطوير أسلحة نووية وانتهاك حقوق الإنسان.
في عام 2002 كشفت إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عن وثائق سرية تشير إلى أن ملالي إيران كانوا يحاولون تطوير أسلحة نووية وقد أدى ذلك إلى فرض عقوبات دولية على إيران لم تكن بعيدة أيضاً عن ذاك الدور الاستعراضي للمسرحية التي لم تنتهي عروضها إلى اليوم منذ عام 1979 فإدارة بوش التي أقرت تلك العقوبة تحالف معها الملالي على احتلال العراق وهدم الدولة العراقية ومن ثم وقوع العراق كاملا كفريسة بيد أفعى ولاية الفقيه الحاكمة في إيران والمتربصة بالمنطقة، وسادت أجواء الود والتوافق في العلاقة بين الإدارة الأمريكية وأفاعي إيران منذ عام 2003 وإلى اليوم على الرغم من كل التصريحات التي تناقض وكانت فترة رئاسة الرئيس أوباما من أفضل فترات تلك العلاقة، ورغم انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في عام 2018 بحجة أنه غير كافٍ إلا أن العلاقات بين الطرفين بقيت دافئة وقد أوضحت فترة الرئيس بايدن ذلك.
يبدو أن مسار تواطؤ النظام الإيراني مع الغرب قد اخذ شكلاً آخر مؤخراً ، وقد كشفت الأحداث الأخيرة عن الوجه الحقيقي للنظام الإيراني وحقيقة تلك العلاقات من خلال مفاوضات البرنامج النووي والمرونة الواضحة أمام مساعي الملالي إلى تطوير أسلحة نووية وتهديد أمن المنطقة والعالم، ورغم خروج الملالي عن بعض نصوص المسرحية تلك إلا أن الغرب لا يزال حريصاً على بقاء أفاعي ولاية الفقيه كوسائل وأدوات لتركيع واستنزاف المنطقة، وتشير كل التطورات تشير إلى أن الغرب لا يزال حريصاً على بقاء أفعى ولاية الفقيه في السلطة ومتمددة في المنطقة حتى وإن تطلب الأمر لبعض التضحيات.. إذ يرى الغرب أن خطورة نظام الملالي لا تتخطى دول المنطقة وهو أمر يصب في مصلحة الغرب، وأن سياسة التواطؤ معه حتى وإن لم تعد مجدية تبقى أمراً لابد منه.
يقول الدبلوماسي الإيراني السابق سيد جلال ساداتيان إن ما يلاحظ هو وجود نوع من "الدبلوماسية السرية" بين إيران والولايات المتحدة الأميركية في خضم هذه المعركة وذلك من أجل السيطرة على ممارسات الجماعات المسلحة التابعة لإيران في سوريا والعراق، كما أن خطاب حسن نصر الله "المحافظ" أظهر وجود رغبة لدى إيران بعدم توسيع الصراع؛ ونضيف نحن إلى ما قاله: لا بل هناك ما لم يخرج للعلن حتى الآن وفقاً لقراءات الأحداث وتناقضات تصريحات المسؤولين الأمريكان والغربيين وتصريحات أفاعي إيران التي كذبت تصريحات المسؤوليين الغربيين والأمريكان بأن ملالي إيران أبرياء من التورط في عملية طوفان الأقصى… إذ أنهم يبرأون الجاني فيأتي الجاني نفسه ليقول لا بل أنا من فعلها.. وهنا نتساءل كيف يمكن تفسير ذلك؟
وبالنتيجة فإنه من المفضل أن نُدرك مبكراً بأنه لا حلول بالمنطقة دون سحق رؤوس الأفاعي في طهران لصناعة مستقبلٍ جديد بالمنطقة.