مسك محمد
أمد/ مازالت قضية فلسطين وتحديدا الحرب على غزة محل إهتمام العالم، فعلى الرغم من مرور 200 يوم على هذه الأحداث الصعبة إلا أن آلة التصفية الإسرائيلية والإبادة الجماعية ضد الشعب الغزاوي لم تتوقف حتى هذه اللحظة.
وبسبب تفجر الأوضاع في غزة وحصار الشعب بين شقى رحى الحرب والجوع، انفجر طوفان احتجاجات مؤيدة لفلسطين في الجامعات الأمريكية، واتسع نطاق هذه الاحتجاجات وتعالت وتيرة تضامن الطلاب الأمريكيين مع القضية الفلسطينية، وندووا بالحرب على غزة التي راح فيها أكثر من 112 ألف ما بين شهيد وجريح هذا غير المفقودين تحت الأنقاض، وكانت جامعات بيل ونيويوىك وكولومبيا وهارفرد الأبرز في احتضان وتبني الأحداث المؤيد لحق الشعب الفلسطيني في الحياة والمطالبة بضرورة إنهاء الحرب الدامية على غزة.
الطلاب المحتجون أطلقوا دعوات لوقف دائم لإطلاق النار في غزة وإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، وسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الأسلحة وكذلك من الشركات المستفيدة من الحرب، والعفو عن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين تعرضوا لإجراءات تأديبية أو الطرد بسبب الاحتجاج، وبالفعل اجتذبت هذه الاحتجاجات طلاباً وأعضاء هيئة التدريس من خلفيات مختلفة تشمل الديانتين الإسلامية واليهودية، وكان من المجموعات المنظمة للاحتجاجات “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” والصوت اليهودي من أجل السلام”، ونظموا صلوات بين الأديان وعروضاً موسيقية وكذلك مجموعة متنوعة من برامج التدريس لتأييد القضية الفلسطينية.
لكن حدث ما لا يحمد عقباه، فحذرت السطات الأمنية الطلاب من الاعتصام والاحتجاجات، واشتعلت الأحداث خاصة بعدما أقام عدد من الطلاب مخيمات صغيرة للتضامن مع غزة في حرم الجامعات كجامعة كولومبيا بولاية نيويورك الأميركية، وطلبوا الرئيس الأمريكي جو بايدن الضغط على رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو من أجل وقف الحرب ووضع حلا دائما للقضية الفلسطينية، وبالفعل تم اعتقال أكثر من 60 متظاهرا!
وتابعنا تعمد إدارات هذه الجامعات بقمع الطلاب واحتجازهم من قبل الشرطة، ولم يقتصر الأمر على الطلاب بل امتد حتى للأساتذة المطالبين بوقف الحرب وبحر الدماء في فلسطين وحجب الدعم العسكري والسياسي من الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، لكن يبدو أن الجامعات الأمريكية تقمع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، وتصر على ارتداء قناع الحرية والديمقراطية إلى أن أسقطته إنسانية طلاب الجامعات.
ومن الواضح أيضا أن اتساع حركة التضامن مع القضية الفلسطينية في الجامعات الأمريكية وفي جميع دول العالم، تبشر بأن الرأي العام العالمي يعي ويدرك جيدا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي سياستها العنف والقمع ولا تعترف هي وحليفاتها الأولى أميركا بأي ديمقراطية أو أعراف وقوانين إنسانية.. فلماذا تتذرع بالديمقراطية بينما تمارس إبادة جماعية للشعب الفلسطيني؟!
وأكثر ما آثار الاستفزاز، هو حملة الاعتقالات الجماعية في جامعات أمريكية بسبب المظاهرات المناهضة لحرب غزة، ويسعى المسؤولون إلى وقف هذا الانتشار السريع للمطالبات والتنديدات بوقف الحرب وحقن دماء الأطفال والنساء والشيوخ والتوقف عن تدمير البيوت وحصار الفلسطينين في مراكز الإيواء التي تفتقر بأبسط مكونات الحياة، حتى قالت عضوة الكونجرس الجمهورية عن ولاية كارولينا الشمالية، فيجينيا فوكس: “واصلت جامعة كولومبيا فشلها في إعادة ضبط الأمور، واستعادة الأمن”، بحيث أصبح الدعم الفيدرالي لمواجهة الانتهاكات أمرا ضروريا.. فأين الديمقراطية من هذه الأحداث؟!
وما أثار الغضب أيضا، ما قاله الرئيس- الديمقراطي- جو بايدن، الذي انتقده المتظاهرون لتزويده إسرائيل بالتمويل والأسلحة، وقال إنه يستنكر الاحتجاجات المعادية للسامية!!، أيضا وصف الرئيس السابق دونالد ترمب، المرشح الجمهوري لانتخابات عام 2024، الاحتجاج في الحُرم الجامعية بأنه “فوضوي”، ويبدو أن ديمقراطية الرؤساء ليست إلا شعارات سياسية ليس لها وقع حقيقي على أرض الواقع، أو انعكاس واضح على الشعب الفلسطيني صاحب الحق.
ومن الواضح أيضا أن الاعتقالات على إثر الاحتجاجات بالتأكيد ترمز إلى محاولة إسكات الضمير العالمي، كما تؤكد أيضا أن أصوات إسرائيل في أمريكا وخاصة داخل الكونجرس لا يريدون خيرا لفلسطين، فهم لا يريدون إلا استمرار الحرب على غزة لتصفية الشعب الفلسطيني ونهب أرضه بالكامل على يد الكيان المحتل، وكذلك قتل أبنائه أو تشريدهم أو تهجيرهم خارج الأراضي الفلسطينية ليخلو لهم الجو ببناء “كيبوتس” جديدة واتساع دولة الضلال على أصحاب الحق في الأرض.
لكن حرمة الدم الفلسطيني وقتل الأطفال دون وجه حق، لا يرتضيها أي شخص مهما كانت ديانته أو جنسيته، كما أن الرأي العام العالمي مازال متيقظا للجرائم التي تخالف الإنسانية وحقوق الإنسان، فرغم الألاعيب السياسية الأميركية لدعم الكيان الإسرائيلي المحتل إلا أن الإنسانية باقية وستنصر شعب غزة حتى ولو لم يتبقى إلا دعم شخصا واحدا
وفي النهاية.. يراودني سؤال مهم: بأي ديمقراطية تؤمن أميركا؟!