أمد/
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّبت الصديقة الكاتبة إسراء عبوشي: “ماذا يعني أن يخسر إنسان 30 كيلو من وزنه ببضعة شهور ويأتي رمضان فيزيد جوعه بلا إفطار مشبع!؟ يتعرض أسرانا إلى أبشع أشكال التعذيب والتنكيل والبطش والعزل. يجب حمايتهم وإطلاق سراحهم… بكفي. أما أنت يا هيثم وصل سلامك ونريدك بخير وألف سلامة عليك هيثم جابر. وشكرا للأستاذ حسن عبادي على اهتمامه بقضية الأسرى وحمله كل تلك الأعباء. هو حلقة وصل وبارقة الأمل بين الأسرى وذويهم”.
وعقّبت الصديقة جمانا العتبة من الشتات: “ما في شي راح يبرد على قلوبنا غير نشوفهم بين أهلهم. ويطبخ جكر هيثم المعكرونة. له ولجميع الأحرار كل التحية. بنستناكم… قربت… ما أروع عملك الدؤوب… يمكن مرات الواحد بيصيبه إحباط مش قادر حتى يكتب بس بعدني بتابعك… لأنك بتمنحنا هالأمل بإنو راح نشوفهم يا رب عن قريب”.
وعقّبت الصديقة الإعلامية هناء فياض: “لك عزيزي إياد أطيب التحيات، الحمد لله علمنا بأخبارك رغم صعوبتها بعد طول انتظار، معنوياتك عالية وأملك بالحرية لم ينقص وهذا ما عهدناه عليك. قريباً سنقدم التهاني بالحرية لك ولكل الأسرى، ونأمل قريبا تبييض السجون. شكر كبير للأستاذ حسن، الإنساني قبل أن يكون المحامي. كثر الله من أمثالك وبانتظار نصوص حرية جديدة”.
وعقّب الصديق المسرحي نضال الخطيب (مجنون الطنطورة): “اشتهاء المعكرونة يذكرني في نص رسالة شبل في مسرحية أنصار يستشهد في سجن النقب طلب من أمه في رسالة مهربة جاج محشي. بوركت أيها الإنسان الخاص والمعلم والنبيل سلام مني أيضا لسميرة والأحفاد”.
عُدت لزيارة سجن النقب الصحراوي، رغم عناء السفر ومشقّته، للاطلاع على وضع أحرارنا ومستجدّات ما يجري هناك لما سمعته من الويلات ولأكمل جولتي في كلّ السجون باستثناء عوفر البغيض.
“هيكل عظمي متحرّك”
غادرت حيفا الساعة الخامسة صباح الأحد 17 آذار 2024 (حرصاً على الوقت وأزمة السير المعتادة صباح كلّ أحد) ووجهتي سجن النقب الصحراويّ، وبعد انتظار استمر ثلاثة ساعات ونصف، أطل الصديق الأسير هيثم جمال علي جابر (مواليد 10.12.1974، وفي الأسر منذ 23.07.2002) مبتسماً، وبعد القبلات عبر الزجاج المقيت أخذ يستفسر عن مشقّة السفر وطول الانتظار والاطمئنان على زوجتي سميرة والأحفاد، ودوّنت في أوراقي “هيكل عظمي”.
عبّر عن سروره بلقاء زملاء الأسر، عزيز الدويك وإياد أبو خيط (التقاهم في بوسطة النقل داخل السجن حين تجميعهم للقاء معي وأمضوا مع بعض عدّة ساعات بانتظار اللقاء).
أوصلت له بداية سلامات العائلة، وخبر صدور كتابه “رسائل إلى امرأة” ومشاركته بمعرض الكتاب الدولي في القاهرة وبطريقه للبلاد، ورسالة الأسيرة إخلاص صوالحة المعنوَنة “بابا هيثم… صرِت خرّيجة حبوسِة أنا”.
حدّثني عن زملاء الزنزانة؛ سميح الجعبري، محمود الواوي، أيوب خضور، حسن أبو الرب، صلاح المحتسب، أحمد عيسى، عارف الحج محمد، مصعب عادل، حمزة أبو هليل.
صاحبته لحية طويلة شعثاء (وليس كما اعتدته في الزيات السابقة على مرّ السنين، كان مهندماً طيلة الوقت وداير باله ع حالو)، (آخر مرة حلقت يوم 11 أكتوبر، البنطلون غسلته مرتين بآخر 6 أشهر، والبلوزة كمان، استشهد في النقب 28 أسيراً، نزلت عشرات الكيلوات، صرت أرتعب من صوت المفاتيح، فش طقوس رمضانيّة كيف تعوّدنا في سنين الأسر السابقة، لا تسحير ولا أذان والصلاة ع السكت، هناك تسهيلات بسيطة: الكهرباء من الخامسة حتى العاشرة مساءً، صار مصحف في كل غرفة، وصار ميّة في الحمامات كل الوقت بعد ما كانت معدومة فترة طويلة)، وقال بحسرة: “أخذوا كل شي، اغتالوا ديوان الشعر الأخير”.
حتلنني بوضعه الصحّي منذ العمليّة (نسيت الوجع من الوضع اللي إحنا فيه)، وطلب إيصال سلاماته للعائلة وخص بالذكر أخواته أسيل ونسرين، وأخيه بلال، ووالديه، وبارك لضرار بولادة فاطمة… وعلي، ورسالة للأسيرة إخلاص (بنتي الوحيدة التي لم أنجبها).
طلب إيصال سلاماته الحارة لزوجتي سميرة، لفراس حج محمد وإسراء عبوشي وهناء فياض وديمة السمان ومنى قعدان وسلوى الطريفي.
وفجأة قال “قل لإمي إعمليلي طبخة معكرونة ع الترويحة القريبة، طبخَت معكرونة يوم 17.03.1991 وكانت الحبسة الأولى، حرّمتها فترة طويلة وبعد إلحاح طبختها يوم 20.02.1995 وكانت كمان حبسِة، وهاي المرّة بدّي أوكلها جكَر”.
وحين افترقنا قال لي فجأة “شايف أستاذ، صرت هيكل عظمي متحرّك”.
“جهّزوا تختي عند إمّي”
بعد لقائي بهيثم أطلّ الأسير إياد حسين راجح أبو خيط (مواليد 24.05.1987، وفي الأسر منذ 08.11.2004/ مخيم عسكر القديم) مبتسماً، وبعد التحيات هنأني بالسلامة من مشقّة السفر وطول الانتظار، وعبّر عن غبطته بلقاء زملاء الأسر، عزيز الدويك وهيثم جابر (في بوسطة النقل حين تجميعهم للقاء معي وساعات الانتظار).
أوصلته بداية سلامات العائلة ورسالتهم، ورسالة الصديقة هناء فياض ليزول همّ كبير، فلا تواصل مع العالم الخارجي منذ السابع من أكتوبر.
حدّثني عن القسم وزملاء الزنزانة؛ رأفت نصر، عوض عبيّات، يسري زيدان، محمد عريقات، محسن كميل، أحمد بشارات، محمد حمارشة، الشفاعمريّ مالك الأسدي.
حتلنني عن حال الأسرى ووضعهم؛ خفّ موضوع الضرب، تحسينات تدريجيّة، أزمة الفورة، وأخيراً وصلت ماكينة الحلاقة للقسم لكن الدور كبير، أمراض جلديّة بسبب الرطوبة، وتيرة الضغط خفّت، 4 “قتلات” في الفترة الأخيرة، نزل 20 كيلو بالوزن زي باقي الشباب، والمعنويات عالية (بضمّ صوتي لصوت أحمد عارضة؛ مروّحين، يعني مروّحين)، ما في غيارات ولا تواصل مع برّا.
طلب إيصال سلاماته برسالة للعائلة، ومباركة لأخته دالية (انبسطت كثير بالمولود) ورسالته الواضحة: “جهّزوا تختي في الدار عند إمّي، مروّح عن قريب”، ورسالة مطوّلة لهناء يبارك فيها ميلاد زينب، ويقول “الذكريات الحلوة فيما بينا كانت وما زالت سر صمودي رغم شراسة الهجمة”، ويعلمها بأنّ لديه فيصلا جديد.
طلب منّي إيصال سلامات الأسرى لأهاليهم؛ مالك الأسدي (جيب يابا كعكة عيد ميلاد لابني بكر وكأنها منّي)، يسري زيدان، حسان كميل (جهّزوا لي الكبسِة عن قريب)، محمد حمارشة، أحمد بشارات، يحيى زهران، حسن أبو كاملة، مصعب عادل، عارف حنني، سامي الكعبي (بشّرته بترويحة سلّوم).
لكما عزيزيّ هيثم وإياد أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة على أمل لقاء قريب في بلد حر.