رامز مصطفى
أمد/ 76 عاماً وانقلاب المشهد الرؤية التي صاغتها الحركة الصهيونية بقيادة تيودور هرتزل في مؤتمر بال سويسرا عام 1897 للاستيلاء على فلسطين ارتكزت على ضرورة إنشاء تشكيلات عسكرية مهمتها الأساسية تنفيذ هجمات متواصلة على الفلسطينيين في المدن وقراهم وارتكاب المجازر من أجل تنفيذ الطرد الجماعي لهم إلى خارج أرض وطنه. وهذا ما تمّ تنفيذه وتطبيقه، حيث شُكِّلت عصابات الهاغانا والأرغون وشتيرن وبيتار وبلماح.
تلك العصابات ارتكبت العديد المجازر وعلى وجه التحديد مجزرة دير ياسين في نيسان من العام 1948، والتي ارتقى بنتيجتها 278 من الشهداء. وهي التي شكلت التحول الخطير في مسار تحقيق الحلم الصهيوني، لما تركته من أثار نفسية ومعنوية في دب الذعر والخوف بين صفوف العزل من أهلنا لتكرارها في أماكن ومناطق فلسطينية أخرى.
مما قد دفع بهم وتحت هاجس البحث عن الملاذات الآمنة، إلى اللجوء إلى الدول المجاورة لفلسطين. ولعلّ الأكثر بين القادة الصهاينة الذي منح فكرة الترحيل شكلها المُعمّق هو ديفيد بن غوريون حين قال (الترانسفير الإجباري للعرب من الدولة اليهودية المقترحة يمكن له أن يمنحنا شيئاً لم نحصل عليه من قبل، منطقة حرة من العرب.
ولذلك علينا أن نطرد العرب ونأخذ أماكنهم، وإن كان علينا استخدام العنف لضمان حقنا فيجب أن نلجأ لتكون لنا قوة).
ليأتي مدير دائرة الاستيطان في الصندوق القومي اليهودي ورئيس لجنة الترانسفير آنذاك، الصهيوني “يوسف فايتس” ليحدد بوضوح الهدف لمهمته في قوله: (يجب أن يكون واضحاً لنا أنه لا مكان في هذه البلاد لشعبين معاً).
الصهاينة نفذوا عميات الطرد على مرحلتين مفصليتين، الأولى عام 1948، والثانية عام 1967، وبنتيجتهما أصبح مئات الآلاف من الفلسطينيين خارج وطنهم. ومنذ معركة طوفان الأقصى في تشرين أول أكتوبر الماضي، أراد قادة الكيان تنفيذ المرحلة الثالثة لطرد والترحيل كهدف من أهداف حرب الإبادة التي ينفذها منذ ما يزيد عن الثمانية أشهر. وهذا الهدف تمثل في إرغام وإجبار ودفع شعبنا للنزوح باتجاه سيناء هرباً من الحرب، ولكن إرادة وإصرار شعبنا وصمود وبسالة مقاومتنا أسقطت هذا الهدف بعنوانه الأخطر والذي قد تمّ تداوله منذ زمن كهدف لا زال قائماً وهو “دولة غزة في سيناء”. بعد 76 عاماً على النكبة، المشهد بدأ في الانقلاب، على النقيض تماماً لما جرى في 15 أيار 1948، من خلال معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر تشرين الأول الماضي، في وقائع ثلاث عبرت بوضوح عن انقلاب هذا المشهد، وتمثلت أولاً، إذا كانت عصابات الحركة الصهيونية في عام 1948 قد تمكنت ومن خلال ما ارتكبته من مجازر قد حققت مرادها في تهجير وطرد أهلنا من وطنهم. اليوم وبعد 76 عاماً ومن خلال حرب الإبادة لم تتمكن من تكرار نفس السيناريو في قطاع غزة ولاحقاً في الضفة الغربي، بل عبّر شعبنا وبكل فئاته عن تمسكه بأرضه على الرغم من هول المجازر والمذابح والمحارق وحرب الإبادة على مدار ما يزيد من ثمانية أشهر. بل على العكس فإنه وبنتيجة معركة طوفان الأقصى، ومعركة الإسناد للمقاومة في لبنان بقيادة حزب الله قد دفعت المستوطنين الصهاينة في مستوطنات غلاف غزة وشمال فلسطين إلى الهروب من تلك المستوطنات إلى داخل مدن فلسطين المحتلة وخارجها. وثانياً، سقوط ما سوّقته الحركة الصهيونية من سردية ورواية مزيفة قامت في أساسها على ما لحق باليهود من مظالم تاريخية تمثلت ب “الهولوكست” على يد النازية الألمانية زمن هتلر. ناهينا عما طخته أمريكا والغرب الأوربي الذيلي لها، من أنّ الكيان هو الواحة الديمقراطية الوحيدة في منطقة تسودها التخلف وانتهاك لحقوق الإنسان واستباحة لحرية التعبير والرأي… الخ. هذا السقوط المريع لتلك الرواية والسردية في العالم، وسقوط القناع عن هذا الكيان الدموي الفاشي والنازي، وإن قد تأخر 75 عاماً من مسلسل وسياق طويل من سياسات إجرامية ارتكبها هذا الكيان بحق شعبنا الفلسطيني.
وصوره ومشاهده المروّعة تبث مباشرة على هواء الفضائيات على مدار الساعة على أرض قطاع غزة والضفة، وبشهادة العالم ودوله، أنها ترتقي إلى جرائم حرب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وهذا أمر غير مسبوق ولم يكن متاح لولا هذا الصمود الإعجازي لشعبنا، وإرادة المقاومة المنقطعة النظير لديه، والمستندة لقوة الحق الفلسطيني، الذي ومهما طال الزمن هو المنتصر.