د. طلال الشريف
أمد/ رغم السرعة الكبيرة التي تميز كل مناحي عصر العولمة والثورة الرقمية إلا أنني ألحظ بطأً في حل النزاعات ونتائج الحروب لا يتناسب مع حالة السرعة التي ميزت الإنسان وسلوكه وحركة التجمعات البشرية وخاصة الدول في العقود الثلاثة الماضية وهي عقود توطن الثورة الرقمية.
أردت قول هذه الفقرة كمقدمة سريعة مختصرة جدا لظاهرة قد تكون غائبة عن السياسيين والمحللين في حالتنا الفلسطينيةالآنية وسبقتها حالات اخرى على مستوى العالم وآخر نموذج حرب قريبة هي الحرب في اوكرانيا التي ستمضي بمفاعيلها لعقد قادم حتى تستتب وتثبت الحالة هناك، وفي فلسطين والحرب على غزة التي يشعر الجميع بأنها تميزت بالسرعة المشابهة لعصرنا، إلا أن ثبات هذه الحالة واستتبابها لن ياخذ عقدا من الزمن كما حال حرب اوكرانيا، بل سيمتد الزمن في ترتيب الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية لثلاثة عقود لأسباب تميز الصراع العربي الإسرائيلي عن الصراع في أوكرانيا، وكذلك بسبب طبيعة الشعوب وخصائص الشخصية العربية او الشرق اوسطية وكذلك بسبب خاص لطبيعة التنافر الثقافي الناتج من العدوان وتكرار الحروب لزمن طويل امتد لخمسة وسبعين عاما، يضاف إليها العوامل المجتمعية عامة في المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني والصراع على قطعة أرض واحدة .
لو نظرنا للواقع العربي وضمنه الواقع الفلسطيني وتشابه الخصائص فالملاحظ ايضا ان أي صراع أو تحديات ثورية كبيرة للتغيير تحدث في واقعنا، إن جاز تسميتها ثورية، فهي تتميز في العموم بالانغلاق او التقادم او الإزمان، وتأخذ وقتا طويلا بلا حسم او حلول، سواء صراع العرب مع جيرانهم او في داخل دولهم او مجتمعاتهم او حتى داخل الحزب الواحد او بين أحزابهم، والملاحظ نادرا ما ينتج عنها حلول سريعة وإن حدثت فهي تكون حلول قصرية تشققية أو تفتتية أو انقلابية دموية تؤسس لصراعات وتحديات أكبر تستعصي على الحل لتعمق صفة الإقصاء والإستئصال وسطحية صفة القبول بالآخر مهما كان هذا الآخر ..
لم أر حلا في العقود الأخيرة لقضية حرب او تغيير او حتى فوضى خلاقة كما قيل في الواقع العربي منذ عقود قد حلت سريعا سوى قضية احتلال العراق للكويت ومن حلتها هي أميريكا، وبقيت كل القضايا الأخرى عالقة او متفاقمة أو مزمنة ونماذج اليمن، سوريا، العراق، لبنان، ليبيا، السودان، وحتى قضية الصحراء في المغرب مازالت عالقة..
اما في فلسطين فالقصة مختلفة لان الاحتلال الإسرائيلي ثبت مبكرا، وفي حرب غزة بالذات تاكد لغير المتأكد، أن ليست إسرائيل هي فقط المشروع الصهيوني، بل إن السلاح سلاح الجميع الصهيوني، وان المال هو مال الحميع الصهيوني، وأن الولايات المتحدة واوروبا هم المشروع الصهيوني الحقيقي، واقول المشروع الصهيوني لفهمي العميق لطبيعة الصراع انه صراع قومي عربي – إسرائيلي صهيوني، اي هو صراع على ارض عربية، وسكان او قوم عرب، وهو ليس صراعا دينيا، او، طبقيا، او أي شيء آخر مهما كانت فروع التحشيد له من اقتصاد او عقيدة او تحالفات او حتى سبق علمي او حتى ثقافي او حضاري.
الآن سناتي على العنوان هكذا سيكون اليوم التالي للحرب على غزة
ما هو الوضع اليوم في غزة لنقول ما هو الوضع في اليوم التالي لتوقف الحرب على غزة؟
ودون العودة لكيف ولماذا بدات الحرب وما هي الخسائر ومن المنتصر او المهزوم، نحن امام حقائق :
١- اسرائيل كانت في غزة قوة احتلال وعادت إلى غزة كقوة احتلال.
٢- اسرائيل ستحتل معبر رفع ومحور فلادلفيا لتكون لها السيطرة الأمنية كما قالوا منذ البدء وتلك قضية استراتيجية تعتبرها اسرائيل اهم من الحرب نفسها وأهم من الخسائر ومن الأنفاق والصواريخ والمحتجزين وليس فقط كما يقولون لمنع التسلح ولمنع هروب المقاتلين او تهريب السلاح فالمقاتلين عقائديين لن يهربوا والسلاح تصنعه حماس في غزة والبحر مفتوح.
إذاً إسرائيل تريد السيطرة على الأمن والحدود من خلال تواجدها في معبر رفح وتحكمها في حركة الغزيين جميعا ولا معبر للعالم غيره، اي ان إسرائيل ستبقى محتلة لقطاع غزة لتتحكم في حركة السكان وشؤونهم لمنع مهاجمتها في المستقبل
٣- اسرائيل ستستغل حقول غاز غزة لصالحها.
٤- بكل ما سبق ستمنع اسرائيل قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في حال تعرضها لضغوطات، وتصوري امريكا غير جادة في ذلك بالمعنى العملي وأمريكا لم تنتج غير مشروع دولة مسخ في صفقة ترامب طوال زمن الصراع الطويل ..
اوروبا كما ثبت لاحقا وسابقا لا نفوذ لها على اسرائيل غير تقديم الدعم والعون لها ولا أحد سينخدع بموقف عاطفي ومظاهرات شعوبها، لأنهم عند المحك سينحازون لإسرائيل، فرغم مواقف كانت متقدمة لدول مثل اسبانيا وايطاليا وحتى فرنسا وبريطانيا التي تقدم مبادرات بكذبة حل الدولتين، ورأينا مواقفهم بعد عواطف الشعوب ومظاهراتهم، راينا المواقف الحقيقة في محكمة العدل الدولية واجهاض الادانة لإسرائيل ومنع وقف اطلاق النار.
اسرائيل ستبقي على احتلالها لقطاع غزة وستنشئ إدارة مدنية لشؤؤن الناس ولكن تحت حكم عسكري ستبقى غزة لفترة طويلة لحين تغيرات عالمية قد تأتي أو لا تأتي.
اسرائيل ستبقي على احتلالها لقطاع غزة كما السابق وستنشئ إدارة مدنية وتشغل عمال قطاع غزة وترفع أعداد عمال الضفة الغربية في مراحل لاحقة لتفرض حالة مرتبطة بالعمل والرزق بديلا للسلطة في رام الله وبديلا للأحزاب في غزة وستحدث اسرائيل حالة من الهدوء لسنوات مثلما كان الحال قبل الإنتفاضة الكبرى في العام ١٩٨٦ وسيستمر احتلال غزة لسنوات طويلة حتى تعود حالة تشبه حالة الانتفاضة الكبرى والعصيان المدني لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة وحينها ستجبر اسرائيل على حل الدولتين لأن النموذج التي خضعت له إسرائيل للحلول وإنشاء السلطة الفلسطينية كان بفعل المقاومة السلمية بالإنتفاضة والعصيان المدني وجدير بالذكر أن اسرائيل ومكونات المشروع الصهيوني التي ذكرناهم اعلاه اوروبا والولايات المتحدة ستكون خلال هذه العقود قد اجهزت على النظام الإيراني وقسمت ايران عبر اثنياتها وطوائفها وإنهاء دورها كحامي وممول للمقاومة ومحورها، وهو نفس محور المجابهة والرفض الذي ترعرع سابقا وإن اختلفت التسميات حين قادت سوريا جبهة الرفض قبل إضعافها وتقسيم اراضيها بين الميليشيات الطائفية والعرقية وببن القوات الاجنبية وهجرة ملايين المواطنين السوريين وهو بالضبط ما سيحدث للإيرانيين خلا العقود الثلاث القادمة، وبعدها ستقوم الدولة الفلسطينية في العام٢٠٥٤ – ٢٠٥٥ اي بعد ثلاثة عقود من الآن وستكون نتيجة للانتفاضة والمقاومة الشعبية بعد ان ثبت بان الدولة الفلسطينية لن تقوم بالحروب ولا المقاومة العسكرية المسلحة منذ النكبة في العام ١٩٤٨.
ستكون خطة نتنياهو ومراحلها الاولى والثانية بفريق عسكري يحكم غزة كما جاء في خطة رجال الأعمال كما تسرب من صحيفة معاريف بدون حماس او بوحود حماس ولكن لن تقوم دولة فلسطين إلا بانتفاضة وعصيان مدني مستمر زمنا طويلا ودون توقف إلا بإقامة الدولة الفلسطينية.
الخلاصة إن المعركة الأخيرة في حرب غزة ستكون بين حماس والمقاومة مع القوات الإسرائيلية التي ستحتل محور فلادلفيا والاستيلاء على معبر رفح لتكون قد احكمت اسرائيل السيطرة على قطاع غزة كما أعلن نتنياهو مبكرا في بداية الحرب وإن كانت اعترفت الولايات المتحدة الآن بدولة فلسطينية كخطوة اولى بعد الحرب ولن تكون دولة بالمعنى الحقيقي إلا بعدالعقود الثلاثة القادة وبواسطة الإنتفاضة والعصيان المسلح الطويل الأمد.