حسام خضرا
أمد/ عادةً ما يتم تعريف مفهوم “الدولة والحُكم” بناء على عدة معايير تتبلور حول فكرة المساحة والشعب واللغة والدين والثقافة والوحدة المجتمعية، لكن وبالقطع فإن هذا الأمر مختلف تماماً لدى حركة حماس التي فرضت سيطرتها على قطاع غزة بالقوة العسكرية عام 2007، وحاولت تسويق القطاع على أنه المكان الملائم لإقامة شبه الدولة الفلسطينية التي لطالما سعت الحركة لتعزيز فكرتها في أذهان حلفائها وأنصارها، دون أي التفات للضفة الغربية التي تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية التي تعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
ومنذ اليوم الأول للانقلاب الذي قامت به حماس كانت الأنظار إلى معبر رفح البري الذي يربط القطاع بالعالم الخارجي، فقبل العام 2007 كانت فكرة السفر إلى مصر كوجهة أولى للمواطنين الفلسطينيين سهلة، وإن كانت هناك بعض العراقيل أحياناً، لكن الأمر اختلف تماماً في عهد حركة حماس لتصبح فكرة السفر معقدة وأحياناً مستحيلة، وذلك لأن معبر رفح بات في عهد حماس يشكل أداة قياس تعمل على إظهار مدى قبول العالم لحكم الحركة في القطاع، ولذلك ومع كل اتفاق كانت تبرمه الحركة على مدار السنوات الماضية كان معبر رفح البري هو الركيزة الأساسية التي يبنى عليها الاتفاق لإدراك قيادة الحركة أن حكم غزة يبدأ من بوابة رفح، كما أن المعبر أصبح أداة فعالة للجباية سواء عن طريق الرشاوى التي يعرفها الغزيون جيداً والجمارك ومصادراتها.
وفي ظل قصور الفكر السياسي لدى قيادات حركة حماس وهو الأمر الذي ظهر جلياً منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع فإن فكرة السيطرة على معبر رفح لا تزال هاجساً يؤرق منام أعضاء المكتب السياسي الذين ارتفعت مخاوفهم بعد أن حدث ما كان خارج توقعاتهم باجتياح الدبابات الإسرائيلية للمعبر خلال دقائق معدودة دون أية مقاومة تذكر، حتى أن البعض بات يشبه اجتياح المعبر بيوم سقوط بغداد بعد التصريحات العنترية التي كان يغرقنا بها محمد سعيد الصحاف عبر قناة الجزيرة.
ومع الوضع المتأزم حالياً فإن الحركة باتت في مأزق حقيقي لا ينبئ بالخير خاصة مع ما يبدو أنه توافق إسرائيلي مصري أمريكي على أنه لا عودة لحركة حماس إلى حكم معبر رفح، مع أن الخيارات المطروحة ليست كثيرة وليس من بينها تواجد القوات الإسرائيلية داخل المعبر فلا مصلحة لإسرائيل بذلك كما تشير التقارير، لكن يجب أن يكون هناك بديل جاهز يمكنه تسيير عمل المعبر لإدخال المساعدات وتسهيل مغادرة الجرحى والمسافرين إلى الجانب المصري، ولا أعتقد أن حالة الصمت التي يعيشها الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأتي من فراغ، فهناك حالة من الترقب المستمر لردود الفعل لدى حركة حماس التي باتت ترفض أي طرح يمكنه حل هذه الأزمة خاصة بعد التقارير التي تحدثت عن قيام شركة أمريكية بالسيطرة على المعبر أو عودة عناصر السلطة الفلسطينية لتسيير عمل المعبر لفترة مؤقتة أو الحل الذي تم تسريبه مؤخراً حول قيام إسرائيل بتفعيل دور العشائر داخل القطاع بهدف السيطرة على الشارع والمعبر في حالة غياب الحركة عن المشهد.
وعلى ما يبدو فإن لحركة حماس رأي واحد لا يتغير يتمثل بأن حكم غزة أمر دونه الموت، ومن مقاطع الفيديو التي بدأت تطفو على السطخ مؤخراً يمكننا أن نرى كيف غادر مقاتلوا الحركة أماكنهم والتحموا بالنازحين في رفح ليس بهدف حمايتهم، لكن بهدف قمع أي شكل مستقبلي من أشكال التمرد، خاصة وأن التقارير تشير إلى أن نفوس الغزيين باتت مليئة بالغضب من قيادات وعناصر الحركة وقراراتهم وتصريحاتهم التي باتت لا تنقطع طوال اليوم دون أي قراءة مستقبلية أو خطاب للشعب يمنحه قليلاً من المعلومات حول ما يحدث في المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي أو حتى مع حلفائهم في قطر وإيران وتركيا، وهذا الأمر يعطينا نظرة لا تخيب حول أن الحركة عازمة على الدفاع عن حكمها لغزة حتى وإن كلف هذا الأمر آلاف الأرواح، ولا سبيل لتغيير تلك القناعة مهما حدث.
هذا ولأن مصلحة الحركة تتغلب دائماً على مصلحة الوطن والمواطن، فإن حركة حماس من موقعها ترى أن أي دخول لطرف آخر على خط المعركة يعتبر معركة جديدة، وفي مثل هذه المعارك فإن السائد دائماً هو ما يروج له قادة الحركة بأنه ليس لدى حماس ما تخسرة، لذلك فإن تقديم آلاف الأرواح فداء لعودة حماس إلى حكم المعبر والسيطرة على قطاع غزة يعتبر سهلاً بالنسبة لقيادة منفصلة تماماً عن الواقع.
وما يمكنني طرحه في الوقت الحالي من حلول يتمثل بأن سياسة الأمر الواقع التي تتبعها الحركة وقيادتها لا تتم مواجهتها فلسطينياً إلا بسياسة الأمر الواقع التي يجب أن تتبناها الدول العربية التي تعتبر حليفة حقيقية للشعب الفلسطيني بعيداً عن الشعارات الواهية مثل السعودية ومصر والإمارات، ولا يمكن فرض هذا الحل إلا بوضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على طاولة التفاوض لبحث حلول جذرية لعودة السلطة الفلسطينية لإدارة معبر رفح بعيداً عن حالة العداء المستمرة بين حركة حماس والسلطة وتغليباً لمصلحة المواطن الفلسطيني الذي شارف على الانفجار في وجه جميع المتاجرين باسمه منذ سنوات، فالحرب لم تكشف أي جديد بالنسبة لقناعات المواطنين الغزيين حول قيادتهم، لكن ما حدث هو أن منطق الربح والخسارة قد انتهى في ظل هذه الحرب ولم يعد لدى الغزيين ما يخسرونه.