أمد/
التأمت يوم الجمعة الماضي، في العاصمة السعودية الرياض، قمة عربية سباعية مصغرة ضمت دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والأردن، بلا حضور أو تمثيل فلسطيني بأي شكلٍ من الأشكال.
ركّزت القمة على الحرب في غزة وكيفية إنهائها، وطرح خطة عربية لليوم التالي واقعية وقابلة للتنفيذ، تتبناها قمة أخرى موسعة وطارئة يفترض أن تعقد في القاهرة الأسبوع المقبل للمصادقة عليها رسمياً كبديل لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الساعية إلى تهجير أهالي قطاع غزة والسيطرة عليه وامتلاكه من أجل القيام بعملية إعادة إعمار ضخمة، تحوّل القطاع إلى ريفيرا الشرق الأوسط بحسب تعبير ترامب.
بداية، كان من المفترض أن تكون القمة خماسية تضم السعودية وقطر والإمارات، وهي الدول الخليجية المعنية أو المنخرطة مباشرة في حرب غزة والقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى مصر والأردن باعتبارهما الدولتان المعنيتان بخطة ترامب لأنها تستهدفهما مباشرة وتدعو أساساً إلى تهجير الفلسطينيين إليهما، ما يخلق خطراً يهدد أمن الأردن ومصر والأمن القومي العربي بشكل عام وتصفية القضية الفلسطينية، وهو أمر لا ولن يقبل به الفلسطينيون أيضاً، وسيؤدي إلى اشتعال المنطقة بدلاً من تهدئتها وإشاعة أجواء السلام فيها، على افتراض أن الخطة تهدف إلى ذلك بحسب مزاعم ترامب وإدارته.
توسيع القمة
إذن بناء على المخاطر المحدقة بالقضية والأمن القومي العربي بشكل عام، والتحديات الهائلة المطروحة على الدول العربية، جرى توسيع القمة لتضم دول مجلس التعاون الخليجي كلها- في غياب معتاد لسلطنة عمان ودعم ما يتم التوافق عليه خليجياً وعربياً- مع حضور لافت للكويت صاحبة الأيادي البيضاء بالقضايا العربية والحاضرة أيضاً في مساعدة وإغاثة غزة خلال الحرب، بحيث بتنا أمام القمة السباعية كما شهدنا أمس، في الرياض.
كان الملك الأردني عبد الله الثاني قد أشار أثناء لقائه الرئيس الأميركي في البيت الأبيض منتصف شباط/فبراير الحالي إلى ضرورة انتظار الخطة المصرية والحديث مع السعودية، بمعنى طرح خطة عربية جامعة جدية مقابل خطة ترامب، تتم المصادقة عليها رسمياً بقمة عربية استثنائية طارئة تعقد في القاهرة أوائل آذار/مارس المقبل.
في السياق، كان وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو، قد أشار إلى هذا الأمر تحديداً بمعنى أن أحد أهداف خطة ترامب ورفع السقف المتعمد “التهجير”، يتمثل في دفع الحكومات العربية تحديداً إلى تقديم خطة أفضل، والأهم ربما تحمل المسؤولية السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية عن غزة، وتحرير إسرائيل وبالتبعية أميركا من هذا العبء، مع التنصل من الجوهر السياسي للقضية الفلسطينية، بل استغلال غزة للفت الانتباه عن خطط الضم والتهويد والاستيطان في الضفة الغربية.
ومن هنا وبنظرة إلى الوراء، عمد ترامب إلى إجبار الدول العربية على تحمل المسؤولية عن كرة النار الملتهبة في غزة، ولكن وفق محددات أو قواعد متفق عليها بين تل أبيب وواشنطن.
طرح مضاد
وعليه تمثّل التحدي من جانب العرب بطرح مضاد من منظور وطني وقومي، يستند إلى مصالح الدول العربية وحق الفلسطينيين، غير القابل للتصرف، في تقرير مصيرهم، بما في ذلك رفض تهجيرهم القسري بعد تدمير غزة، وارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق أهلها وإجبارهم على الرحيل، لتسهيل التملك الأميركي والسيطرة الأمنية الإسرائيلية فيما يشبه المكافأة بدلاً من المساءلة والمحاسبة على تلك الجرائم.
في الخطوط العريضة المطروحة غير المكتملة والخاضعة للنقاش، وبحسب مصادر مطلعة فلسطينية ومصرية وعربية موثوقة، وضعت القاهرة خطة في إطار سياسي عام، لكنها ركزت أكثر على تفاصيل وآليات إعادة الإعمار التقنية، بما يضمن بقاء الغزيين وقيامهم بالجهد الكبير والمركزي في إعادة إعمار وطنهم، بينما ستتولى الدول العربية، خصوصاً الخليجية، تقديم الدعم المالي بمبلغ ضخم يقدّر بـ20 مليار دولار، علماً أن العملية برمتها تحتاج إلى أكثر من ضعف هذا الرقم 53 ملياراً، بينما وضع الأسس وإطلاق العملية نفسها بشكل ناجع يحتاج إلى 20 ملياراً في أول ثلاث سنوات ضمن سيرورة قد تستغرق 10 سنوات .
وبالعودة إلى القمة، كان لافتاً إبقائها بعيداً عن الإعلام مع نشر وكالة الأنباء السعودية خبراً مقتضباً مع صورة للمشاركين فيها، ما ينسجم مع كونها غير رسمية، كما النقاش المفتوح والتباينات حول اليوم التالي فيما يخص الجوهر السياسي، سواء المرحلي المتعلق بحضور السلطة وحماس، أو الاستراتيجي الخاص بالأفق البعيد وشق المسار الجدي نحو الدولة الفلسطينية العتيدة، وكيفية وضع خطة تنال الدعم العربي الدولي ولا ترفضها إدارة ترامب والضغط على إسرائيل لقبولها بصفتها القوة القائمة بالاحتلال مباشرة أو غير مباشرة في غزة والضفة الغربية بشكل عام.
غياب الحضور الفلسطيني
كان لافتاً كذلك غياب الحضور الفلسطيني في القمة، رغم أنباء سابقة أفادت بعكس ذلك، وتسريبات عن تباينات عربية أيضاً وانفتاح العالم العربي القديم-مصر والأردن- على حضور السلطة في غزة وحتى حماس-ومستودعات سلاحها المراقب والمتحفظ عليها مصريا وأوروبياً- وتحفظ العالم العربي الجديد-الخليجي- على الأمرين بحجة أن لا إمكانية أو خطة واقعية وقابلة للتطبيق بحضور السلطة بهيئتها الحالية وحماس وأسلحتها وأجهزتها الأمنية وموظفيها خصوصاً من الفئة الأولى.
هذا يفسر أيضاً غياب البيان الختامي للقمة بمعنى أن التباينات لا تزال حاضرة حيث لا يمكن الاكتفاء بالشق التقني المالي اللوجستي لإعادة الاعمار على أهمية ذلك، وضرورة التوافق على اليوم التالي سياسياً حيث لا تستطيع السلطة الحالية الفاسدة المستبدة والمنفصمة والمترهلة فعلاً، أن تكون جزءاً من المشهد. كما لن تستطيع حماس الاحتفاظ بالسلطة والسلاح بموازاة البقاء بالمشهد الحزبي. وهذه أمور يجب أن تناقش في سياق وتوافق وطني فلسطيني مدعوم عربياً ودولياً للمضي قدماً بلجنة مستقلة لإدارة غزة “مرتبطة بشكل ما برام الله” مع احتضان عربي سياسي اقتصادي وأمني عبر قوة حفظ سلام عربية أممية والشروع الفوري بإعادة الاعمار وفق الخطة المصرية عبر أسس صلبة لمرحلة أولى من ثلاث سنوات بموازاة خلق أفق ومسار سياسي واضح نحو اجراء حزمة الانتخابات الفلسطينية الكاملة ضمن المدى الزمنى نفسه على طريق الحل السياسي العادل والمستدام للقضية وفق الشرعية الدولية وقراراتها والذي بدونه لا امكانية لأمن وسلام واستقرار في غزة وفلسطين والمنطقة وحتى العالم بشكل عام.
عن المدن