أمد/
رام الله: تنقل إسرائيل نفاياتها إلى الضفة الغربية، محولةً الأراضي الفلسطينية إلى مكب ضخم للنفايات السامة. من جهة، تنقل إسرائيل نفاياتها بشكل "منظم" إلى شركات إسرائيلية رسمية تدير مكبات ومحارق نفايات في الضفة الغربية، لكن من جهة أخرى تساعد إسرائيل على نمو شبكات تهريب كبرى في جنوب الخليل لحرق النفايات الإلكترونية (E-Waste) مطورة سوقا سوداء تدر أرباحاً على مشغليها بنحو 28.5 مليون دولار سنوياً، لكنها تخلق كارثة بيئية حقيقية دفعت المنظمات الاستيطانية إلى المطالبة بفرض سيادة إسرائيلية على هذه المناطق التي خلقتها أصلا الإدارة المدنية الإسرائيلية. هذا التقرير يستعرض الكارثة البيئية في الضفة الغربية.
الضفة الغربية: "مزبلة" النفايات الإسرائيلية!
تستغل إسرائيل الأراضي الفلسطينية لإقامة منشآت لمعالجة النفايات التي تنتجها بدلاً من معالجتها داخل الخط الأخضر. يتم نقل النفايات الخطرة، مثل الطين الناتج عن معالجة مياه الصرف الصحي، النفايات الطبية، الزيوت المستعملة، المذيبات، المعادن، النفايات الإلكترونية، والبطاريات، إلى الضفة الغربية، مما يحول الضفة الغربية إلى "ملاذ بيئي" أو "مزبلة" للنفايات الإسرائيلية.
فرضية الملاذ البيئي (Pollution Haven Hypothesis) تشير إلى ممارسة غير قانونية وغير أخلاقية تقوم بها الشركات في الدول "المتقدمة" حيث تُفرض قوانين بيئية صارمة والتي تنقل نفاياتها الملوثة إلى دول أو مناطق ذات تنظيم بيئي ضعيف.
تسعى هذه الشركات إلى تقليل تكاليف الامتثال البيئي، مما يؤدي إلى تدهور البيئة في الدول المستضيفة وزيادة التفاوت البيئي العالمي. ولكن في السياق الفلسطيني، لا يشير "الملاذ البيئي" إلى علاقة دولة متقدمة (إسرائيل) مع دولة مستضيفة ضعيفة (الضفة الغربية)، وإنما إلى علاقة استعمارية معقدة بحيث:
1) تنظر إسرائيل إلى الضفة الغربية باعتبارها فضاء للتوسع الاستيطاني اليهودي وعليه فإن البنية التحتية للمستوطنات والمتعلقة بجمع النفايات، أو التخلص منها، أو إعادة تدويرها، تعتبر متطورة، وتوفر بيئة خضراء وأكثر أماناً؛ 2) لكن في المقابل تستغل إسرائيل المناطق الفلسطينية، أو الأحياء البعيدة عن المستوطنات، لتحويلها إلى مكب نفايات يعتبر هو الأكثر خطورة في منطقة الشرق الأوسط ويتيح لإسرائيل تطوير سياسات المحو بوسائل بيئية إذ تتسبب هذه المكبات في كارثة بيئية تتعلق بتلوث المياه الجوفية، إبادة الثروة الحيوانية والنباتية؛ 3) ومن جهة ثالثة، تقمع إسرائيل أي محاولات من السلطة الفلسطينية (والتي تعتبر أصلاً جهازاً غير منظم وارتجالياً في ما يخص التخلص من النفايات) وتحرص على ضمان عدم تطوير البنية التحتية الفلسطينية المتعلقة بإعادة تدوير النفايات، أو التخلص منها، مما يتيح للإدارة المدنية الإسرائيلية بإدارة الفجوة البيئية بين الإسرائيليين والفلسطينيين كوسيلة أخرى لخلق واقع طارد للفلسطينيين، قد يتكشف مستقبلاً بشكل أكبر مع ازدياد عدد السكان وتفاقم المخاطر الصحية على الفلسطينيين؛ 4) ومن جهة رابعة، ونتيجة لسياسات الاستعمار في إدارة فجوة بيئية، تحمل منظمات استيطانية يمينية السلطة الفلسطينية المسؤولية عن ذلك، متجاهلة التشريعات الإسرائيلية القامعة، وتدعو إلى فرض تشريعات إسرائيلية تتعلق بمجال البيئة حتى على مناطق "أ" و"ب".
الشركات الإسرائيلية المسؤولة عن معالجة النفايات في المناطق الصناعية في الضفة الغربية
تعمل عدة شركات إسرائيلية على معالجة النفايات القادمة من داخل إسرائيل في منشآت مقامة في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ومن أبرزها:
إكو ميديكال (Eco Medical) وتعمل في المنطقة الصناعية معاليه إفرايم إلى الشرق من قرية دوما ومتخصصة في معالجة النفايات الطبية الحيوية والمعدية القادمة من المستشفيات والمختبرات في إسرائيل. تقدر النفايات الطبية التي تعالجها الشركة بنحو 3,300 طن سنوياً.
شركة غرين أويل (Green Oil) وتعمل في المنطقة الصناعية "غرب أريئيل" وتتعامل مع معالجة الزيوت والشحوم المستعملة. تقدر النفايات التي تعالجها الشركة بنحو 5،000 طن سنوياً.
شركة إي إم إس (EMS) وتعمل في منطقة شيلو الصناعية شرق رام الله ومسؤولة عن إعادة تدوير النفايات الإلكترونية والبطاريات ومعالجة المعادن الثقيلة. وتعد منشأة "EMS" الوحيدة المخولة إسرائيلياً بإعادة تدوير البطاريات الإلكترونية في إسرائيل.
شركة إم. تي. إيه (M.T.A) وتعمل في منطقة ميشور أدوميم الصناعية شرق القدس وتعالج المذيبات الكيميائية الخطرة الناتجة عن الصناعات الإسرائيلية المختلفة.
شركة كومبوست أور (Compost Or) وتعمل في الأغوار الشمالية وتعالج الطين الناتج عن معالجة مياه الصرف الصحي الإسرائيلية، ويتم استخدامه كأسمدة في المستوطنات. هذه المنشأة تستقبل 225,000 طن من الطين الناتج عن محطات معالجة مياه الصرف الصحي الإسرائيلية.
شركة توفلان (Tovlan) وتعمل أيضاً في الأغوار الشمالية وهي مكب ضخم يستقبل النفايات من المستوطنات الإسرائيلية والمناطق المدنية داخل إسرائيل.
شركة بولكوم (Polcom) وتعمل في منطقة كدوميم الصناعية بالقرب من كفر قدوم غرب نابلس وتعالج العبوات الفارغة للمواد الخطرة.
شركة "الكل للتدوير" (All Recycling) وتعمل في منطقة بركان الصناعية وتعالج النفايات الإلكترونية.
شركة تالوس (Talos) وتعمل في منطقة ميتاريم الصناعية شرق خربة زنوتة في الخليل وتتعامل مع معالجة الزيوت المستعملة.
شركات أوفك (R.A. Ofek) وغرين دَنلُوب (Green Dunlop) وزِمورا (Zemora) وكلها تعمل في منطقة عطاروت الصناعية وتعالج نفايات البناء والنفايات الصلبة المختلفة.
فضلاً عن التخلص من نفايات المناطق الصناعية الإسرائيلية في الضفة الغربية، فإن هذه الشركات مسؤولة عن تحويل ما يقارب 350,000 طن من النفايات الخطرة سنوياً من داخل إسرائيل إلى الضفة الغربية.
وتطبق إسرائيل معايير بيئية صارمة داخل حدودها، لكنها تسمح للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بتشغيل مصانع معالجة النفايات بمعايير أقل صرامة، مما يجعل تشغيلها هناك أرخص وأقل تكلفة على الشركات.
كما تقدم الحكومة الإسرائيلية إعفاءات ضريبية ودعماً مالياً مباشراً للشركات التي تنقل عمليات معالجة النفايات إلى المستوطنات.
ويشير تقرير لمنظمة بتسيلم إلى أنه لا يتم نشر معلومات رسمية حول كميات النفايات التي يتم إرسالها إلى الضفة الغربية أو تأثيرها البيئي، مما يمنع الفلسطينيين من أي إمكانية للاعتراض أو تنظيم هذه الأنشطة.
شبكات تهريب النفايات الإلكترونية في جنوب الخليل
من أخطر أنواع النفايات التي يتم التعامل معها في الضفة الغربية هي النفايات الإلكترونية المهربة من إسرائيل، حيث يتم تهريب ما بين 57,000 و64,000 طن سنوياً، ثم حرقها لاستخراج المعادن الثمينة مثل النحاس.
هذا الأمر يؤدي إلى مستويات عالية من التلوث، وتقدر التكلفة الصحية والبيئية الناتجة عن ذلك بنحو 242 مليون شيكل سنوياً.
تنتج عن هذه الحرائق ملوثات خطرة، مثل الديوكسينات والجسيمات الدقيقة والمركبات العضوية المتطايرة وأول أكسيد الكربون، مما يسبب مشاكل صحية خطيرة تشمل أمراض الجهاز التنفسي، وأمراض القلب، وزيادة خطر الإصابة بالسرطان.
يتأثر كل من الفلسطينيين والإسرائيليين بهذا التلوث، تبعاً لاتجاه الرياح وانتشار الملوثات في الجو.
تقدر الخسائر الصحية والاقتصادية الناجمة عن تلوث الهواء بسبب حرق النفايات في الضفة الغربية بنحو 9.1 مليار شيكل بين العامين 2023 و2030.
وفي العام 2022 وحده، قدرت التكاليف الصحية والاقتصادية بما يتراوح بين 880 مليون و1.3 مليار شيكل، وتشمل هذه التكاليف خسائر في الإنتاج الزراعي، والنفقات الصحية، والأضرار البيئية.
وتعتبر ظاهرة محارق النفايات الإلكترونية مشكلة عالمية وتتركز في دول فقيرة أو مهيمن عليها مثل أجبوجبلوشي في غانا، غوييو في الصين، كراتشي في باكستان، نيودلهي في الهند، ولاغوس في نيجيريا، بالإضافة إلى جنوب الخليل في الضفة الغربية.
في جنوب الخليل، ومنذ أكثر من 15 عاماً، يتم جمع غالبية النفايات الإلكترونية الإسرائيلية ونقلها إلى أربع قرى فلسطينية هي: بيت عوا، دير سامت، الكوم، وإذنا. هذه الأماكن كانت تاريخياً مراكز لتجارة المواد المستعملة، مثل تجار "ألتي زاخن" الفلسطينيين الذين كانوا يجمعون الأثاث المستعمل من إسرائيل قبل أن ينتقلوا إلى النفايات الإلكترونية.
وترتبط هذه المحارق الخطيرة بسوق سوداء حيث يتم جمع ما يصل إلى 40,000 طن سنوياً من النفايات الإلكترونية الإسرائيلية، مما يوفر أكثر من 1000 وظيفة مباشرة ويدعم 380 مشروعاً، ويحقق إيرادات تقدر بـ 28.5 مليون دولار سنوياً.
تقع هذه المحارق في المناطق المصنفة "ج"، حيث لا تستطيع السلطة الفلسطينية فرض سيطرتها الكاملة، بينما نادراً ما تتدخل إسرائيل لتنظيم هذه الأنشطة. لكن هذه القرى قريبة جداً من الخط الأخضر، مما يجعل النقل عبر الشاحنات ممكناً، ويسهل تهريب الأجهزة الإلكترونية المهملة من المستوطنات الإسرائيلية والمناطق الحضرية الإسرائيلية اليها.
الأخطار البيئية "ذريعة" لتوسيع التدخلات الإسرائيلية في مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية
في نهاية العام 2024، قدمت جمعية "يروك أخشاف" اليمينية تقريراً إلى وزارة حماية البيئة الإسرائيلية يوضح الأضرار الناجمة عن سوء إدارة النفايات والصرف الصحي في الضفة الغربية متجاهلة الدور المتعمد للإدارة المدنية في تفاقم المشاكل البيئية وداعية إلى فرض تشريعات إسرائيلية على مناطق "أ".
بحسب التقرير، فإن تلوّث الهواء الناجم عن حرق النفايات غير القانوني وتلوّث المياه الجوفية بسبب سوء معالجة مياه الصرف الصحي، يسببان خسائر تقدر بـ 1.3 مليار شيكل سنوياً، أي 26 مليار شيكل خلال 20 عاماً إذا لم يتم حل المشكلة، وتقترح إنفاق نحو 3 مليارات شيكل لحل المشكلة على أن الحل يكون عبر فرض هيمنة إسرائيلية وتدخل سافر في شؤون الفلسطينيين بدلاً من رفع القيود عن السلطة الفلسطينية والسماح لها، كما ينص اتفاق أوسلو، بتطوير معالجاتها للمشاكل البيئية.
ويضيف التقرير إلى أن نحو 700,000 فلسطيني لا يحصلون على خدمات جمع نفايات منظمة، مما يؤدي إلى التخلص العشوائي منها أو حرقها، ما يتسبب بتلوث كبير، بالإضافة إلى قيام الفلسطينيين بفتح مئات المواقع غير القانونية لدفن وحرق النفايات، بما في ذلك النفايات الإلكترونية وقطع السيارات، مما يسبب تلوث الهواء والتربة والمياه.
في ما يخص مياه الصرف الصحي، فإن الضفة الغربية تتخلص سنوياً من نحو 90 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي، 80% منها مصدرها المناطق "أ" و"ب" وباقي التجمعات الفلسطينية.
ونحو 38 مليون متر مكعب من مياه الصرف غير معالجة، ما يؤدي إلى تلوث الأنهار والمياه الجوفية وتهديد مصادر المياه الطبيعية. في المقابل، تعالج المستوطنات الإسرائيلية مياه الصرف الصحي الخاصة بشكل كبير، مع تحويل نحو 50% من المياه المعالجة ويتم إعادة استخدامها للري، لكن يحظر على الفلسطينيين تطوير بنى تحتية مشابهة تخصهم.
وقد كشف تقرير مراقب الدولة الإسرائيلية للعام 2024 عن أن 123 موقعاً غير قانوني لحرق النفايات الفلسطينية في الضفة الغربية تسببت بتلوث يعود (بفضل الرياح) إلى داخل إسرائيل.
وبينما أن إسرائيل حولت الضفة الغربية إلى مكب نفايات ومنعت السلطة الفلسطينية من تطوير منظومة معالجة للنفايات، إلا أن وزيرة شؤون البيئة الإسرائيلية اليمينية عديت سيلمان قالت: "يهودا والسامرة لن تكون الفناء الخلفي البيئي لإسرائيل. سنطبق قوانين البيئة الإسرائيلية بحزم، مع مراقبة صارمة وبنية تحتية حديثة لضمان بيئة نظيفة وآمنة"!