أمد/ باريس: بنيامين نتنياهو وفلاديمير بوتين، اللذان يعوّلان على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، سيبذلان قصارى جهدهما لإطالة أمد الحرب في غزة، الأمر الذي سيكون كارثيًا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، سواء في الشرق الأوسط أو في أوكرانيا، بحسب تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية.
تقول الصحيفة إنه من المقلق أن نلاحظ أنّ الحرب في غزة أصبحت غير مهمة بسرعة أكبر من الحرب في أوكرانيا، رغم أنّ الخسائر في أوكرانيا عسكرية أكثر منها مدنية، في حين قُتل أكثر من 21 ألف شخص في غزة في غضون 86 يومًا.
وتضيف الصحيفة أنه مع ذلك، لا شيء يسمح لنا بالتنبؤ بنهاية هذه المأساة. وتلفت إلى أنّ لدى بنيامين نتانياهو، وأيضًا فلاديمير بوتين، مصلحة كبيرة في إطالة أمد الصراع مع احتمال إعادة انتخاب دونالد ترامب، وهو الأمر الذي يطمح إليه كلاهما، لذلك فوفق تقديرها “حان الوقت لأوروبا أن تستجمع قواها لتجنّب مثل هذا السيناريو الكارثي”.
وبالنسبة للصحيفة فإنّ بنيامين نتانياهو لا يقامر فقط ببقائه السياسيّ في الحرب في غزة، إذ إنّ إطالة أمد الصراع إلى أجل غير مسمّى هو أيضًا أفضل ضمان له للاحتفاظ بحصانته كرئيس للحكومة، في حين أنّ الإجراءات الثلاثية المفتوحة منذ عام 2019 ضده بتهمة الفساد والاحتيال وخيانة الأمانة، يمكن أن تنتهي بعقوبة السجن. ولهذا السبب بلا شك، خصص لجيشه هدفًا خطابيًا أكثر منه عسكريًا، ألا وهو “القضاء” على “حماس”، وهو الهدف الذي تعدّ فرص تحقيقه ضئيلة جدًا.
رهان مزدوج على ترامب
ووفق التقرير لا يهم بنيامين نتانياهو، الذي أصبح استمرار الأعمال العسكرية بالنسبة له هدفًا في حدّ ذاته، ليس فقط للحفاظ على السلطة في إسرائيل ولكن أيضًا لإضعاف جو بايدن، الذي لم يكن حزبه الديمقراطيّ منقسمًا إلى هذا الحدّ من قبل، فهو يعتمد باستمرار على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، الذي قدّم له الدعم غير المشروط من عام 2017 إلى عام 2020.
ولكن ليس نتنياهو الوحيد الذي قام بهذه الحسابات، فلاديمير بوتين، مقتنع بأنّ إعادة انتخاب دونالد ترامب ستضمن النصر على أوكرانيا، ولذلك يبرز الآن باعتباره الرابح الأكبر من الحرب في غزة، بعد أن أثبتت الديمقراطيات الغربية عجزها عن الدفاع في الشرق الأوسط عن مبادئ القانون التي التزمت باسمها رغم ذلك بدعم أوكرانيا.
وتواصل الصحيفة مؤكدة أنّ التأثير غير المتوقع لا يقدّر بثمن بالنسبة للكرملين، الذي قام دائمًا بدمج المسرحين الأوروبيّ والشرق أوسطي في طموح الهيمنة نفسه، في حين أنّ التناقض الغربيّ بين هذين المسرحين، والذي أصبح واضحًا بالفعل على المستوى الاستراتيجي، يتفاقم الآن مع “المعايير المزدوجة على الحدود مع مرض انفصام الشخصية”، بحسب الصحيفة.
ومن ناحية أخرى، يعرف فلاديمير بوتين أنه يستطيع الاعتماد على نتانياهو، الذي لم يسلم قط رصاصة واحدة لأوكرانيا والذي علاقته مع الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي سيئة، حتى أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ لم يأذن للرئيس الأوكرانيّ بزيارة إسرائيل لإظهار التضامن بعد هجمات “حماس” في 7 أكتوبر.
أوروبا تقف في مواجهة الجدار
ويذهب التقرير في المقابل إلى أنّ احتمالات النجاح الروسيّ في أوكرانيا تتزايد مع كل يوم من إطالة أمد الصراع في غزة، لذلك ينبغي أن يكون هذا الدليل الاستراتيجيّ كافيًا لإقناع الزعماء الأوروبيّين بالتعبئة لصالح تسوية دائمة للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني بالطاقة نفسها التي بذلوها لدعم أوكرانيا في عام 2022.
ويرى التقرير أنّ تكاليف تهميش أوروبا لذاتها في ظل الأزمة المستمرة في الشرق الأوسط قد تكون باهظة. ومن هنا تأتي ضرورة قيام الاتحاد الأوروبيّ بجعل سياسته القصيرة والمتوسطة الأمد متوافقة مع “الهدف الاستراتيجي” الذي حدده لنفسه والمتمثل في حلّ الدولتين بين إسرائيل وفلسطين. ولا بدّ من إعادة تقييم كل أشكال التعاون مع إسرائيل في ضوء هذا الهدف الاستراتيجي.
ويختم التقرير مؤكدًا أنه لا يمكن للاتحاد الأوروبي، ولا ينبغي له، أن يكتفي بدور الممول لإعادة إعمار المناطق المدمرة في غزة، وهو الدور الذي تسنده إليه الولايات المتحدة وإسرائيل عن طيب خاطر، حيث يعفيان نفسيهما من مسؤوليّتهما عن مثل هذا الأمر، مشددًا على أنّ “مصير أوروبا في 2024 سيتحدد في غزة”.