أمد/ كتب حسن عصفور/ لعل السؤال الأول، الذي برز مباشرة بعد انطلاق الحرب العدوانية الشاملة على قطاع غزة، من قبل غالبية شعبية ليس فلسطينية فقط، هو متى سيتم تنفيذ شعار “وحدة الساحات”، وهل يمكن للحرب أن تشهد تغيرا دراماتيكيا نحو مواجهة شاملة لحرب شاملة.
ويبدو، أن السؤال لا زال قائما بعد مرور 100 يوم على أحد أخطر الحروب ضد الشعب الفلسطيني، وفقا لما بدأت ملامح نتائجها التي ظهرت في نكبة معاصرة، وشكل من أشكال “الإبادة الجماعية” غير المسبوقة في الصراع العربي الفلسطيني مع دولة العدو، تحدث أمام العالم في مشهد لا مثيل له ضمن صراعات عالمية أخرى.
بعد 100 يوم، انتقل السؤال من متى يمكن الى لا يجب أن تتم مشاركة دول وأطراف عربية وإقليمية في الحرب التدميرية لفلسطين الكيان والشعب، نحو فرض مشروع تهويدي عام لن يقف عند حدود قطاع غزة والضفة والقدس، فيما لو استمر المسار وفقا لمآرب أهداف الفاشية اليهودية.
بات المطلب الرئيسي لكل من كان يفترض أن يكون طرفا مباشرا، هو كيف يمكن حصار وتطويق “عدم اتساع الحرب”، بحيث تحول الأمر وكأن التضحية بقطاع غزة أهلا ومكانة جغرافية، بل ومستقبل سياسي هو المقدمة الأساسية للشعار الغريب بل والمستفز لكل فلسطيني، المسمى عدم اتساع الحرب.
بعد 100 يوم، كان المفترض، أن تصبح المنطقة العربية من محيطها الذي خبى هديره الى خليجه الذي فقد كل روح ثورية به، مرورا بدول وأطراف هتفت كثيرا لفلسطين، لكن ما كان خلافا لما كان يجب أن يكون، وانتقل الأمر عبر لقاءات مكوكية لوزير خارجية “تحالف حرب تصفية مشروع الكيانية الفلسطينية الأول” اليهودي الصهيوني بلينكن، جولات بمعدل واحدة كل 20 يوما مركزها منع الانتقال من مرحلة الكلام العربي والرطن الفارسي التركي، الى مرحلة المشاركة النسبية التفاعلية في الحرب القائمة.
بعد 100 يوم، كان بالإمكان أن تستغل الدول العربية، بعيدا عن بلاد فارس والأتراك، فرصة المواجهة لوضع قواعد عمل مختلفة مع دولة الفاشية اليهودية، وتغيير قواعد السلوك العام، بل وتعديل مختلف الاتفاقات التي كانت منذ عام 1979، مع تلك الدولة التي لم تحترم يوما مبدأ السلام والتعايش بل تفاخر رئيس حكومتها بأنه من حطم فرصة “التكوين السلامي” مع الشعب الفلسطيني، ومنع وقف مشروع التهويد في الضفة والقدس، ويبحث عن صناعة نكبة تفوق بنتائجها التدميرية – السياسية ما كان عام 1948.
بعد 100 يوم، السؤال الأبرز، لماذا تلك المناشدات بعدم توسيع الحرب، وما هي المخاسر التي يمكن أن تكون، وهل حقا مجمل المكون العربي مصاب بحالة رعب شمولية من دولة الفاشية، فلجأت بمناشدات لا لتوسيع الحرب، رغم أن نتائج حرب غزة لن تكون “ضيقة بحدود القطاع”، وفي حال فرضت دولة الفاشية اليهودية موقفها على فلسطين، سيكون قوة مضافة لها في فرض وقائع جديدة مع المحيط العربي.
بعد 100 يوم، تصبح مطالبات عدم توسيع الحرب هو الوجه الآخر، لإسقاط الشعار الذي ساد طويلا في بيانات الدول العربية، قمما ومؤسسات، ما عرف بـ “مركزية القضية الفلسطينية”، وسيلغى الى حين زمن تبديلي للواقع القائم قد يطول، ذلك الشعار الذي استمر منذ عام 1948 وحتى أكتوبر 2023، وبات جزءا من ضحايا النكبة الجديدة التي طالب فلسطين شعبا وقضية.
بعد 100 يوم، أكدت حرب غزة المؤكد الذي كان منذ وقفت الرسمية العربية متفرجة على حرب دولة الإرهاب بقيادة شارون ضد منظمة التحرير في لبنان، وهي ذات الرسمية التي غابت كليا خلال حرب “المواجهة الكبرى” بين 2000 – 2004 لتدمير بنى السلطة الوطنية ثم اغتيال مؤسسها الخالد ياسر عرفات، لتفتح الباب واسعا للمؤامرة الأكبر عبر باب الانقسام تمهيدا للنكبة الأحدث، عبر إبادة جماعية وجرائم حرب فاقت ما عرفته البشرية قبلها.
بعد 100 يوم من حرب غزة، لم يكن لكل مظاهر “الافتخار الإعلامي” السائدة أثر واقعي على منع حرب الإبادة لشعب فلسطين، كيانا وهوية، تحت شعار خادع بأن العدو لم يحقق أي من أهدافه، ممرا تبريرا من دفع ثمن في معركة تتطلب ثمنا وليس غيره.
بعد 100 يوم، لم يعد بالإمكان لفلسطيني وطني، أي كان هواه السياسي، أن يشعر بانتماء الى أطر الرسمية العربية، ولن تكون جزءا من وعي الانتماء الكفاحي بل ستبقى جزء من الانتماء الجيني.
بعد 100 يوم من حرب غزة، أصبح ضرورة كبرى وضع رؤية وطنية لما يجب أن يكون، قبل أن يفرض ما لا يجب أن يكون، حينها لا ندم يفيد ولا حزن ينفع من دفع ثمنا لتبقى فلسطين هي فلسطين.
ملاحظة: غادرنا يوم السبت أخي الكبير سليمان محمد عصفور “أبو نبيل”، في مدينة جدة بالعربية السعودية، بعد رحلة عمل طويلة، كان بها أخا ووالدا، وداعما لأبناء بلدتنا عبسان الصغيرة، رحيل بعد أسابيع من رحيل رفيقة دربه الطويل العزيزة أم نبيل.
يغادرنا “أبو نبيل” دون أن تحتضن جثمانه أرض بلدتنا مجاورا الوالد والأهل ورفيقة رحلته..رحيل مرارته قاسية رغم ما يحيط بشعبنا وأهلنا في القطاع الحبيب من حرب لا مثيل لها..
أخي الأعز والأحب سأفتقدك كثيرا..وداعا يا سليمان..وداعا أبونبيل.