أمد/
بيروت – أ ف ب: شكّلت حرب غزة التي دخلت شهرها الرابع، دافعاً لمعرضين تشكيليين في بيروت يوثقان واقع الفلسطينيين في مختلف المراحل، منذ ما قبل نزوحهم ولجوئهم إلى دول الجوار حتى اليوم، من توقيع فنانين مخضرمين وشباب، فلسطينين وعرب.
تتوسط المنحوتة البرونزية "طفل صغير: أمير غزة" الصالة الرئيسية لمعرض تنظّمه "مؤسسة رمزي وسائدة دلّول للفنون"، استوحِيَ عنوانه "أمير غزة الصغير" من هذا العمل الذي نفذه الفنان اللبناني شوقي شوكيني عام 2010.
ويستريح الأمير المعدني على منصة غطتها بطاقات مستطيلة كأنها هويات عليها أسماء الأطفال الذين قُتلوا في الحرب التي أوقعت في غزة حتى الأحد 23968 قتيلا، 70% منهم نساء وأطفال، إضافة إلى أكثر من ستين ألف جريح، بحسب وزارة الصحة التابعة لحماس.
وقد اندلعت الحرب في غزة إثر هجوم نفذته حماس داخل إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر الفائت وخلّف نحو 1140 قتيلا معظمهم مدنيون، بحسب حصيلة جمعتها وكالة فرانس برس بالاعتماد على أرقام رسمية إسرائيلية.
ويضمّ المعرض البيروتي المقام بالتعاون مع المتحف الفلسطيني في بلدة بيرزيت في الضفة الغربية، 86 عملاً لتوجيه "تحية وإهداء لأطفال غزة الذين لم يُقتلوا فحسب بل يتعرضون لمجزرة"، بحسب مديرة الأبحاث في المؤسسة والقيمة على المعرض وفاء الرز. وقالت الرز "إنها إبادة جماعية".
ويركّز المعرض، وفق المسؤولة عنه، على أعمال تتناول الأطفال ومعاناتهم والجانب الإنساني للقضية الفلسطينية.
وعلى طرف المنصة نفسها، يقف تمثال صغير للفنان العراقي ضياء العزاوي، لفتى في العاشرة يضع يديه خلف ظهره، يمثّل شخصية حنظلة الشهيرة لدى رسام الكاريكاتور الفلسطيني المعروف ناجي العلي، والتي أصبحت رمزاً للهوية الفلسطينية.
وفي الصالة المقابلة، تجهيز آخر عبارة عن بطاقات صغيرة بيضاء، مكوّمة على شكل تلة ردم صغيرة، هي بمثابة "تحية للأطفال الذي قضوا تحت الأنقاض"، على ما تشرح الرز.
وتقول الرز بصوت ممزوج بالأسى "حين افتتحنا المعرض كان عدد الأطفال الذين قضوا ستة آلاف أما اليوم فتجاوز عددهم عشرة الآف".
وتختصر لوحة فوتوغرافية مركّبة للفنانة الغزاوية ليلى الشوّا موضوع المعرض، إذ تصور صبياً على خلفية دائرة حمراء في منظار بندقية قنّاص، وعلى الصورة كتابات التقطتها عدستها من الشعارات على جدران غزة.
وبالخط الكوفي وبألوان العلم الفلسطيني على لوحتين كبيرتين للفنان الفلسطيني بشير مخول، كُتبت عبارة "أطفال الحجارة"، في إشارة إلى استخدام الأطفال الفلسطينيين الحجارة في مواجهاتهم مع قوات الأمن الإسرائيلية.
وللفنان نفسه جدارية عنوانها "نقطة من دمي"، ترمز للانتماء الى الأرض والهوية وتشكل خلفية شريط فيديو يظهر أطفال غزة من 1930 إلى اليوم، أرسله المتحف الفلسطيني في بيرزيت.
– إشارة النصر والملثّم –
ولا تقتصر اللوحات على موضوع الأطفال، بل تتناول القضية الفلسطينية ككلّ، ببعديها السياسي والاجتماعي.
وتبرز مجموعة خماسية لمدير المتحف الفلسطيني عامر الشوملي، يتجلى فيها أسلوبه النقدي الساخر والجريء، إذ تتكرر فيها علامة النصر بالإصبعين، لكنّ التدقيق في تفاصيلها يُظهر في إحداها مثلاً مسامير تثبّت الإصبعين واليد، رمزاً للتعذيب، وفي أخرى حقيبة سفر في إشارة الى اللجوء، وسوى ذلك من الرسائل في البقية.
واللافت لوحة للفنان الفلسطيني سليمان منصور عن تجربة الانتظار خلف الحواجز الأمنية في ممرات ضيقة يتكدس فيها الساعون إلى العبور بين جدران عالية.
وتبرز لوحة "الملثّم" للبناني أيمن بعلبكي الذي رسمها بطلب من صاحب المجموعة الراحل رمزي دلول الذي تمنى عليه "أن تكون النظرات ثاقبة تعكس الكرامة وعزة النفس"، بحسب الرز.
وفي المعرض أيضاً، عدد من الأعمال عن النساء الفلسطينيات. وقالت الرز "حين تأسست منظمة التحرير الفلسطينية في ستينات القرن الفائت، بات الفن التشكيلي وسيلة فنية للبروباغندا السياسية، وتكررت من لوحة إلى أخرى صور الحمامة وأشجار الزيتون والبرتقال والبندقية والمفاتيح والأزياء المطرزة والمرأة التي ترمز الى الوطن والأرض".
– لوحة مرتبطة بالحدث –
وكانت النساء الثائرات، ببنادقهن وعباءاتهن المطرّزة ومناديلهنّ محور مجموعة لوحات للفنان السوري برهان كركوتلي، ضمّها معرض بعنوان "فن من أجل قضية" أقيم أخيراً في غاليري صالح بركات في العاصمة اللبنانية.
وقال بركات لوكالة فرانس برس إن النساء حاضرات بقوة في الأعمال التشكيلية الفلسطينية "لأن الثورة كانت امراة"، والمرأة "تساوي الرجل وتحارب مثله".
وأراد صالح بركات أن يسجل من خلال المعرض الذي أقامه في صالته موقفاً تضامنياً "مع فلسطين في هذه اللحظة التاريخية"، على ما قال لوكالة فرانس برس.
وما وصفه بركات بـ"الاستهتار الدولي بهذه القضية الإنسانية" رغم مقتل أكثر من 23 الفاً، دفعه للعودة الى مجوعته الخاصة، وبدأ يُخرج منها لوحة تلو الأخرى. وروى جامع الأعمال الفنية أنه اشترى هذه القطع لأن موضوع كل منّها يمسّه.
فكل لوحة في معرض "فن من أجل قضية" الذي نظّمه تروي قصة عن فلسطين مرتبطة بحدث أو ذكرى، "وتعكس التزام الفنانين التشكيليين" الفلسطينيين وسواهم من العرب بالقضية الفلسطينية، كلّ على طريقته.
واختصر المعرض 35 عاما من اهتمام بركات بالموضوع نفسه "المرتبط بالظلم"، على قوله. ويفتخر بإقتنائه مثلاً لوحة للسوري فاتح المدرس رسمها في القدس في العام 1966، وأخرى للفنان الفلسطيني المقدسي تيسير شرف تؤرخ سقوط القدس في 1967 وسواها.
وتقول حلا الحاج التي تجولت في المعرض "أردت أن أرى القضية الفلسطينية تتجسد بالألوان".
وأحبّ شقيقها حازم لوحة الجرّافة التي تهمّ باقتلاع شجرة زيتون للبنانية تغريد درغوث، والتفاصيل في لوحات السوري برهان الكركوتلي، وفي رأيه أن الأبيات الشعرية والشعارات التي تزيّن اللوحات، "توحي بالحاضر الذي نعيشه" .