وخلال جولته بالشرق الأوسط الأسبوع الماضي، والتي شملت السعودية وإسرائيل، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن محادثات التطبيع مستمرة و”هناك مصلحة واضحة في المنطقة في متابعة ذلك”.
وقال بلينكن للصحفيين في السعودية قبل توجهه إلى إسرائيل: “فيما يتعلق بالاندماج والتطبيع، نعم، تحدثنا عن ذلك في الواقع في كل محطة، بما في ذلك بالطبع هنا في السعودية”.
وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، الثلاثاء الماضي، قال سفير السعودية لدى المملكة المتحدة، الأمير خالد بن بندر آل سعود، إن “هناك بالتأكيد اهتمام” بتطبيع العلاقات، مضيفا” كان هناك اهتمام منذ عام 1982″.
ثمن أعلى
لكن الخبراء يقولون إن الثمن الذي ستطالب به السعودية مقابل التطبيع سيكون أعلى الآن مما كان عليه قبل حرب غزة، حيث قد تشعر الرياض بأنها مضطرة إلى انتزاع المزيد من التنازلات من الولايات المتحدة وإسرائيل.
وقال الكاتب والمحلل السعودي، علي الشهابي، لـ”سي إن إن“، إن الحكومة السعودية لا تزال “منفتحة على التطبيع بشرط أن تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة على الأرض لإرساء أسس حل الدولتين”.
وعلى سبيل المثال سيكون ذلك، بإزالة الحصار بشكل كامل عن غزة، وتمكين السلطة الفلسطينية بشكل كامل في القطاع والضفة الغربية، وكذلك الانسحاب من المناطق الرئيسية في الضفة الغربية، بحسب الشهابي.
وأشار الشهابي إلى أن الخطوات يجب أن تكون “وعودا ملموسة وليست فارغة يمكن أن تنساها إسرائيل بعد التطبيع كما فعلت مع الدول الأخرى التي طبعت معها، على حد تعبيره.
وفي حين أن بلينكن لم يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، إلا أنه أضاف أن المزيد من اندماج إسرائيل في الشرق الأوسط سيتطلب “إنهاء الصراع في غزة”، فضلا عن تمهيد “مسار عملي” إلى دولة فلسطينية.
ويسعى الفلسطينيون إلى إقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ومسؤولون إسرائيليون آخرون مرارا وتكرارا احتمال قيام دولة فلسطينية.
وفي نوفمبر 2009، أكد نتنياهو، أنه سيقبل بدولة فلسطينية “منزوعة السلاح”، طالما أنها لا تمتلك قوة عسكرية وتعترف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، حسبما ذكر موقع “صوت أمريكا” وقتها.
وفي الشهر الماضي، قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إن الحكومة الإسرائيلية “لا تريد حل الدولتين”.
وقال بايدن “يتعين على (نتنياهو) تغيير هذه الحكومة.. هذه الحكومة في إسرائيل تجعل الأمر غاية الصعوبة”، مضيفا أن إسرائيل “لا يمكنها أن تقول “لا” لإقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف، وهو ما يعارضه متشددون إسرائيليون.
وذكر بايدن “لدينا فرصة للبدء في توحيد المنطقة… وهم لا يزالون يرغبون في ذلك. لكن علينا أن نتأكد من أن بيبي (نتانياهو) مدرك أنه يجب أن يتخذ بعض الإجراءات من أجل تعزيز ذلك… لا يمكنك أن ترفض قيام دولة فلسطينية… وهنا يكمن الجزء الصعب”.
وفي عام 2020، اعترفت أربع دول عربية، وهي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، بإسرائيل بموجب مجموعة من المعاهدات المعروفة باسم اتفاقيات إبراهيم، متجاوزة المطلب العربي طويل الأمد بإقامة دولة فلسطينية.
ومنذ ذلك الحين، تعمل إدارة بايدن على حمل السعودية، على أن تحذو حذوها، وهي خطوة كان من الممكن أن تفتح الباب أمام دول إسلامية أخرى للاعتراف بإسرائيل.
وفي حين أن إقامة دولة فلسطينية كان الموقف الرسمي للرياض على مدى عقدين من الزمن، فإن هذا المطلب كان غائبا عن الخطاب الرسمي في السنوات الأخيرة، قبل هجوم 7 أكتوبر.
وعندما سئل عن متطلبات السعودية للتطبيع مع إسرائيل، قال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في سبتمبر لشبكة “فوكس نيوز” إنه يأمل أن يصل الاتفاق “إلى مكان يسهل حياة الفلسطينيين”.
وقال بن سلمان، لدى سؤاله عن توصيفه للمحادثات التي تهدف إلى توصل المملكة لاتفاق مع إسرائيل لإقامة علاقات دبلوماسية “كل يوم نقترب”.
ولدى سؤاله عما يتطلبه الأمر للتوصل لاتفاق تطبيع، قال بالإنكليزية: “يجب أن نرى إلى أين سنصل، نأمل أننا سنصل إلى مكان سيسهل حياة الفلسطينيين ويجعل إسرائيل لاعبا في الشرق الأوسط”.
وفي ذلك الوقت، كان الخطاب الرسمي يتركز على ضمانات أمنية أميركية أقوى للسعودية، فضلا عن مساعدة الولايات المتحدة في البرنامج النووي المدني للمملكة.
ودفع هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل والحرب المدمرة في غزة التي أعقبته، السعودية إلى وقف محادثات التطبيع مع الحكومة الإسرائيلية.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، في الفترة من 14 نوفمبر إلى 6 ديسمبر، أن 96 بالمئة من السعوديين الذين شملهم الاستطلاع البالغ عددهم 1000 شخص قالوا إنهم يعتقدون أنه “يجب على الدول العربية قطع جميع الاتصالات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية وأي اتصالات أخرى مع إسرائيل على الفور”، وذلك احتجاجا على العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل في غزة.
وقال الزميل بمعهد الشرق الأوسط في العاصمة واشنطن، فراس مقصد، لـ”سي إن إن”، إن بالنظر إلى مدى غضب الرأي العام السعودي في ضوء الحرب في غزة، ستحتاج الرياض الآن إلى تنازلات إسرائيلية أكثر أهمية تجاه الفلسطينيين، ربما بما في ذلك “إنشاء دولة فلسطينية مؤقتة”.
وقال الأمير خالد، السفير السعودي، لـ”بي بي سي”: “على الرغم من أننا ما زلنا نمضي قدما حتى بعد 7 أكتوبر، نؤمن بالتطبيع، إلا أنه لا يأتي على حساب الشعب الفلسطيني”، واصفا الفلسطينيين بأنهم “العنصر الأساسي” في أي تسوية.
وردا على سؤال عما إذا كانت حماس ستكون جزءا من أي دولة فلسطينية مستقبلية، لم يستبعد السفير هذا الاحتمال، قائلا إن ذلك “يتطلب الكثير من التفكير، والكثير من العمل… هناك دائما مجال للتغيير إذا كان لديك التفاؤل والأمل”.
الرياض ليست في عجلة من أمرها
ومع ذلك، يمكن للسعودية الانتظار حتى تصبح الظروف مناسبة للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، حسبما قال مقصد لـ”سي إن إن”.
وقال مقصد إن “وفود الكونغرس، المكونة من الديمقراطيين والجمهوريين، تزور هذه المملكة الآن بشكل متكرر، وقد انتعشت العلاقات مع إدارة بايدن بعد بداية وعرة”.
ومع ذلك، فإن الرياض تشعر بالقلق من التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، وهي “الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، ووصف الأمير خالد الموقف الإسرائيلي الحالي بأنه “متطرف ومطلق ولا هوادة فيه”.
وقال لـ”بي بي سي” إن المشكلة ليست في الأرض التي يحتلها المستوطنون، مضيفا “المستوطنون هم الذين احتلوا الآن الحكومة الإسرائيلية، وأعني بذلك المستوطنين المتطرفين، والعقلية الاستيطانية المتطرفة المطلقة”.
ومن جانبه قال الشهابي، إن حكومة بلاده “ليست مهتمة بالتجميل”، معتبرا أن اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل هو “الورقة الوحيدة التي تملكها الولايات المتحدة أو أي شخص آخر مع إسرائيل لتشجيعها على تقديم التنازلات”.
وأضاف أن “المملكة تدرك ذلك وتريد أن تحاول الدفع من أجل التوصل إلى تسوية نهائية لهذا الصراع”.