أمد/
لندن: نشرت “المجلة” السعودية في حلقة ثانية تفاصيل الصراع مع “الإخوان” وتهديد رفعت بـ”مليون قتيل”… و”أول إشارة” للتوريث من الأسد.
وفي اجتماع للقيادة القطرية عقد نهاية مارس/آذار، قررت القيادة القطرية لحزب “البعث” الحاكم إقالة حكومة خليفاوي وكان ذلك في غياب الرئيس الأسد. وعندما أرسلت القيادة القطرية القرار للأسد “استغرب الأمر وأخذه على محمل المزح”. فدعا القيادة إلى اجتماع وكانت تعقد الاجتماعات في مقر القيادة “حيث بدأ الأسد وهو يضحك قائلا: ماذا حدث في الدنيا؟ فأجابه الأمين القطري المساعد محمد جابر بجبوج: كنا نناقش مواضيع تتعلق بالحكومة وجرنا النقاش إلى اقتراح الثقة بالرفيق خليفاوي وصوتت القيادة بالإجماع. وهنا سأل الرئيس اللواء خليفاوي عن رأيه، فأجابه: أنا موافق على القرار ولا أستطيع الاستمرار”.
يضيف خدام: “صمت الرئيس الأسد قليلا والتفت إليّ قائلا: على ما يبدو ليس أمامنا لتشكيل الحكومة غيرك. فأجبته: إني أعتذر عن ذلك لنفس الأسباب التي اعتذرت بها عام 1971. وجودي في رئاسة الحكومة سيخلق لك مشاكل كبيرة لأني سأعتقل بعض القياديين بسبب ممارستهم الفساد وهذا الأمر قد يخلق ظروفا معقدة وكنت أقصد تشكيل لجنة تحقيق مع بعض أعضاء القيادة ومن بينهم رفعت الأسد”.
قال الأسد: “سأسأل أعضاء القيادة عن رأيهم”، حسب خدام. وأضاف: “كان يجلس إلى جانبي محمد علي الحلبي رئيس مجلس الشعب، وقال: سيدي أنا جاهز لتشكيل الحكومة”.
لم يعترض أحد من أعضاء القيادة، بعدما وافق الأسد على تكليفه وقد شكل حكومته بتاريخ 30 مارس/آذار 1978. ويكتب خدام في أوراقه: “في شهر مارس عام 1978 اجتمعت بالأسد، وفي تلك المرحلة كانت الحملة على رفعت شديدة بين أوساط السوريين. وخلال حديثي عن الوضع قلت له: الحملة كبيرة على رفعت وهذه الحملة تضعف النظام ولذلك لا بد من معالجة وضع رفعت، فأجابني بعصبية: رفعت هو مخرز في عيون الرجعية، فأجبته: سنرى في المستقبل سيكون مخرزا في قلب من”.
ويضيف: “بالفعل كان رفعت يتدخل في شؤون الدولة ويعطي توجيهات لرئيس الوزراء محمد علي الحلبي والذي لم يكن جريئا لردعه فيستجيب لطلباته لاعتقاده أن رفعت له تأثير على الرئيس حافظ”.
ويتابع: “لا بد من الإشارة إلى أنه في مرحلة حكومة محمد علي الحلبي ازداد الشلل والفساد في أجهزة الدولة ومؤسساتها، وفي سبيل حماية نفسه في الموقع الجديد وضع نفسه تحت تصرف العقيد رفعت، والذي كان الآمر الناهي لرئيس مجلس الوزراء”.
أما الظاهرة الثانية الخطيرة فهي اندلاع العنف المسلح الذي مارسته بعض المجموعات من “الإخوان المسلمين”، إثر الجريمة السوداء التي قام بها النقيب إبراهيم اليوسف المدرب في كلية المدفعية بحلب، “إذ دخل إلى قاعة الدراسة وبيده رشاش وطلب من الطلاب الضباط المسلمين السنة والدروز والإسماعيليين والطلاب المسيحيين الخروج من القاعة وقتل حوالي 40 طالبا من طلابه ينتمون إلى الطائفة العلوية، لقد هزت تلك الجريمة سوريا وأثارت موجة من الغضب العنيف لدى البعثيين والقوات المسلحة وأجهزة الأمن، وتطورت الأمور إلى تورط مجموعات من الإخوان المسلمين في عمليات القتل والتفجير”.
بين 22 ديسمبر/كانون الأول 1979 و6 يناير/كانون الثاني 1980، عقد مؤتمر قطري لـ”البعث”. كان جو المؤتمر مشحونا بسبب الأوضاع الأمنية الناجمة عن الاغتيالات والتفجيرات التي تقوم بها جماعة “الإخوان المسلمين” من جهة، و”الفلتان” في الدولة من جهة ثانية. ويقول خدام: “كان واضحا منذ اليوم الأول أن المؤتمر منقسم إلى تيارين: أحدهما كان يقوده العقيد رفعت الذي كان يحاول السيطرة على المؤتمر وإنجاح قيادة موالية للإمساك بالحزب وبزمام الدولة. أما التيار الثاني، فكان في مقدمته معظم أعضاء القيادة القطرية الذين كانوا قلقين من سلوك رفعت وممارساته وكان يؤيدهم أكثرية أعضاء المؤتمر من المدنيين وأكثرية الأعضاء من العسكريين”.
ويضيف: “حاول رفعت الأسد توظيف موضوع الصدام مع الإخوان المسلمين لجلب تأييد أعضاء المؤتمر بينما تبنى الطرف الآخر الحملة على الفساد في الدولة وعلى الفاسدين وكيفية نهب موارد البلاد وهم محميون من بعض مراكز القوى في الدولة وكان المقصود العقيد رفعت الأسد. وتحدثت خلال المؤتمر مدة تزيد على ثلاث ساعات مبرزا الثغرات الكبرى في النظام والهروب من المسؤولية. وركزت على موضوع الضوء الأخضر والأحمر اللذين ينسبان إلى رئيس الجمهورية. كما تحدثت عن الأزمة الاقتصادية في البلاد وغياب المشروع الاقتصادي كما تناولت التدخلات غير المشروعة من بعض المواقع”.
وفـي مـؤتـمـر “البعث” هذا، قـال رفعت إن الـوقت قـد حان لـ”الرد بقوة”، ودعا الجميع إلى تقديم الولاء المطلق. ونُقل عنه قوله: “ضحّى ستالين بعشرة ملايين شخص للحفاظ على الثورة البلشفية، وعلى سوريا أن تفعل الشيء نفسه أيضا للحفاظ على الثورة البعثية”. وهدد رفعت بـ”خوض مائة حرب، وهدم مليون حصن، والتضحية بمليون قتيل” للحفاظ على النظام، وأُطلق العنان لقمع الانتفاضة بين 1979 و1982 والذي بلغ ذروته بقصف حماة في فبراير/شباط 1982. وفي عام 1983، أرسل “مظلياته” إلى دمشق بأوامر لنزع الحجاب عن النساء في الشوارع؛ الأمر الذي قوبل بانتقادات حادة دفعت شقيقه إلى إدانة ذلك علنا.
إحدى وثائق عبد الحليم خدام
استمرت النقاشات بضعة أيام واقترب موعد انتخاب القيادة القطرية. شكل الأسد لجنة من خدام والأحمر والعقيد رفعت، لترشيح لائحة تتضمن أسماء المقترحين ليكونوا أعضاء قيادة قطرية. ويقول خدام: “اجتمعت اللجنة مرتين وتقدم العقيد رفعت باقتراحات تضم أسماء جددا وتحذف بعض أسماء القيادة من الذين لا ينسجمون معه. رفضنا اللائحة وقدمنا لائحة بالأسماء الذين كنا نعتقد أنهم مؤهلون لعضوية القيادة، فرفضها. دعاني الرئيس الأسد وسألني عما توصلنا إليه، فقلت له: اختلفنا. فقال الرئيس حافظ: إذن سأضع اللائحة. وفي اليوم التالي اجتمعت به وأطلعني على الأسماء فوجدت عددا ليس لهم ماض حزبي وهم موالون لرفعت، حاولت إقناعه، فأعطاني مواصفات لكل منهم لا علاقة لها بواقع هؤلاء الأشخاص”.
وفي اجتماع المؤتمر تم إعلان أسماء أعضاء اللجنة المركزية وبعد ساعتين تم إعلان أعضاء القيادة القطرية وبينهم ستة أعضاء من “المرتبطين بالعقيد رفعت، وكان واضحا دعم الرئيس حافظ لشقيقه”.
في اليوم الثاني من انتهاء المؤتمر، عقدت القيادة القطرية اجتماعا لتشكيل الحكومة الجديدة. وكانت توجهات معظم أعضاء القيادة تكليف محمود الأيوبي إلا أن القيادة فوجئت بالرئيس الأسد بعد افتتاح الجلسة يطرح اسم عبد الرؤوف الكسم مرشحا لرئاسة مجلس الوزراء، و”في الواقع لم يجر التصويت على الترشيح واعتبر أعضاء القيادة أن ترشيح الدكتور الكسم قرار اتخذه الرئيس حافظ ولم يرغب أحد في الاعتراض”.
وبتاريخ 14 يناير/كانون الثاني 1980 شكل الكسم حكومته الأولى واستمر في رئاسة مجلس الوزراء حتى 1 يناير/كانون الثاني 1987.
أول إشارة إلى التوريث
يقول خدام: “كانت الظاهرة الخطيرة، التوريث. قبل انعقاد القمة العربية الذي كان مقررا في عمان في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1980. دعاني الأسد إلى منزله لمناقشة مسألة مشاركتنا في المؤتمر، وبعد نقاش استعرضنا فيه السلبيات والإيجابيات. اتفقنا على عدم المشاركة، علما أننا كنا قد شاركنا في المؤتمر التحضيري لوزراء القمة قبل أيام، وكان من أسباب المشاركة الوضع المتوتر جدا بيننا وبين الأردن بسبب تبنيه جماعة الإخوان المسلمين في سوريا الذين كانوا يتسللون من الأردن للقيام بعمليات اغتيال وتفجير، بالإضافة إلى التوترات العنيفة بيننا وبين العراق والذي كانت حكومته أيضا تدعم الإخوان بالتدريب والسلاح والمال”.
رفعت الأسد
ويضيف: “بعد أن أنهينا المناقشة تحدث الأسد عن الحياة والموت وعن مصير البلاد إذا أصيب بحادث مفاجئ، لذلك فقد قرر تعيين نائب للرئيس حتى لا تقع البلاد في الفراغ لضمان الاستمرارية. كان واضحا لي أنه يقصد تعيين شقيقه رفعت والذي كانت تربطه به علاقات وثيقة جدا والذي كان يحظى بدعم منه بصورة كانت تثير التساؤل لا سيما في أوساط القوات المسلحة وفي الحزب. فبادرت للقول له: نصيحتي أن لا تقدم على ذلك لأن صراعا مؤكدا حول السلطة سيقع بينك وبين النائب الذي ستعينه. إذا كنت قلقا على الاستمرارية فالدستور والحزب هما ضمانة استمرار النظام عندئذٍ لم يعلق ولم يتخذ أي إجراء”.
وفي عام 1982 فاجأ الأسد القيادة القطرية في “البعث” بأن طلب من كل عضو أن يكتب على ورقة اسم من يرشح لمنصب نائب الرئيس، و”كان يعتقد أن الأكثرية ستكون مع شقيقه. لكنه أخذ الأوراق ولم يعد يتحدث عن تعيين نائب للرئيس”.
*حلقة ثالثة غدا: خدام: ضباط و”بعثيون” بايعوا رفعت بعد مرض شقيقه