مبادرة مفاجئة، وربما غير معتادة تاريخيا في فلسطين، منذ اغتصاب الأرض 1948، واحتلال بقاياها 1967، وتدمير السلطة الكيانية الأولى لشعب لا خيار له سوى الحرية والاستقلال، منذ عام 2000، مبادرة تحمل طاقة الفعل الإيجابي للتحدي، خاصة بعدما أوضح مسار الحرب الشاملة، مدى استكانة النظام العالمي، وضمنه الرسمي العربي من محيطه، الذي كان هادرا يوما، الى خليجه الذي كان ثائرا في زمن لا نفطي، لمسار فرض دولة العدو حربها على قطاع غزة.
خلال الأيام الـ 126، تبين أن جوهر الحراك الدولي لا يذهب لمنع حرب “الإبادة الجماعية” أرضا وسكنا وبشرا، ونفيا لهوية وتاريخ، بل لكيفية “تهذيبها”، رغم ما قامت به جنوب أفريقيا محاولة لتعديل مسار الاستكانة الى مسار الانتفاضة في العدل الدولية، دون أن تترك قوة فعل لمنع الحرب الإبادية المتواصلة.
ما تقدم به “سكان” محافظة رفح “أصليون وقادمون”، هو التحرك الشعبي الأول منذ بدء حرب الجريمة يوم 7 أكتوبر 2023، وتوضيحا لواقعها بعيدا عن “الاستعراض البطولي” لهواة “الانتصار التلفزيوني”، تحرك يبحث تشكيل جدارا أمام ما أعلنته دولة العدو من هدف استكمالي لاقتحام رفح، وبدء عملية تطهير جماعية.
مبادرة “سكان رفح”، تأتي في ظل غياب القوى والمكونات السياسية – الشعبية خلال الشهور الأربعة من الحرب الإجرامية، غياب كامل وكأنها كانت فقاعات صابونية تبخرت مع القذيفة الأولى، لتحتل الأجنحة العسكرية مكان الأصل السياسي، فيما تقوم بعضها من خارج أرض الحقيقة باحتلال التمثيل وفرض معادلة جديدة.
مبادرة “سكان رفح”، هي التحرك الأول شعبيا نحو مواجهة الحرب العدوانية، وكسر جوهر المؤامرة تهدف فيما تهدف لرسم معالم “التهجير القسري” بأشكال مختلفة، وبطرق غير تقليدية، ما يمنح الفعل الانتفاضي الشعبي قوة مضافة، ربما تفوق كل أشكال الصراخ “التعاطفي”، أو “الزعيق” المحيط حول من يواجه الموت والفناء العام.
مبادرة “سكان رفح”، تستحق أن تكون الخبر الأول على جدول أعمال الرسمية الفلسطينية التي أصابها مرض النسيان بأنها ممثل شرعي وحيد لشعب وليس ممثل شرعي وحيد لمناصب وامتيازات ومزاحمات فصائلية، مبادرة علها تعيد لها “ذاكرة المسمى الوطني”، الذي فقد بريقه منذ زمن في متاهات الانقسامية – الانفصالية.
مبادرة “سكان رفح”، هي رسالة تعويضية لغياب المكونات الحزبية والمؤسسات الشعبية للمرة الأولى في تاريخ مواجهات الشعب ضد عدو الشعب، فدوما كانت حاضرة أي كانت ظروف المحيط، تقود تحرك تنظم تقطع طريق العشوائيات، لكنها وخلال حرب التدمير العام، ذهبت مع “الريح الرصاصي”، وكأنها بلا أثر لا ماضي ولا تاريخ وبالقطع لا حاضر.
مبادرة “سكان رفح” لأهل فلسطين كلها من بحرها لنهرها، أكدت أن “التضامن التصفيقي” و”الإعجاب التشجيعي” هوائيا، لا يمثل في التاريخ الوطني سوى أنهم تركوا قطاع غزة وحيدا في الزمن الاستباحي للحقيقة الكفاحية.
مبادرة “سكان رفح”، فعل الضرورة الوطنية و”إبداع شعبي فريد” لمواجهة حرب الإبادة الجماعية، وقطعا لمؤامرة التدمير العام أرضا وإنسانا…رسالة بأن قادم فلسطين لن يكون وفقا لجدول العدو الفاشي السياسي.
ملاحظة: بشكل لا يمكنه أن يكون بريئا أبدا، خرج بعض “تجار الشنطة السياسية” بعد تصريحات نتنياهو حول افتخاره بتدمير اتفاق أوسلو وما كان له أن يكون، ليعيدوا كلامه بطريقة “ثورية”..تجار الكلام تناسوا أن هناك دولة عضو في الأمم المتحدة أزاحت كل ما سبق..بدلا من النضال لها ينفذون تخريبا عليها بمعارك سبهللية…كله مكشوف يا صبية “الوعد الأمريكاني”!
تنويه خاص: في ذكرى إعادة تأسيس حزب الشعب الـ 42، الذي افتخر دوما بأنني تربيت في احضانه كيف لك أن تكون وطنيا بلا نفاق..أن تكون كما شعب فلسطين بلا مكياج ترضية لهذا وذاك..حزب قدم دون أن ينتظر مقابلا، لم يتاجر.. لم يدق باب دول وأنظمة لتراكم ثروة باسم الوطنية..لكل من رحل ومن لا زال تحية..ولتاريخ نبضه لن يتوقف مهما أصيب عطبا.
لقراءة المقالات كافة ..الموقع الشخصي