أمد/
رام الله: يرى فراس ملحم، رئيس سلطة النقد الفلسطينيّة، أن القطاع المصرفي الفلسطيني مقاوم للصدمات وقادر على تجاوز الأزمات، على الرغم من إقراره بحدوث تراجع كبير في النشاط الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية بفعل الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي.
وأوضح ملحم في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP)/ أن النشاط الاقتصادي في قطاع غزة تراجع بنسبة 80%، بينما شهدت الضفة الغربية تراجعا بلغت نسبته 22% وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي؛ لكنه توقع أن تكون النسبة أكثر من ذلك في الضفة الغربية وتصل إلى 30 في المئة.
وقال إن البطالة في القطاع ارتفعت إلى 74% مقارنة مع 54% قبل الحرب؛ أما في الضفّة الغربية، فقد ارتفعت إلى 29% من 14 بالمئة، مشيرا إلى أنه “كان هناك 200 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل ويضخّون أموالا إلى السوق الفلسطينية، ما بين 18 إلى 20 مليون شيكل (حوالي 5.5 مليون دولار أميركي) على أساس سنوي، لكن هذا الدخل توقف بالكامل”.
وذكر أن اقتطاعات إسرائيل من أموال الضرائب الفلسطينية أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب بشكل منتظم لموظّفيها، مشيرا إلى أن هذا كله كان سببا في تباطؤ الاستيراد والتصدير بنسبة تراوحت بين 30-39 في المئة.
واعتبر أن بعض القيود التي تفرضها إسرائيل في الضفة الغربية، ومنها بحسب قوله إعاقة التنقل بين المدن الفلسطينية وصعوبات نقل البضائع، تُساهم أيضا في هذا التباطؤ، وهو ما ألقى بظلاله على النشاط الاقتصادي؛ كما أشار إلى توقّف بعض القطاعات كالسياحة عن العمل بشكل كامل منذ اندلاع الحرب، فضلا عن إغلاق منشآت أخرى أبوابها.
وقال “التقدير أن المنشآت التجارية التي أغلقت تصل نسبتها إلى 25%، وهذا كله يُلقي بظلاله على الأسواق التي باتت تتّسم بعدم اليقين”، متوقعا أن يصل الانكماش الاقتصادي إلى 30 في المئة.
* تحديّات القطاع المصرفي
وقال ملحم إن القطاع المصرفي يتأثّر سلبا أو إيجابا بالبيئة المحيطة به، وإن الوضع الراهن من ثم فرضَ المزيد من التحديّات المرتبطة بالتباطؤ الاقتصادي وعدم قدرة الحكومة على دفع الرواتب للقطاع العام، وهو ما يؤثّر على قدرة البنوك في استيفاء أقساط القروض المستحقة على الموظفين.
وأوضح أنه بعد السابع من أكتوبر تشرين الأول، أصبح هناك تأخير في قضية الحوالات الواردة إلى البنوك الفلسطينية، وإن كانت لم تتوقف، مشيرا إلى صعوبات طرأت في المراسلات يجري العمل على حلها بطرق تقنية لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل حرب غزة.
وقال إن تأخر الحوالات ناتج عن البنوك التي تجري مراسلتها في أوروبا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى صعوبات لها علاقة بالمراسلة مع الجانب الإسرائيلي، بحسب قوله، مشيرا إلى إشكاليّة أخرى تتمثل في تراكم عملة الشيقل في الأسواق وعدم القدرة على نقلها “وهذا كله يسبب خسائر كبيرة في السوق الفلسطينية”.
أشار ملحم أيضا إلى تدمير بعض فروع البنوك في قطاع غزة، سواء بشكل كامل أو جزئي، قائلا إن سبع ماكينات صرافة آلية فقط تعمل في القطاع من أصل 91 كانت موجودة قبل الحرب، مضيفا أن من الصعب الآن تحديد الخسائر التي تعرّض لها القطاع المصرفي في غزة.
وبحسب رئيس سلطة النقد، فإن قطاع غزة يمثّل فقط 8.5% من مجموع الأصول المجتمعة للبنوك العاملة في فلسطين.
وقال ملحم إن سلطة النقد أطلقت في الضفة الغربية برنامج (استدامة بلس) بهدف توفير قروض ميسّرة بفوائد متدنيّة للقطاعات الأكثر تضررا من الحرب هناك؛ لكنه ذكر أن من غير الممكن تطبيق البرنامج في قطاع غزة حاليا.
وأوضح أن هدف البرنامج هو تمكين المشاريع المتضررة من تجاوز المرحلة الصعبة التي تمر بها، خاصة في قطاعات الصحة والزراعة والطاقة النظيفة،
بالإضافة إلى منح قروض تشغيلية لدعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر.
أما فيما يخص قطاع غزة، فقد قال إن الأمور هناك مغايرة تماما وتحتاج خطة شاملة ومتكاملة بعد انتهاء الحرب.
* اختبار لقدرة البنوك
وكشف ملحم عن اختبارات أجرتها سلطة النقد لمعرفة قدرة البنوك على التحمّل في ظل الحرب والأوضاع الاقتصادية التي تمر بها الأراضي الفلسطينية.
وقال “من بداية الحرب، قُمنا بعمل اختبارات ضاغطة لمعرفة قدرة التحمُّل لدى القطاع المصرفي الفلسطيني. ونتائج تلك الاختبارات أكدت قوة ومتانة القطاع المصرفي والقدرة على تجاوز الأزمة الحالية والوضع الاقتصادي الصعب”.
أضاف “نؤكّد أن القطاع البنكي الفلسطيني قوي ومتين، وهناك سيولة جيدة في القطاع المصرفي؛ كما أن ودائع المواطنين في ظل الحرب زادت ولم تنقص”.
وتابع “لكن هذا له شقّان، سلبي وإيجابي؛ فبتاريخ السابع من أكتوبر، كانت لدينا ودائع في القطاع المصرفي بقيمة 16 مليارا و350 مليون دولار، والآن 17 مليارا 450 مليون دولار. الجانب الإيجابي هنا هو الثقة في القطاع المصرفي؛ أما الجانب السلبي فهو أنّنا نريد من الناس أن يستثمروا أموالهم في الأسواق لتعزيز التنمية”.
وأردف قائلا إنه “في ظل حالة عدم اليقين، يُفضّل المستثمر وضع أمواله في مكان آمن… هذه ليست الأزمة الأولى التي نمرّ بها؛ فكل حياتنا أزمات سياسية أو اقتصادية وتجاوزناها في السابق؛ وأنا على يقين بأننا سنتجاوز أيضا الأزمة الحالية”.
* التحوّل الرقمي
وقال ملحم إن سلطة النقد تُركزّ حاليا على قضية التحول الرقمي والأنظمة الإلكترونية للدفع، مشيرا إلى أنه جرى إنشاء شركة لخدمات الدفع الإلكتروني في الأراضي الفلسطينية.
وأوضح أن مشروعا آخر يجري العمل عليه، يتعلّق بالدفع الفوري أو التحويل الفوري، قائلا إن هذا النظام له علاقة بتنمية التجارة الإلكترونية والعلاقة مع الشركاء التجاريين لإتاحة خدمة الدفع عبر الحدود.
أضاف “لدينا مشاريع أخرى، منها (مشروع) اعرف عميلك، وأخرى لها علاقة بالهويّة الرقميّة؛ وقبل نهاية العام الحالي، سيكون لدينا واحد من أفضل الأنظمة للدفع الإلكتروني”.
وتحدّث ملحم عن إطلاق المختبر التنظيمي في مجال التكنولوجيا الماليّة لمساعدة المبتكرين على تطوير أفكارهم الجديدة وتبنّي مشاريعهم. وقال إن سلطة النقد تعمل حاليا على قضيّة البنوك الرقمية المتكاملة، حتى تكون متاحة في الأراضي الفلسطينية خلال الفترة القادمة.