أمد/
واشنطن:
أرسلت الولايات المتحدة، شحنات ضخمة من الأسلحة، من بينها قنابل وذخائر دقيقة التوجيه، إلى إسرائيل منذ بدء حربها على غزة في 7 أكتوبر الماضي، واعتمدت تدابير ضاعفت إلى حد كبير، حجم الدعم العسكري الذي تقدمه واشنطن لأقرب حلفائها في الشرق الأوسط، وفق وسائل إعلام أميركية.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها يوم الأربعاء، عن مسؤولون أميركيين حاليين وسابقين، قولهم إن “الإدارة رتبت أكثر من 100 عملية نقل منفصلة للأسلحة إلى إسرائيل؛ لكنها لم تخطر الكونجرس رسمياً إلا بشحنتين أرسلتهما في إطار صفقات الأسلحة الكبرى للدول الأجنبية، التي تعرضها عادة على مشرعين للمراجعة قبل الإعلان عنها. وفي كلتا الحالتين، اعتمدت الإدارة قاعدة طارئة تتجنب عملية المراجعة”.
وأضاف المسؤولون، أنه “جرت الموافقة على بقية عمليات النقل باعتماد آليات أقل علانية متاحة للبيت الأبيض. وهذه الآليات تشمل السحب من المخزونات الأميركية، وتسريع عمليات التسليم التي سبق الموافقة عليها، وإرسال أسلحة على دفعات أصغر تقل عن السقف المالي للمعاملات التي تقتضي بأن تخطر الإدارة الكونجرس”.
واعتبرت الصحيفة، أن طريقة التعامل مع عمليات نقل الأسلحة تسلط الضوء على “تيارات متعارضة” تعصف بالبيت الأبيض، مشيرة إلى أن الادارة الأميركية تشعر بإحباط متزايد بسبب تعامل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الحرب، لكنها تواصل تجنب الدعوات لاستخدام إمدادات السلاح كوسيلة ضغط عليه، لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، وزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وقال بعض المسؤولين، وعدة مشرعين، إن محدودية الإفصاح عن شحنات الأسلحة، تشير إلى نمط أوسع سعت فيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تجنب التدقيق من قبل الكونجرس، في الوقت الذي يطلب بعض الديمقراطيين من الرئيس بايدن استغلالها للضغط على حكومة نتنياهو.
“طفرة” شحنات
وأوضح مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية، أن الشراكة العسكرية القوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تتلقى مساعدات عسكرية تبلغ قيمتها أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً من واشنطن، ساهمت في حدوث “طفرة فورية” في شحنات الأسلحة بعد هجوم السابع من أكتوبر. وفي الوقت الراهن يوجد 600 طلب جاري لعمليات نقل أو مبيعات عسكرية محتملة تزيد قيمتها عن 23 مليار دولار بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وقال مسؤولون أميركيون، إن الأسلحة التي وردتها الولايات المتحدة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، تشمل ما لا يقل عن 23 ألف سلاح دقيق التوجيه، من بينها صواريخ “هيلفاير” جو-أرض، وطائرات مسيرة، ومجموعات ذخائر هجوم مباشر مشترك، تحول القنابل غير الموجهة إلى قنابل “ذكية”، إلى جانب أسلحة أخرى مماثلة.
وأضاف المسؤولون أن إسرائيل، استملت أيضاً 58 ألف قذيفة مدفعية عيار 155 ملم، وذخائر لمنظومة الدفاع الصاروخي “القبة الحديدية”.
وأشار المسؤولون، إلى أن معظم الأسلحة والأنظمة خرجت من المخزون الأميركي في الأيام الأولى للحرب؛ لكن تدفق السلاح انخفض في الأشهر الأخيرة مع نفاد الذخيرة التي يمكن لوزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون” توريدها لإسرائيل بسرعة، مع تلبية احتياجات أوكرانيا والحفاظ على مخزونات أميركية كافية.
وقال مسؤولو عسكريون أميركيون، إن الولايات المتحدة قدمت 1000 ذخيرة دقيقة التوجيه، وقذائف مدفعية، الشهر الماضي.
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر في بيان: “اتبعنا الإجراءات التي حددها الكونجرس نفسه لإبقاء الأعضاء على دراية تامة، ونطلع الأعضاء بانتظام حتى عندما لا يكون الإخطار الرسمي شرطاً قانونياً”، مضيفاً أن “المزاعم بأننا قسمنا الطلبات بحيث تكون أقل من السقف القانوني المحدد، أو تجاهلنا إشراك الشركاء على نحو مناسب في الكونجرس خاطئة بشكل قاطع”.
وأضاف أن المسؤولين الأميركيين “تواصلوا مع الكونجرس” بشأن عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل “أكثر من 200 مرة” منذ 7 أكتوبر.
وخلال الأسابيع الأخيرة، أبلغ مسؤولو وزارة الخارجية المشرعين بالحجم الكامل لعمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفقاً لشخص مطلع على الإحاطات الإعلامية، لكن لم يحدث أي إفصاح علني عن معظم الشحنات.
انتقادات لإدارة بايدن
وفي تعليق على عمليات التسليم، قال السيناتور الديمقراطي من ماريلاند كريس فان هولين، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: “على الرغم من أن وزارة الخارجية ليس لديها أي التزام قانوني بالإخطار عن عمليات نقل الأسلحة دون الحد الأدنى المشمول بالرقابة، فإن استغلال هذه العملية لتجاوز الكونجرس بشكل متكرر، كما تشير مبيعات هذه الكمية، سيشكل انتهاكاً لروح القانون، ويقوض الدور الرقابي المهم للكونجرس”.
في حين لم يرد البيت الأبيض على طلب من الصحيفة للتعليق على الأمر.
واعتبر منتقدو عمليات نقل الأسلحة أن قرار توريد الأسلحة في نحو 100 دفعة، يعكس رغبة الإدارة في إبقاء نطاق دعمها العسكري لإسرائيل بعيداً عن الرأي العام قدر الإمكان.
من جانبه، قال جوش بول، وهو مدير الشؤون العامة وشؤون الكونجرس في مكتب الشؤون السياسية العسكرية بوزارة الخارجية، الذي استقال في أكتوبر احتجاجاً على سياسة إدارة بايدن بشأن حرب غزة: “هذه الأمور تفتقر إلى الشفافية عن قصد”.
وأضاف أن العدد الهائل من عمليات نقل الأسلحة منذ 7 أكتوبر، التي مُولت إلى حد كبير بأكثر من 3.3 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، التي تقدمها واشنطن لإسرائيل سنوياً “أمر نستحق أن نعرفه كمواطنين في دولة ديمقراطية”.
ووفقاً للصحيفة، يتناقض التعامل مع شحنات الأسلحة إلى إسرائيل مع النهج، الذي تتبعه الإدارة في تسليح أوكرانيا في حربها ضد روسيا، حيث نشرت وزارة الدفاع بانتظام قوائم الأسلحة التي ترسلها إلى كييف.
وفي حين أنه لا يجري الإفصاح عن جميع عمليات النقل إلى أوكرانيا، يقدم البنتاجون معلومات مستوفاة بشأن المبلغ الإجمالي للمساعدات العسكرية.
“سيل أسلحة”
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير منفصل، أن مسؤولين أميركيين أخطروا أعضاء بالكونجرس خلال جلسة سرية مؤخراً، أن الولايات المتحدة وافقت ووردت بشكل سري أكثر من 100 صفقة بيع عسكرية أجنبية منفصلة لإسرائيل منذ 7 أكتوبر، وصفته بأنه “سيل من الأسلحة”.
وأشارت إلى أن هذا العدد، الذي لم يفصح عنه من قبل، يعد أحدث مؤشر على تورط واشنطن المكثف في الصراع المثير للخلاف المستمر منذ 5 أشهر، حتى في الوقت الذي يعرب فيه كبار المسؤولين والمشرعين الأميركيين بشكل متزايد عن تحفظاتهم العميقة بشأن التكتيكات العسكرية الإسرائيلية في الحرب، التي أودت بحياة أكثر من 30 ألف شخص، بحسب مسؤولي وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
ووفقاً للصحيفة، لم تُفصح الإدارة إلا عن اثنتين فقط من المبيعات العسكرية الأجنبية التي تمت الموافقة عليها، لإسرائيل منذ بداية الصراع؛ إحداهما ذخائر دبابات بقيمة 106 ملايين دولار، والأخرى مكونات لازمة لصنع قذائف عيار 155 ملم بقيمة 147.5 مليون دولار، وهذه المبيعات استدعت التدقيق العام، لأن إدارة بايدن تجاوزت الكونجرس للموافقة على الحزم من خلال اللجوء إلى سلطة الطوارئ.
وقال مسؤولون ومشرعون أميركيون، طلبوا عدم كشف هوياتهم، إنه “في حالة الصفقات المائة الأخرى، المعروفة باللغة الحكومية باسم المبيعات العسكرية الأجنبية FMS، جرى تجهيز عمليات نقل الأسلحة دون أن تخضع لأي نقاش عام، لأن كل منها يندرج في إطار مبلغ محدد بالدولار يقتضي من السلطة التنفيذية إخطار الكونجرس عن كل حالة”.
“قوة نارية هائلة”
ولفتت الصحيفة، إلى أن حزم الأسلحة مجتمعة ترقى إلى “نقل هائل للقوة النارية” في الوقت الذي يشتكى فيه مسؤولون أميركيون رفيعون من أن المسؤولين الإسرائيليين لم يستجيبوا إلى مناشداتهم للحد من الخسائر في صفوف المدنيين، والسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة، والامتناع عن الخطاب الداعي إلى التهجير الدائم للفلسطينيين.
ونقلت عن جيريمي كونينديك، وهو مسؤول كبير سابق في إدارة بايدن، والرئيس الحالي للمنظمة الدولية للاجئين قوله: “هذا عدد غير عادي من مبيعات (الأسلحة) خلال فترة زمنية قصيرة للغاية، ما يشير بقوة إلى أن الحملة الإسرائيلية لن تكون مستدامة بدون هذا المستوى من الدعم الأميركي”.
وأضاف كونينديك: “الأمر الواضح هو تورط واشنطن العميق في الصراع، حتى لو لم تكن هي الجهة، التي أسقطت الذخائر أو تسحب الزناد”.
وتابع: “الولايات المتحدة لا يمكنها التأكيد على أن إسرائيل، من جهة، دولة ذات سيادة تتخذ قراراتها بنفسها، ونحن لن نشكك فيها، ومن جهة أخرى، نقل هذا المستوى من التسلح في مثل هذه الفترة القصيرة، وتتصرف بطريقة ما كما لو أننا لسنا متورطين بشكل مباشر”.
في المقابل، رفض مسؤول كبير في وزارة الخارجية الكشف عن العدد الإجمالي أو تكلفة جميع الأسلحة الأميركية المنقولة إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر، لكنه وصفها بأنها “مزيج من المبيعات الجديدة، وطلبات المبيعات العسكرية الأجنبية الجارية”.
وأضاف المسؤول: “هذه منتجات مألوفة لأي جيش حديث، ويشمل ذلك جيشاً يعد متطوراً مثل الجيش الإسرائيلي”.
ولا تكشف إسرائيل بشكل روتيني، مثل معظم الجيوش، عن بيانات بشأن نفقاتها على الأسلحة، لكنها قالت في الأسبوع الأول من الحرب، إنها أسقطت بالفعل 6000 قنبلة على غزة.
“خطوة قاسية”
مع ذلك، كشف الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناتيوس، أن الولايات المتحدة تدرس على ما يبدو اتخاذ خطوات لمنع إسرائيل من استخدام الأسلحة الأميركية في هجوم مخطط له على مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وقال في مقال بالصحيفة أن الرئيس الأميركي جو بايدن ومسؤولين آخرين “لم يتخذوا أي قرار بشأن فرض “شروط” على الأسلحة الأميركية، لكن حقيقة أن المسؤولين يبدو وكأنهم يناقشون هذه “الخطوة القاسية”، تظهر قلق الإدارة المتزايد بشأن الأزمة في غزة.
ونقل عن السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل مارتن إنديك قوله: “إذا شنت إسرائيل هجوماً على رفح دون توفير الحماية الكافية للسكان المدنيين النازحين، ربما يؤدي ذلك إلى حدوث أزمة غير مسبوقة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، حتى فيما يتعلق بإمدادات الأسلحة”.
وأشار المقال أيضاً إلى أن “الولايات المتحدة تراجعت على ما يبدو عن الآمال في مبادرة دبلوماسية تربط التطبيع السعودي بمسار يؤدي إلى دولة فلسطينية”.
ويبدو أن إغناتيوس، الذي يُنظر إليه أحياناً على أنه مسؤول فك تشفير طريقة تفكير الإدارة، يبعث برسائل إحباط عميق في البيت الأبيض تجاه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.