أمد/
واشنطن: نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريراً قالت فيه إن الدول العربية “تمتنع” عن تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” المهمة للعمليات الإنسانية في غزة.
وقالت الصحيفة في التقرير، الذي أعدّته مارغريتا ستانكاتي وستيفن كالين، إن “مستقبل الوكالة التابعة للأمم المتحدة معلق في الهواء بعد فشل الدول العربية بملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة”.
وتضيف أن مدير الوكالة فيليب لازاريني سافر، بعد أسبوع من قرار الولايات المتحدة ودول أخرى بتجميد الدعم لأنروا في نهاية كانون الثاني/يناير، إلى الدول العربية الثرية على أمل أن تسهم هذه الدول في إنقاذ الوكالة، في وقت تحوّلت فيه لأهم وكالة إغاثة في غزة.
ولم تكن جهوده ناجحة، حيث عاد بـ 85 مليون دولار جَمَعَها من السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة لعام 2024، وأقل من التمويل الذي خسرته المنظمة بتجميد الولايات االمتحدة مساعدتها، بسبب مزاعم إسرائيل عن تورّط موظفين في الوكالة بهجمات “حماس”.
وقدمت الولايات المتحدة في العام الماضي للوكالة مبلغ 422 مليون دولار.
فالمبلغ الذي استطاع لازاريني الحصول عليه كاف لتمويل نفقات الوكالة لشهر أيار/مايو، وبدون دعم جديد قد تضطر الوكالة لتقليل نشاطاتها الإنسانية في غزة، والتي تضم إطعام وتوفير الملجأ لأكثر من مليون شخص.
وتعتمد الوكالات الأخرى التابعة للأمم المتحدة والجماعات الإغاثية على أونروا، التي يقوم فريقها، المكون من 3,000 شخص، بإدارة عملياتها، من توزيع المواد الإنسانية وتوفير العناية الطبية الأساسية.
وقال لازاريني، في فترة سابقة، إن المساهمة العربية والمانحين الآخرين ساعدت أونروا على مساعدة الفلسطينيين، و”لكن إلى أي مدى؟ ونحن نعمل من اليد إلى الفم، وبدون تمويل إضافي سنكون في وضع مجهول”.
وتعاني غالبية السكان في غزة، وعددهم 2.3 مليون نسمة، من التشرد، وبدون مأوى، أو مياه صحية، ولا عناية طبية، وعلى حافة المجاعة، وهو ما أقنع دولاً مثل أستراليا وفنلندا والسويد وكندا لاستئناف المساعدات في الأسابيع الماضية.
واتهمت إسرائيل الوكالة بأن عدداً من أفرادها شاركوا في هجمات “حماس”، والعضوية في الجناح العسكري للحركة، وهو ما أدى بالوكالة لطرد 12 موظفاً، وفتحت تحقيقاً، مشيرة إلى أن إسرائيل لم تقدم أدلة كافية عن ضلوع الأفراد المعنيين بالهجمات.
ولن تستأنف الولايات المتحدة تمويلها لأونروا في أي وقت قريب، فحزمة النفقات التي أقرّها الكونغرس، ووقّعها الرئيس جو بايدن، وأصبحت قانوناً، تضم بنداً يمنع أونروا من تلقي الدعم الأمريكي حتى آذار/مارس 2025.
ولو فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، فمن غير المرجح استئناف التمويل. فقد قطعت إدارته التمويل عنها في 2018، قائلة إن نموذجها للعمل يعاني من عيوب لا يمكن إصلاحها.
وقالت المتحدثة باسم أونروا تمارا الرفاعي: “لا شيء يمكن أن يملأ الفراغ الذي سيترك، لو قررت الولايات المتحدة عدم استئناف تمويلها”، مضيفة: “هذه الإجراءات الطارئة تساعدنا على التعامل مع الاحتياجات المباشرة، ويجب أن يكون لدينا حوار طويل الأمد حول استدامة أونروا”. وبدون تمويل أونروا فإن الأمم المتحدة قد تجبر على إعادة النظر في صلاحيات أونروا.
وقد أنشئت أونروا عام 1949 كي توفر المساعدات العاجلة للفلسطينيين الذين هجروا من أراضيهم عام 1948، ولكنها تحولت اليوم إلى شبه حكومة تدير مدارس ابتدائية وثانوية ومراكز صحفية وجمع النفايات من مخيمات الفلسطينيين في منطقة المشرق العربي. وتبلغ ميزانيتها السنوية 1.4 مليار دولار، يذهب الجزء الأكبر لعملياتها وموظفيها في غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا. وتقول الصحيفة إن عدد اللاجئين الفلسطينيين زاد إلى 5 ملايين لاجئ من العدد الأصلي للاجئين، ولم تمنح أي دولة عربية مواطنة لهم، باستثناء الأردن، بحيث تركت المسؤولية عنهم للأمم المتحدة.
وأسهمت الولايات المتحدة في العقد الماضي بالجزء الأكبر من التمويل لها، إلا أن عدداً من الساسة في الحزبين الرئيسين عبّروا عن قلق من استمرار دعم عملية مفتوحة.
وفضلت الدول العربية التبرع بشكل ثنائي للقضايا الإنسانية بدلاً من التبرع عبر الأمم المتحدة. وهي لا تريد أن تنهار أونروا، لكن ترى منفعة في إصلاحها، مثل عملية التوظيف، وتدقيق طلبات المتقدمين للعمل فيها من أجل منع “حماس” من اختراقها. ولا يرون أن تمويل المنظمة الدولية مسؤوليتهم والحلول محل التمويل الغربي، حسب أشخاص على اطلاع بمواقف حكومات الخليج.
وأعلنت السعودية عن تخصيص 40 مليون دولار للأونروا، وهو أكبر تبرع منذ اتهامات إسرائيل لها، وهذا الرقم قليل، مقارنة مع 400 مليون دولار تعهدت بها المملكة لأوكرانيا في عام 2022.
وحولت الإمارات العربية المتحدة قريباً مبلغ 20 مليون لصندوق أونروا وعدت به في العام الماضي، لكنه لم يرسل. وقدمت الإمارات المبلغ بشرط ألا يعلن عنه كمساعدة جديدة. وتعهدت قطر بمبلغ 25 مليون دولار. أما الكويت فلم تتعهد بعد بأيّ مبلغ.
وتقول الصحيفة إن بعض الدول العربية، بما فيها السعودية، متردّدة في تخصيص مبالغ مالية كبيرة، قبل أن تتضح الصورة حول مستقبل القطاع.
وتدفع المملكة بحل الدولتين ودور للسلطة الوطنية المتجددة في إدارة القطاع، وهو خيار استبعده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقال بدر السيف، الخبير في شرون الخليج والشؤون العربية في جامعة الكويت: “يتطلعون لمرحلة الإعمار ما بعد الحرب، وتحمل فاتورة الأونروا يعزز الصورة بأن دول الخليج تسارع دائماً للإنقاذ”، و”بالتأكيد لن يقوموا بالبناء إن لم يرتبط هذا بتنازلات إسرائيلية، ولا أعرف كيف سيحدث هذا في ظل المناخ الحالي”.
وقدمت الولايات المتحدة للأونروا هذا العام 71 مليون دولار، قبل التوقّف، حسب مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية. وعادة ما تقدم الولايات المتحدة مساهمتها على ثلاث دفعات، ما يعني أن قطع المساعدات لن يظهر أثره إلا في الأشهر المقبلة.
ولم تقدم ألمانيا، التي تعتبر ثاني دولة مانحة للأونروا، أيّ مساهمة هذا العام.
وكانت أونروا تعاني من مشاكل مالية قبل الحرب على غزة، وهي لا تحصل على أموالها من الميزانية العامة للأمم المتحدة، باستثناء الأموال التي تغطي رواتب طاقمها الدولي، ولكنها تعتمد على المساهمين المتطوعين الذين لا يمكن التكهن بتصرفاتهم.
ولم تتعافَ الوكالة من قرار ترامب بقطع التمويل عنها ما بين 2018- 2020.
وفي هذه الفترة زادت ألمانيا ودول الخليج من مساهمتها، ولكن ليس بالقدر الكافي لتغطية الخسارة من الدعم الأمريكي.
واستخدمت أونروا ما لديها من توفير لكي تغطي النقص. ورغم استئناف بايدن المساعدات، إلا أن أونروا أنهت كل عام مالي بفواتير غير مدفوعة من الأطباء إلى موفري أوراق التواليت. وسيترك تعليق دول الدعم عن أونروا، الذي أعلن في كانون الثاني/يناير، أثره المباشر عليها. وقد عمل لازاريني على الحدّ من الأثر من خلال تأمين دعم من إسبانيا وأيرلندا. وأعلن الاتحاد الأوروبي، هذا الشهر، أنه سيموّل الوكالة بـ 50 مليون يورو (54 مليون دولار) بعدما سمحت الوكالة للاتحاد بتعيين خبير يراقب طريقة تعيين الموظفين.