أمد/ القاهرة: بعد 3 أيام من تمرير مجلس الأمن الدولي أول قرار يدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، بموافقة 14 دولة وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت فقط، دون استخدام حق النقض “الفيتو” كما حدث في المرات الثلاث السابقة، لا يزال القصف مستمر بلا هوادة على الفلسطينيين داخل القطاع.
ولم ينفذ قرار مجلس الأمن، الذي عوّل عليه المجتمع الدولي بأن يدفع إسرائيل نحو الاستجابة للضغوط المتواصلة بوقف قصفها المتواصل منذ 6 شهور، في حين تتزايد الضغوط داخل المجلس من أجل تنفيذ القرار الذي يهدف للوقف الفوري وغير المشروط لإطلاق النار في قطاع غزة المنكوب.
يأتي ذلك في وقت تعاني منه غزة من كارثة إنسانية في ظل عدم سماح قوات الاحتلال، رغم الضغط الدولي المتواصل، بدخول المساعدات للفلسطينيين المنكوبين داخل القطاع، عبر معبري رفح وكرم أبو سالم، اللذان يمثلان شريان الحياة للفلسطينيين، حيث حذرت منظمة الصحة العالمية من المجاعة التي تلوح في الأفق في قطاع غزة، بسبب استمرار القصف الإسرائيلي.
وقالت الصحة العالمية، إن المجاعة والمرض لايزالان يعصفان بالسكان، مشيرة إلى الحاجة الماسة لاتخاذ إجراءات فورية ومتضافرة للسماح بإيصال الغذاء والدواء وتسريع توصيلها، وحماية المستشفيات حتى يتمكن الأطباء من رعاية المرضى الذين يعانون من المجاعة والأمراض والإصابات.
في إطار ذلك، التقت صحيفة “الشروق” المصرية ، مع المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، سامويل وربيرج، حيث طرحنا بعض الأسئلة حول موقف الولايات المتحدة من قرار مجلس الأمن الدولي ودخول المساعدات إلى قطاع غزة وأمور أخرى ذات صلة.. وإلى نص الحوار.
• بالرغم من تمرير مجلس الأمن قرار وقف إطلاق النار في غزة إلا أن إسرائيل لم تلتزم بذلك، متى يكون القرار ملزما لإسرائيل؟
– نحن ندرك منذ بداية الصراع أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لهما دور مهم، ولكن واقعيا فنهاية الحرب أو الوصول لأي هدنة مؤقتة أو دائمة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة لن يكون عبر أي قرار من مجلس الأمن، لكنها ستأتي من المفاوضات المستمرة والمباشرة بين إسرائيل وحركة “حماس”، بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة.
ومع ذلك، فقرار مجلس الأمن يعد مهما، فنحن نرى أنه سيشجع الطرفين لإنهاء المفاوضات بأسرع وقت ممكن.
• لماذا رفضت الولايات المتحدة مشاريع القرارات الثلاثة التي قدمتها دول عربية وغيرها، وفضلت الامتناع عن التصويت فقط هذه المرة؟ ما الفرق؟
– في جميع قرارات مجلس الأمن الثلاثة السابقة، وحتى في هذا القرار الأخير، لم نر إدانة واضحة لحركة “حماس” الفلسطينية على هجماتها في 7 أكتوبر الماضي، وهذا شيء مهم بالنسبة لنا.
وبالرغم من أننا رفضنا مشاريع القرار الثلاثة الأولى، لكننا هذه المرة وضعنا في الاعتبار، بعد مناقشات مع الدول الأخرى، الحاجة الماسة للوصول لهدنة إنسانية، وضرورة إدخال المساعدات للفلسطينيين، واستكمال المفاوضات لإطلاق صراح الرهائن.
• هل تمرير الولايات المتحدة لقرار وقف إطلاق النار بغزة سيؤثر على علاقاتها مع إسرائيل، خاصة بعد مبادرة نتنياهو بإلغاء زيارة الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن؟
– وقف المناقشات كان قرارا من الجانب الإسرائيلي، ولم نرد ذلك، وبالرغم من إلغاء بنيامين نتنياهو زيارة الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن، لكننا رأينا استمرار المحادثات بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ونظيره الإسرائيلي يواف جالانت في واشنطن.
ليس من الممكن أن نتكهن حول تأثير امتناع الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن على العلاقات بينها وبين إسرائيل في المستقبل، لكن في الوقت الحالي من وجهة النظر الأمريكية ليس هناك تغير في العلاقات بيننا وبين إسرائيل بسبب قرارنا، لكن ليس لدينا فكرة حول وجهة نظر الإسرائيليين.
• هناك تخوفات عديدة واتهامات حول الهدف من الممر البحري بين غزة وقبرص، والميناء العائم الذي تسعى أمريكا لبنائه قبالة سواحل غزة، لاستخدامهما في تهجير الفلسطينيين إلى أوروبا وتحقيق الرغبة الإسرائيلية، ما تعليقك على ذلك؟
– لا صحة لهذه التخوفات، وأقول بشكل واضح جدا إن الممر البحري والميناء الهدف الوحيد منهما هو إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة للفلسطينيين في قطاع غزة، ولن يستخدمها أي طرف من الأطراف لتهجير الفلسطينيين من غزة، فلن يكون مسموحا بالأساس باستخدام هذا الميناء لمغادرة أي شخص من القطاع.
• بالنسبة للولايات المتحدة، هل من الأسهل بناء ميناء عائم بالكامل أم الضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات من معبري رفح وكرم أبو سالم؟
– أمريكا تضغط بالفعل، قبل هجمات 7 أكتوبر الماضي كانت تدخل 400 إلى 500 شاحنة يوميا إلى قطاع غزة، ولكن مع بداية الحرب لم تسمح إسرائيل بدخول المساعدات، بعد الجهود الأمريكية والضغط على الإسرائيل والتنسيق مع مصر، أصبح يدخل 50 شاحنة يوميا وأحيانا 100 أو 150 شاحنة.
لذلك منذ شهور، كنا نبحث عن أي طرق أخرى نستطيع استعمالها لدخول وإيصال المساعدة الإنسانية، والجيش الأمريكي يركز حاليا على بناء الميناء العائم قبالة سواحل غزة، ونحن في مناقشات مع قبرص ومصر وبعض الدول الأخرى، فنخطط لذلك الميناء منذ شهور ولكن الإدارة الأمريكية لم تعلن عنه سوى منذ ثلاثة أسابيع.
• هل ترى أن الميناء العائم هو الحل المثالي في المرحلة الحالية لإدخال المساعدات إلى غزة؟
– يجب أن ندرك أنه أنسب وأسهل طريق لإيصال المساعدة الإنسانية الكافية للشعب الفلسطيني عبر المعابر البرية، ولكن بسبب الحاجة الملحة والوضع الإنساني الكارثي نذهب لطرق أخرى مثل الميناء والممر والإسقاط الجوي.
• كيف ترى الدور المصري سواء في التوسط في مسار المفاوضات أو في إدخال المساعدات الإنسانية؟ وكيف يتم التنسيق بين الإدارة الأمريكية والحكومة المصرية بشأن أزمة غزة؟
– بشكل واضح وبدون مبالغة، لولا مصر لم نكن لنرى أي مساعدات تدخل إلى قطاع غزة، فبدون التعاون العميق وبدون المساعدة من الجانب المصري، لم نكن نستطيع إدخال أي مساعدات على مدى 5 شهور، في وقت لم يكن معبر كرم أبوسالم مفتوح ولا يوجد إسقاطات جوية ولا جسر بحري، التي فتحت جميعها قبل شهر واحد فقط.
وهذا ما أكد عليه الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومن وزير الخارجية أنتوني بلينكين، ومن المبعوث الخاص للشئون الإنسانية في الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد، ومن كل المسئولين الأمريكيين.
أما بالنسبة لمسار المفاوضات، فنحن نقدر الجهود الكبيرة والوساطة من الجانب المصري والمستمرة منذ شهور، والتي أوصلتنا لأول هدنة إنسانية وإطلاق سراح أكثر من 100 من الأسرى الإسرائيليين وكثير من الأسرى الفلسطينيين.
وبالنسبة للتنسيق الثنائي بين الولايات المتحدة ومصر، فهو يعد من أهم الآليات والأدوات التي كانت لدينا للتعامل مع هذا الملف، فالعلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة ومصر هي طويلة الأمد، ولدينا تنسيق عن ملفات كثيرة.
• هناك اتهامات لواشنطن بأنها ليست فقط تدعم إسرائيل بل متواطئة ومشاركة في قتل الفلسطينيين، حيث تدفع بأسلحة لإسرائيل وتساعدها عسكرياً بيد واليد الأخرى تعطي المساعدات القليلة جداً للفلسطينيين، ما تعليقك؟
– الدعم الأمريكي لإسرائيل بعد اندلاع الصراع الحالي ليس شيء جديد، فنحن ندعم إسرائيل منذ أكثر من 70 عاما، منذ بداية الدولة الإسرائيلية، وكنا ندعم تعزيز وجودها ونشجع الدول في المنطقة على إقامة علاقات معها، فكنا وسطاء في اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل منذ أكثر من 40 عاما.
والعلاقات بيننا وبين إسرائيل تنص على أنه إذا رأينا أن هذه الدولة الإسرائيلية تحت خطر يجب أن نستمر في دعمها، كما كنا نفعل منذ عقود.
ونرى أنه ليس هناك أي تناقض في استمرارنا في هذه العلاقات مع إسرائيل، وتقديم المساعدة الإنسانية للشعب الفلسطيني، وحث الإسرائيليين والفلسطينيين على الاستعداد للحوار بعد الحرب للوصول إلى تأسيس دولة فلسطينية.
• بعد 6 شهور متواصلة، من وجهة نظر الولايات المتحدة، متى تنتهي الحرب على غزة؟
– بالرغم من أن الولايات المتحدة ترى أن هذه الحرب هي بين إسرائيل وحركة “حماس” الفلسطينية، لكن هناك صراع أطول بكثير بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لذلك ليس من السهل إنهاء الحرب والصراع.
ومع ذلك، فالإدارة الأمريكية الحالية ترى أنه بالرغم من الظروف الحالية الصعبة جدا، فمن الضروري مضاعفة الجهود لإنهاء الصراع المستمر منذ أكثر من 70 عاما.
• هناك سيناريوهات كثيرة مطروحة حول مستقبل غزة بعد الحرب لكننا نريد معرفة رؤية الإدارة الأمريكية، فما هي؟
– ندعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ومع ذلك، فالمبادئ الأساسية بالنسبة لنا لما بعد الحرب أنه لا لأي احتلال ولا لإعادة الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، لن نسمح بأي تقليص في الأراضي الفلسطينية، ونعتبر كل شبر من الأراضي في قطاع غزة أراضي فلسطينية، وأيضا لا لأي تهجير قسري للفلسطينيين من أراضيهم.
إذا بالنسبة للولايات المتحدة كل السيناريوهات لما بعد الحرب ستقوم على ذلك، وأيضا وجود سلطة فلسطينية واحدة لديها ثقة من المجتمع الدولي، يختارها الشعب الفلسطيني نفسه، فمستقبل الشعب الفلسطيني سيكون بيده مئة بالمئة، وليس للولايات المتحدة ولا إسرائيل ولا أي دولة أخرى فرض ذاتها على الشعب الفلسطيني.
• إذا لم تستطع إسرائيل القضاء على حركة “حماس” كما تهدف، وهو المتوقع، هل سيكون لحماس دور في الحكومة الفلسطينية؟ وهل ستقبل الولايات المتحدة بوجودها؟
– في ساحة الحرب يظهر صعوبة القضاء على حركة “حماس”، فحتى المناطق التي قالت الحكومة الإسرائيلية إن جيشها سيطر عليها بشكل كامل، رأينا حركة “حماس” تعود لها من جديد وتشن هجمات صاروخية وغيرها.
ولكن بشكل واضح، نرى، وكما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مات ميلر، في مؤتمر صحفي بواشنطن، فمن وجهة نظر الولايات المتحدة، “حماس” ليس لديها أي إمكانية أو مصداقية لتلعب أي دور في أي حكومة بعد الحرب.
والموقف الأمريكي تجاه “حماس” ليس شيء جديد، فواشنطن صنفتها كجماعة إرهابية منذ عام 1997.
• إذا حركة “حماس” مصنفة كجماعة إرهابية، فأنتم تتفاوضون تفاوض غير مباشر من خلال مصر وقطر، فلماذا تتفاوضون مع الإرهابيين؟
– الولايات المتحدة لم ولا ولن تتفاوض مع حركة “حماس”، هناك مفاوضات بين إسرائيل و”حماس”، لكن مصر وقطر والولايات المتحدة ليسا طرف منها، الولايات المتحدة ليس لديها أي علاقة أو أي إمكانية للتواصل المباشر مع “حماس”، لكننا نتواصل تواصل مستمر وكل يوم مع مصر وقطر لأن لديهما تواصل مباشر مع “حماس”، ونتواصل مع الإسرائيليين، فنحن نراقب ونتابع ونقوم باقتراحات وتوصيات.
• اتفق المجتمع الدولي على أنه لابد من حل الدولتين لضمان السلام للفلسطينيين والإسرائيليين، هل وجهة نظر الإدارة الأمريكية تتوقع أن ينفذ مع وجود الحكومة الإسرائيلية الحالية؟
– حل الدولتين كنا نسمعه منذ عقود كعبارة خيالية، لكنه الآن أصبح أقرب للتحقيق، والإدارة الأمريكية الحالية لا تتحدث فقط عن حل الدولتين، ولكن أيضا حول تأسيس دولة فلسطينية في وقت محدد.
قد يكون تأسيس دولة فلسطينية صعب جدا في هذه الظروف مع الحرب المستمرة وبعد التصريحات التحريضية من بعض المسئولين الإسرائيليين -والتي أدنّاها بشكل صريح- لكن الوزير بلينكن في كل زياراته ولقاءاته واجتماعاته واتصالاته، يبحث ضرورة إقامة دولة فلسطينية، فهذا كان جزء مهم وجوهري بالنسبة لنا.
• بعد الحرب، من سيقوم بإعادة إعمار غزة؟ هل تُلزم إسرائيل بإعادة بناء غزة لأنها المسئولة عما حدث؟
– من المبكر أن ندخل في أي مناقشة حول إعادة إعمار غزة، بينما لا تزال الحرب والهجمات مستمرة، فصعب أن نضع المسئولية على أي طرف من الأطراف ليقوم بإعادة الإعمار، بينما لايزال الدمار والموت مستمران، لذلك من المفترض أن نركز أولا على إنهاء الحرب.
وأيضا من خلال مناقشاتنا، نرى أن هناك رغبة واسعة من المجتمع الدولي من الولايات المتحدة والدول العربية والخليجية والاتحاد الأوروبي للمساهمة في إعادة إعمار غزة.