أمد/
رام الله: يحيي الشعبان الفلسطيني والأردني كل عام ذكرى معركة الكرامة الخالدة، التي التحمت فيها دماء الشعبين، لتسطر أول انتصار عربي على إسرائيل، بعد تسعة أشهر على هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران 1967.
وفي المعركة التي أراد الاحتلال من خلالها إبعاد قواعد الفدائيين قدر الإمكان عن حدود فلسطين، لكنهم اقتربوا أكثر، واستُشهدوا في القدس وجنين وغزة ورام الله ونابلس وطولكرم، وفوق كل تراب فلسطين.
ففي الخامسة والنصف من صباح الخميس، 21 آذار 1968، حاولت قوات الجيش الإسرائيلي احتلال الضفة الشرقية لنهر الأردن، فبدأت مدفعيتها بقصف مواقع قوات الإنذار والحماية الأمامية التي يطلق عليها في المفهوم العسكري الحديث (قوات الحجاب).. ثم قامت بهجومها الرئيسي على الجسور الثلاثة (جسر الملك حسين، وجسر دامية، وجسر الملك عبد الله)، في وقت واحد، فاشتبكت معها قوات الإنذار الأمامية، وأخذت المدفعية الأردنية تركز قذائفها على مناطق العبور، ودمرت الجسور الثلاثة، وجزءا من المجنزرات، وعطلت تقدمها، لتندلع معركة الكرامة، ويُسجل أول انتصار عربي فلسطيني على الاحتلال الإسرائيلي بعد هزيمة حزيران 1967.
في الكرامة، التحم الجيش الأردني مع الفدائيين الفلسطينيين وسكان قرية الكرامة ومنطقتها، وتصدوا لقوات الاحتلال في معركة استمرت أكثر من 16 ساعة، وأجبرتها على الانسحاب الكامل من أرض المعركة.
فشل جيش الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه على جميع الأصعدة، وخرج من المعركة خاسرا ماديا ومعنويا، وبدأ بالانسحاب في حوالي الساعة الـ15:00، وطلبت إسرائيل لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وقف إطلاق النار في الساعة الحادية عشرة والنصف من يوم المعركة.
معركة الكرامة كانت نقطة تحول كبيرة بالنسبة إلى حركة “فتح” خاصة، والمقاومة الفلسطينية عامة، وتجلى ذلك في سيل طلبات التطوع في المقاومة، لا سيما من المثقفين وحملة الشهادات الجامعية، والتظاهرات الكبرى التي قوبل بها الشهداء في المدن العربية التي دُفنوا فيها، والاهتمام المتزايد من الصحافة الأجنبية بالمقاومة الفلسطينية، ما شجع بعض الشبان الأجانب على التطوع في صفوفها.
كما أعطت معركة الكرامة معنى جديدا للمقاومة تجلى في المظاهرات المؤيدة للعرب والهتافات المعادية التي أطلقتها الجماهير في وجه وزير خارجية إسرائيل آبا إيبان أثناء جولته يوم 7/5/1968 في النرويج والسويد، فقد سمعت آلاف الأصوات تهتف “عاشت فتح”.
وعلى الصعيد العربي، كانت معركة الكرامة نوعا من استرداد جزء من الكرامة التي فقدتها في حزيران 1967 القوات المسلحة العربية التي لم تتح لها فرصة القتال، ففي معركة الكرامة أخفقت إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والإستراتيجية لرفع معنويات الإسرائيليين، بل ساهمت في زيادة خوفهم وانعزالهم.
وحول خسائر المعركة، فقد ارتقى نحو 185 شهيدا من الجانبين الفلسطيني والأردني، إضافة إلى 200 جريح، بينهم عدد من الضباط، ودُمرت 10 دبابات و10 آليات مختلفة ومدفعان، فيما قُتل 250 جنديا إسرائيليا وأكثر من 450 جريحا، ودُمرت 45 دبابة، و25 عربة مجنزرة و27 آلية مختلفة، و5 طائرات.
بعد انتهاء المعركة صدرت العديد من ردود الفعل التي كان أبرزها، قول الرئيس الراحل ياسر عرفات إن “معركة الكرامة شكلت نقطة انقلاب بين اليأس والأمل، ونقطة تحول في التاريخ النضالي العربي، وتأشيرة عبور القضية الفلسطينية لعمقيها العربي والدولي”.