أمد/
حيفا – سهام داوود: القصيدة التي توثق لموعدهما – محمود درويش يلبي دعوة معلمه / رفيقه / صديقه – للمشاركة في حوار أمام الكاميرا – قبل الرحيل – حيث شاء القدر أن يصل محمود درويش للقاء صديقه سويعات بعد الرحيل.
الحقيقة التي التبست على كُثُر – خاصة ان بعض الشخصيات المتسلقة ادعت لنفسها ترتيب دخول محمود درويش الى البلاد بعد غياب قسري استمر لمدة ٢٦ عاماً للمشاركة في جنازة إميل حبيبي.
وكان التبس على الشاعر تاريخ كتابة / قراءة القصيدة في عمان / كانت بعد ٥ سنوات وليس ٤.
كنتُ طلبت إليه – أن يكتب كلمة بمناسبة ذكرى إميل حبيبي الخامسة لأمسية ضخمة أقيمت في قاعة على قمة الكرمل (القاعة نفسها التي أقمنا فيها بعد سنوات أُمسية محمود درويش التاريخية) فسألني : “هل ممكن أن تكون شعراً ؟” فقلت: “بل أجمل”.
وكانت هذه القصيدة :
موعد مع إميل حبيبي
لا لأرثيَهُ، بل لنجلسِ عَشْرَ دقائقَ
في الكاميرا، جئتُ.
كان الشريطُ
مُعدّاً لمعركةٍ بين ديكين.
قلت له قبل موعدنا: عمَّ تبحثُ؟
قال: عن الفرق بين “هنا” و”هناك”.
فقلتُ: لعل المسافةَ كالواو
بين هنا وهناك… مجازيةٌ
قال: عجِّل ! تعال صباح غدٍ
قبل موتي، وقبل تجعُّد زِيِّي الجديد.
خُذِ الشارعَ الساحليَّ السريع. فرائحةُ
المندرينةِ والبرتقالِ تُعيدُك من حيث
مرّ بعيدُكَ. أمّا أنا، فسأقضي
نهاري الأخيرَ على شاطئ البحر، أبحثُ
عن سَمَكٍ من كهولة صُنّارتي…
لا لأرثيّهُ جئتُ، بل لزيارة نفسي.
وُلدنا معاً وكبرنا معاً. أما زلتِ يا
نفسُ أمّارةً بالتباريح؟ أم صقلتك،
كما تصقُلُ الصخرةَ الريحُ؟ تنقُصُنا
هدنة للتأمل: لا الوقعيُّ هنا
واقعيٌّ، ولا أنت فوق سفوح الأولمب
هناك، خياليَّةٌ. سوف أكسر أُسطورتي
بيديَّ، كما يكسر الطفل كوبَ الحليب
ليرشد أماً إلى ثديها.
لا لأرثيَ شيئاً أتيتُ، ولكن
لأمشي على الطرقات القديمة مع صاحبي،
وأقولَ له: لن نغيِّر شيئاً من الأمس
لكننا نتمنّى غداً صالحاً للإقامة. لن
يندمَ الحالمون ويعتذروا للروائي أو للمؤرخ
عمّا يرون، وعما يريدون أن/ يَرَوْا في
المنامات، فالحلم أصدقُ من واقعٍ
قد يغيّر شكل البنايات لكنه لا يغيّر
أحلامنا!
أتيتُ، ولكنني لم أصل. ووصلتُ
ولكنني لم أعد. لم أجد صاحبي في
انتظاري، ولم أجد المقعدين المُعَدَّينِ
لي ولَهُ، ولمعركةٍ بين ديكين…
كان كعادته ساخراً. كان يسخر
منّا ومن نفسه. كان يحمل تابوته
هارباً من جنازته، قائلاً: سينما
كُلُّ شيءٍ هنا سينما،
سينما،
سينما !
*الجمعة، ٣ أيار / مايو ٢٠٢٤. رحيل الكاتب الكبير إميل حبيبي