أمد/
لندن- ترجمة منى فرح: الحرب الإسرائيلية على غزة ما كانت لتكون بهذه الضراوة والشراسة والقوة، وما كان ممكناً أن تستمر بهذه الوتيرة التدميرة نفسها كل هذه المدَّة لولا المساعدات العسكرية الأميركية واستمرار الإمداد بالذخائر والأسلحة وغيرها.
لذلك، إسرائيل قادرة على اجتياح رفح حتى لو كان تهديد الرئيس جو بايدن جدياً. فالأسلحة والذخائر الأميركية “مُكدَّسة في المخازن الإسرائيلية، وتكفي لرفح وغير رفح”، بحسب دان صباغ.
إن حجم الدمار الفظيع الذي حلَّ بقطاع غزة طوال السبعة أشهر الماضية، والعدد المهول من الضحايا الذين سقطوا نتيجة القصف الوحشي يشير إلى حجم المساعدات العسكرية الأميركية الضخمة لإسرائيل.
اليوم، وبعد أكثر من 7 أشهر من المجازر وجرائم الإبادة، “يُهدّد" الرئيس الأميركي جو بايدن بوقف إرسال شحنات أسلحة "مؤقتاً" إلى إسرائيل، إن هي مضت في قرارها اجتياح مدينة رفح، من الصعب الحصول على أرقام دقيقة عن تلك المساعدات العسكرية.
فالولايات المتحدة تحرص دائماً على إبقاء الشحنات التي ترسلها دون الحدود التي يمكن الكشف عنها، وفي أحيان كثيرة، تعتمد على موافقات قديمة للكونغرس، يعود تاريخها إلى سنوات عدة، لتتمكن من إرسال ما تريد إلى إسرائيل من دون الحاجة إلى تصريح جديد.
ومع ذلك، حتى الكشف المحدود يكشف عن أهمية وضخامة تلك الشحنات التي لم تتوقف يوماً؛ ولن تتوقف أبداً.
في مارس/آذار الماضي، أسرَّ مسؤولون للكونغرس أنه منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر جرت أكثر من 100 عملية بيع شحنات عسكرية أجنبية منفصلة لإسرائيل.
وأفاد أحد مراكز الأبحاث الأميركية أن وزارة الدفاع كانت تكافح في بعض الأحيان، لتؤمن طائرات شحن كافية لتسليم الشحنات، "لأن الكثير منها كان يتكدس بانتظار إيصاله إلى إسرائيل".
علاقة أمنية متينة
المساعدات الأميركية لإسرائيل حتى العام 2020 هناك اتفاق قائم مدته عشر سنوات، وقَّعه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في عام 2016، مدته 10 سنوات، سمح بتوفير 3.3 مليار دولار سنوياً من الأسلحة منذ العام 2018، بالإضافة إلى 500 مليون دولار أخرى سنوياً لأنظمة الدفاع الجوي.
علاوة على ذلك، وافق الكونغرس، الشهر الماضي، على مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 13 مليار دولار، منها 5.2 مليار دولار لتعزيز الدفاعات الجوية الحالية.
إنها علاقة أمنية متينة بين البلدين بدأت في الستينيات من القرن الماضي، وحتى الآن، قدمت الإدارات الأميركية المتعاقبة أكثر من 123 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل.
ووفقاً لمعهد “ستوكهولم” لأبحاث السلام فإن 69% من واردات إسرائيل من الأسلحة تأتي من الولايات المتحدة.
والمرة الوحيدة التي أوقفت فيها أميركا مساعداتها لإسرائيل كانت عندما ألغى الرئيس رونالد ريغان شحنة مقاتلات “إف-16” في عام 1982، تاريخ غزو إسرائيل للبنان.
منذ بدء الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة، في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لم ينشر البنتاغون الكثير من التفاصيل حول المساعدات التي أرسلها إلى تل أبيب.
ما تم الكشف عنه تضمن التالي:-
320 مليون دولار من مجموعات الصواريخ الدقيقة في تشرين الثاني/نوفمبر، 14 ألف قذيفة دبابة بتكلفة 106 ملايين دولار في كانون الأول/ ديسمبر، 147.5 مليون دولار لشراء 57 ألف قذيفة مدفعية عيار 155 ملم، بالإضافة إلى 30 ألف مدفع “هاوتزر”.
في الوقت نفسه، قالت القوات الجوية الإسرائيلية إنها قصفت 29 ألف هدف في غزة في منتصف شباط/فبراير، أي بعد ما يزيد قليلاً عن أربعة أشهر من بدء الحرب. وهذا جزء من استراتيجية القصف المكثف والعشوائي الذي أودى حتى الآن بحياة أكثر من 35 ألف فلسطيني، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع.
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر جرت أكثر من 100 عملية بيع شحنات عسكرية أجنبية منفصلة لإسرائيل.
البنتاغون كافح لتأمين طائرات شحن كافية لتسليم الشحنات وتكديس المخازن الإسرائيلية بشتى أنواع الأسلحة والذخائر المفاجأة الصادمة هي أنه بعد كل هذا القتل والتدمير الذي تم بأسلحتها كانت الولايات المتحدة بصدد توريد شحنة جديدة مكوَّنة من 1800 قنبلة تزن كل منها 2000 رطل (907 كيلوغرامات) و1700 قنبلة تزن الواحدة منها 500 رطل (نحو 227 كيلوغراما).
والقنبلة التي تزن 2000 رطل أثقل بأربع مرات من أكبر القنابل التي استخدمها الجيش الأميركي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (“داعش”) في الموصل (شمال العراق)، وهي قوية بما يكفي لتدمير مبنى سكنياً بكامله وترك حفرة بعرض 12 متراً على الأقل.
شهد شاهد من أهله
كان الافتراض الأميركي هو أن هذه الأسلحة الخام والثقيلة، القادرة على قتل العشرات أو أكثر في منطقة مزدحمة، ستُستخدم في اجتياح رفح، الأمر الذي تقول الإدارة الأميركية إنها تعارضه.
ومساء الأربعاء الماضي، قال بايدن لشبكة “سي. إن. إن.” إنه أوقف شحنة القنابل الفتَّاكة “مؤقتاً”.
واعترف؛ للمرة الأولى؛ أن “مدنيين كثر في غزة قتلوا نتيجة تلك القنابل وغيرها من الطرق التي يستهدف بها الإسرائيليون المراكز السكانية”.
وأغلب الظن أن القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل قد استخدمت في غارات مثل تلك التي استهدفت الأحياء السكنية في مخيم جباليا للاجئين، في 31 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وأودت بحياة ما لا يقل عن 120 مدنياً.
وخلص تقدير آخر، أجرته “سي. إن. إن.”، باستخدام صور الأقمار الصناعية، إلى ظهور 500 حفرة كبيرة في غزة خلال الشهر الأول من الحرب حتى 6 تشرين الثاني/نوفمبر، وهو ما يتوافق مع استخدام ذخائر يبلغ وزنها 2000 رطل.
فمنذ عملية “طوفان الأقصى”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فتحت واشنطن كل الإمكانيات أمام إسرائيل للوصول إلى مخزوناتها من الأسلحة في إسرائيل، WRSA-I، والتي كانت تحتوي على ذخائر من أنواع مختلفة بقيمة تصل إلى 4.4 مليار دولار، وفقاً لتقديرات أبحاث الكونغرس.
والحقيقة هي أن الفئة المحدودة من الأسلحة التي يغطيها قرار بايدن (الوقف المؤقت) تترك أنواعاً أخرى من الأسلحة مُتاحة على ما يبدو لإسرائيل، بما في ذلك قذائف الدبابات وقذائف المدفعية.
وما تزال القوات الجوية الإسرائيلية غير متأثرة إلى حد كبير؛ وتمت الموافقة على بيع 25 مقاتلة أخرى من طراز F-35 في آذار/مارس الماضي، كجزء من صفقة أجازها الكونغرس في عام 2008.
في 7 تشرين الأول/أكتوبر، فتحت واشنطن كل الإمكانيات أمام إسرائيل للوصول إلى مخزوناتها من الأسلحة في إسرائيل، والتي كانت تحتوي على ذخائر بقيمة 4.4 مليار دولار إذا ما قرّرت إسرائيل المُضي قُدماً في قرارها اجتياح رفح فإنها ستفعل ذلك في الأمد القريب، لأنها ببساطة قادرة على أن تفعل ذلك بمفردها (كما صرح أكثر من مسؤول إسرائيل خلال الساعات الماضية). ويكاد يكون ذلك مؤكداً.
هي ستفعل ذلك برغم التلويح الأميركي بوقف شحنة القنابل الثقيلة، وبرغم كل الإدانات الدولية.
إسرائيل ستجتاح رفح – إذا قرّرت – غير آبهة بكل التحذيرات الدولية من أن كارثة إنسانية حقيقية ستقع (وكأن كل ما يحدث منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر ليس بكارثة!).
رفح اليوم هي ملجأ لنحو 2 مليون فلسطيني، وملاذهم الوحيد بعد أن فقدوا منازلهم ونزحوا قسراً عن مناطقهم في شمال القطاع وأوسطه.
إسرائيل ستجتاح رفح حتى لو أثر ذلك سلباً على الإمدادات العسكرية الأميركية. فوقف الإمداد "مؤقت"، كما قال بايدن، والمخزون الموجود في إسرائيل يكفي لرفح وغير رفح.
وواشنطن سبق وأعطت الإذن بالوصول إلى مخزوناتها من الأسلحة في إسرائيل.
ما يعني أن قرار وقف الشحنات (إذا كان جدياً، وإذا نُفذ) لن يؤثر على قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن هو أراد اجتياح رفح.