أمد/
نهنئ المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم (الاليكسو) لإختيارها المفكر العربي الكبير د. عبد الاله بلقزيز رمزاً للثقافة العربية ، كما جرى من قبل اختيار الفنانة العربية الكبيرة فيروز والشاعر العربي الكبير الراحل محمود درويش للجائزة ذاتها ، تقديراً لما قدّمه هؤلاء الرموز لأمتهم من ابداع وثقافة.
لقد جمعتني بالمفكر الكبير بلقزيز علاقة فكرية ونضالية منذ ان إلتقينا في صنعاء في “ندوة الوحدة العربية” التي نظمها “مركز دراسات الوحدة العربية” وعلى رأسها الرمز العروبي الكبير الراحل الدكتور خير الدين حسيب بالتعاون مع جامعة صنعاء ورئيسها آنذاك الرمز الثقافي والعروبي الكبير الراحل الدكتور عبد العزيز المقالح ، والتي تم فيها التوافق على تأسيس المؤتمر القومي العربي كأطار للتحاور والتشاور بين نخبة عربية يجمعها همّ اطلاق مشروع نهضوي عربي في اطار مستقل عن كل ارتهان او تبعية لاي جهة ، وكان الدكتور بلقزيز مع المؤرخ الجزائري الحالي الدكتور مصطفى نويصر من أصغر الاعضاء سناً.
كما جرى في تلك الندوة الدعوة الى تشكيل اطار للتفاعل والتعارف بين شباب الامة ولتعريفهم بوطنهم العربي ، فكان مخيم الشباب القومي العربي ، الذي كان بلقزيز مع نخبة من االاخوة من المشرفين على استمرار انعقاده كل عام لسنوات تأكيداً على ان اهتمام العمل القومي بالشباب هو اهتمام بالمستقبل.
ثم جمعتني بالدكتور بلقزيز في مثل هذه الأيام من عام 1990 الدورة التأسيسية للمؤتمر القومي العربي في تونس ، ليستقبلني بعد عام في مطار الدار البيضاء – المغرب ، في اواخر شهر كانون الاول / ديسمبر عام 1990 (اي قبل 34 عاماً) لنوّجه الدعوات الى الدورة الثانية للمؤتمر التي انعقدت في عمان في الاردن بعد حرب الخليج الاولى، فتدين غزو الكويت كما تدين الحرب الاطلسية على العراق (عام1991) ، وندعو الى رفع الحصار الجائر عن شعبه ، ونحذّر من مخاطر غزوه..
ومنذ اوائل تسعينات القرن الماضي حتى اليوم جمعتني بالدكتور بلقزيز مؤتمرات وندوات وملتقيات ومواقف وأيام صعبة ، واصعب ما فيها عدم فهم البعض لطبيعة تجربتنا وحرصنا على تحلّي مواقفنا بالمبدئية والاخلاقية والموضوعية والاستقلالية ، وكانت بوصلتنا في كل مواقفنا فلسطين وتحريرها ، والمواطن وحريته وحقوقه ، والامة واستقلالها وتقدمها ، في ضوء المشروع النهضوي العربي الذي كان الدكتور بلقزيز الفضل الاكبر في صياغته بشكله النهائي في ضوء مناقشات شارك فيها المئات من المفكرين من التيارات القومية والاسلامية واليسارية والليبرالية الوطنية ، ناهيك عن دوره المعروف في العمل ليل نهار ، وحتى سنوات قليلة، من اجل متابعة ومواكبة الانتاج النوعي الكبير الذي صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية.
ومن هنا لم يكن يصدر للدكتور بلقزيز كتاب ، وهو الذي اصدر العشرات من الكتب ، الاّ وأسارع الى قرأته مستفيداً من افكاره الغنية ، مستمتعاً ببلاغة أدبية راقية تعكس ثقافة عربية عميقة.
لم يفهم الدكتور بلقزيز الثقافة حياداً في الموقف كما فعل بعض المثقفين..بل كان صارماً كالسيف يختلف معه البعض ويوافقه البعض البعض الاخر..
لهذا لا يمكن اعتبار بلقزيز مجرّد رمز من رموز الثقافة العربية فحسب ، بل كان منارة من مناراتها وسيفاً من سيوفها.