أمد/
(المضمون: عندما رفض عباس اقوال خامينئي فان رئيس السلطة الفلسطينية أوضح ان الفلسطينيين ليسوا بحاجة الى حروب زائدة. بهذا فانه أيضا الغى المنطق الموجود في هجوم حماس ).
الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يتأخر ولم يزن كلماته عندما تطرق أمس لاقوال المرشد الأعلى الإيراني علي خامينئي. “من يدفع ثمن الحرب الإسرائيلية المتواصلة هو الشعب الفلسطيني”، قال عباس وأضاف: “هو اول من يتضرر من هذه الحرب والتي تبيح دمه”. من حصل منه على هذه الإجابة الاستثنائية في شدتها كان قول خامينئي في الخطاب الذي القاه بمناسبة ذكرى موت مؤسس الثورة الإسلامية الخميني، والذي قال فيه ان “هذه الحرب كانت ضرورية للمنطقة حيث أنها افشلت محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني وسيطرته على المنطقة.
عباس رسم خطا أحمرا واضحا بين المصلحة الوطنية الفلسطينية وبين المصلحة الاستراتيجية لإيران والتي حسب أقواله “في تصريحاتها تعلن صراحة ان هدفها هو التضحية بالدم الفلسطيني، دم الاف الأطفال والنساء والمسنين”. في البيان الرئاسي الفلسطيني كتب أن “تدمير الأراضي الفلسطينية لن يقود الى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. الشعب الفلسطيني يناضل منذ مئة عام وليس بحاجة الى حروب لا تخدم تطلعاته للحرية والاستقلال”.
عندما يحاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو طمس الفوارق العميقة بين حماس وفتح، وبين عباس ويحيى السنوار، ويعارض بكل قوته دخول السلطة الفلسطينية الى غزة، والتي يرى فيها تنظيما إرهابيا لا يختلف عن حماس، يضع عباس مقابله رؤيا استراتيجية فلسطينية ثابتة والتي لم تتغير مع مرور السينين. ليس فقط ضد ايران وقف عباس، بل انه في أقواله اعتبر أيضا الحرب التي بدأتها حماس كعملية مناقضة للمصلحة الفلسطينية. لهذا فانه غرس أصبعا في عيون من يتظاهرون مطالبين “من النهر وحتى البحر”.
هذه ليست هي المرة الأولى التي فيها عباس وحركة فتح يرسمون خارطة للفوارق المبدئية هذه. في نيسان، وعندما أعلن القائد العسكري لميليشيات “حزب الله العراق” والذي يعمل في دولة برعاية ايران، انه مستعد في تدريب وتسليح 12 الف مواطن اردني ليكونوا مستعدين للانضمام للحرب ضد إسرائيل، نشرت فتح ردا شديدا فيه ادانت ايران. لقد اتهمتها بالتدخل في القضية الفلسطينية من خلال ادارتها لحرب “على حساب الدم العربي”. الحركة أكدت في بيانها حينئذ انها “لن تسمح باستخدام القضية الفلسطينية المقدسة وبدم أبناء الشعب الفلسطيني كورقة لصالح مشاريع مشبوهة ليس لها علاقة بالشعب الفلسطيني).
هذه الاقوال موجهة جيدا أيضا تجاه خصوم عباس السياسيين داخل م.ت.ف وأيضا داخل فتح، والذين يدعون الى مصالحة مع حماس والى ضمها لـ م.ت.ف كجزء من إعادة بناء المنظمة. تصريحيا، عباس لا يعارض هذه المصالحة، وحتى انه وقع على اتفاق مصالحة رسمي مع حماس في 2017، والذي في اطاره شكلت حكومة وحدة وطنية حولت لايدي السلطة إدارة معبر رفح. هذه المصالحة تحطمت خلال اقل من سنتين في اعقاب محاولة اغتيال لرئيس حكومة الاتفاق، رامي الحمدالله، عندما زار غزة. بعد ذلك واصلت فتح وحماس إجراء مفاوضات لا تنتهي في محاولة لتشكيل اطار سياسي مشترك ولكن هذه المفاوضات انتهت بلا شيء. هذا إزاء رفض عباس تبني الشرطين الأساسيين اللذان وضعتهما حماس والتي بموجبهما على حماس الاعتراف بكل الاتفاقات التي وقعت عليها م.ت.ف بما في ذلك اتفاقات أوسلو، والانتقال من مقاومة مسلحة ضد إسرائيل الى مقاومة مدنية وسياسية.
هذه المباديء لم تنفع كثيرا عباس في جهوده ليحظى بدعم إسرائيل، ولولا الحرب أيضا الولايات المتحدة كانت ستواصل تجاهل وجود السلطة الفلسطينية. السلطة تحولت الان الى البديل المفضل لادارة غزة في نظر واشنطن والقاهرة ولكن حتى الان هي بعيدة عن قبولها كشريك في نظر إسرائيل. بالرغم من ذلك عباس لم يغير نظرته سواء بالنسبة لإيران أو بالنسبة لحماس. الاقوال التي نشرها امس هي سهم مسموم أيضا موجه لقلب نظرية “وحدة الساحات” والتي تطلعت حماس لتشكيلها سوية مع ايران وحزب الله وباقي امتداداتها.
عباس وفتح ابعدا نفسيهما عن هذه “الوحدة”، والانتفاضة التي تمنتها حماس لم تندلع في المناطق ورغم الضربات الاقتصادية الصعبة التي اوقعتها حكومة نتنياهو على السلطة، فان التنسيق الأمني مع إسرائيل يتواصل. في حين أن ايران، كما صرح زعيمها، ومعها حماس وحزب الله، يرون في الحرب نصرا استراتيجيا لمجرد احباطها للتطبيع مع السعودية ولـ “المشروع الأمريكي”، فان عباس يقف الى جانب التطبيع. هذا بشرط أن ينتج عنه اعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، او على الأقل تحرك خطوات سياسية تسعى الى انجاز ذلك. علاوة على ذلك، رد حركة فتح ضد ايران الذي صدر في شهر نيسان يتحدث عن “استغلال الدم العربي” بايدي ايران، وبهذا فهي توضح ان مكان القضية الفلسطينية هو في الحضن العربي وليس في الحضن الإيراني، الذي هو غير عربي، وفعليا هو حضن غريب ومعادٍ.
الموقف الفلسطيني هذا كان من شأنه أن يشجع إسرائيل على تبني السلطة كشريك لمخططات اليوم التالي. ولكنها هي التي تهدد نفس الاستراتيجية التي حرص نتنياهو على بنائها، هذه الاستراتيجية التي استهدفت احباط إقامة دولة فلسطينية بواسطة فصل سياسي تام بين حماس وم.ت.ف وبين الضفة والقطاع. هذه الاستراتيجية تقول ان “المصلحة الوطنية” لإسرائيل ستكمن في تقوية حماس في غزة كوزن مضاد للسلطة الفلسطينية ولـ م.ت.ف. هذا من اجل منع تشكيل قيادة فلسطينية واحدة تستطيع ان تمثل بصورة حصرية الشعب الفلسطيني. هذه الاستراتيجية استندت الى تبرير سياسي مدحوض، والذي يقول انه طالما م.ت.ف لا تمثل كل الشعب الفلسطيني، وطالما انها لا تستطيع مواجهة حماس وكبحها – فليس هنالك أي جدوى من الحديث عن حلول سياسية.
المشكلة المنطقية التي وجدت الان، والتي منها يمكن أن يشتق السلوك السياسي والعسكري في غزة، هي انه منذ بداية الحرب، إسرائيل تعلن عن تطلعها لتدمير حماس وتدمير قدراتها السلطوية. بيد أنه يكمن في هذا الطموح ثمنا سياسيا إسرائيل غير مستعدة لدفعه، حيث أن “الخطر” هو انه مع تدمير حماس ستتحطم أيضا استراتيجية الفصل بين حماس والسلطة الفلسطينية والتي رعتها وتعهدتها إسرائيل طوال سنين. النتيجة من شأنها أن تكون ان م.ت.ف والسلطة سيحظيان بمكانة الممثل الوحيد والحصري للشعب الفلسطيني، وعلى الأقل نظريا، دون منافسة من جانب حماس. هذه نتيجة غير محتملة من ناحية حكومة نتنياهو والتي تسعى لصدها عن طريق منع عودة السلطة الفلسطينية الى غزة، وتأطيرها كتنظيم إرهابي، وتدميرها من ناحية اقتصادية ورفض طرح خطط لليوم التالي. إسرائيل، هكذا يبدو، كانت ستكون مسرورة اكثر لو ان عباس كان قد مد يده لإيران، وربت على كتف خامينئي واعتبر الحرب في غزة كحرب تحرير فلسطينية.
نشر في صحيفة “هآرتس” العبرية