أمد/
واشنطن: اجتمع عدد من المسؤولين الأميركيين الذين كانوا قد استقالوا احتجاجاً على سياسة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه حرب غزة، لحشد جهودهم والضغط على الحكومة لتغيير طريقة تعاملها مع هذه القضية.
وقدم أكثر من ستة مسؤولين أميركيين، استقالاتهم من مختلف إدارات الحكومة الأميركية في خطوة احتجاجية، قائلين إنه لم يعد بإمكانهم العمل لصالح إدارة بايدن، فيما استقال آخرون دون الكشف عن الأسباب بشكل علني، وأفادت شبكة CNN الأميركية، بأن عدداً من هؤلاء المسؤولين قالوا إنهم سيسعون إلى "إحداث تأثير" من خارج الحكومة.
وواجه الرئيس الأميركي ضغوطاً خارجية وداخلية بسبب دعمه المطلق لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، وهي الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين، وشرّدت الملايين، وتسببت في مجاعة شديدة في جميع أنحاء القطاع.
وعلى الرغم من أن خطاب الإدارة الأميركية، أصبح أكثر انتقاداً لإسرائيل مع مطالبتها ببذل المزيد من الجهود لحماية المدنيين والسماح بدخول المزيد من المساعدات، إلا أن سياسات واشنطن ظلت دون تغيير حقيقي عموماً، حسبما تعتبر CNN.
وقال المسؤولون السابقون الذين استقالوا علناً، جوش بول، وهاريسون مان، وطارق حبش، وأنيل شيلين، وهالة راريت، وليلي جرينبيرج كول، وأليكس سميث، وستاسي جيلبرت، إنهم شعروا بأن وجهات نظرهم وخبراتهم ومخاوفهم لم يتم الالتفات إليها، وأن الإدارة تتجاهل الخسائر الإنسانية الناجمة عن الحملة العسكرية الإسرائيلية.
وتحدثوا عن الضرر الذي شعروا أن سياسة الولايات المتحدة بشأن الحرب تخلفه على مصداقية البلاد، وبأن إدارة بايدن لم تدرك هذا التأثير بالكامل.
"هواجس مشتركة"
وقال جميع المسؤولين الذين استقالوا علناً وتحدثوا إلى شبكة CNN، إن العديد من زملائهم الذين ما زالوا في مناصبهم، يتفقون مع قرارهم بالرحيل.
وقال المسؤول السابق في وزارة الخارجية جوش بول: "نحن نفكر في كيفية استخدام هاجسنا المشترك ومواصلة الضغط معاً من أجل التغيير"، وكان بول أول مسؤول أميركي يقدم استقالته بشكل علني كخطوة احتجاجية في أكتوبر.
من جهته، قال الموظف السابق في جهاز المخابرات العسكرية الأميركية هاريسون مان لشبكة CNN: "عندما يكون لديك العديد من المهنيين والمسؤولين المعينين من الرئيس… الذين استقالوا بسبب هذه السياسة، فهذا مؤشر على أن شيئاً ما يسير على نحو خاطئ".
وقالت الدبلوماسية السابقة ستايسي جيلبرت لشبكة CNN إنها كانت تعمل على التقرير حول استخدام إسرائيل للأسلحة الأميركية، وما إذا كانت تل أبيب قد قيدت المساعدات الإنسانية – ولكن بعد ذلك، "في مرحلة ما، تم إعفاء الخبراء الذين كانوا يعملون على هذا التقرير، وتم تكليف مسؤولين من مستوى أعلى به".
ولم تر جيلبرت التقرير حتى صدوره للعموم في العاشر من مايو.
ووجد التقرير أنه "من المعقول أن نقيم" أن الأسلحة الأميركية استخدمت من قبل القوات الإسرائيلية في غزة بطرق "تتعارض" مع القانون الإنساني الدولي، لكنه لم يصل إلى حد اتهام إسرائيل رسمياً بأنها انتهكت القانون. كما خلص التقرير إلى أن إسرائيل لم تحجب المساعدات الإنسانية عن غزة بما يتعارض مع القانون.
وقالت جيلبرت، إن الاستنتاج الأول كان "أكثر صدقاً مما كنت أتوقعه"، لكن الاستنتاج الثاني "غير صحيح على الإطلاق".
وأضافت: "هذا ليس رأي الخبراء في الحكومة الأميركية، الخبراء في المساعدات الإنسانية. وليس رأي المنظمات على الأرض في غزة. لذا فإن رؤية ذلك في التقرير، الذي تم ذكره بوضوح شديد، والذي نقدر فيه أن إسرائيل لا تمنع المساعدات الإنسانية – كان أمراً مروعاً، كان مروعاً تماماً. وعندها قررت الاستقالة"، ووصفت التقرير بأنه "سياسي".
واعتبرت جيلبرت التي غادرت وزارة الخارجية في مايو الماضي إن "أقل ما يمكن قوله هو أن هذا (التقرير) يقوض مصداقيتنا".
"اختلاف في الآراء"
ويقول المسؤولون في إدارة بايدن، إنهم يحترمون الاختلافات في الآراء.
وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، خلال الأسبوع الجاري: "نحن نستمع إلى الناس. نريد أن نسمع آرائهم. نريد أن نسمع الخبرة التي يقدمونها. ولكن في النهاية، فإن الرئيس والوزير وغيرهما من كبار المسؤولين هم من يتخذون القرارات بشأن ما ينبغي أن تكون عليه سياسة الولايات المتحدة".
وقالت مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانثا باور في مقابلة مع NPR، هذا الأسبوع: "لدينا الكثير من الآراء في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تنتقد السياسة الخارجية الأميركية. لدينا آراء تعتقد أننا ندفع ونفعل كل ما في وسعنا، ومهمتي هي سماع هذه الآراء، وخاصة تلك التي تستند إلى الحقائق، والأفكار حول ما يمكننا القيام به أكثر".
وأضافت: "لأن الوضع مرير. يعيش المدنيون في رعب لا يمكن تصوره، وفي حرمان لا يمكن تصوره، لذا إذا لم يكن هناك أشخاص، وخاصة في وكالة مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي تتجذر في مهمة إنسانية وتنموية، غير راضين عن المكان الذي نحن فيه، فسيكون ذلك مخيباً للآمال في حد ذاته".
"سياسات ناقصة"
وكان "المستقيلون"، كما أسماهم سميث، على اتصال ببعضهم البعض وهم "يأملون في استخدام قوتنا الجماعية للتحدث للصحافة، والتحدث نيابة عن العديد من الموظفين الذين ما زالوا يعملون ولا يمكنهم التحدث لأنهم يرغبون في الاحتفاظ بوظائفهم، وهو أمر عادل للغاية".
وقالت جيلبرت: "إذا كان بوسعنا أن نساعد الآخرين في التعبير عن آرائهم، وإيجاد طريقة لمحاولة التأثير على بعض السياسات، فسيكون ذلك مفيداً"، مشيرة إلى أنه قد تكون هناك طرق جديدة يمكن للأشخاص داخل الإدارة من خلالها جعل آرائهم بشأن السياسة الأميركية مسموعة.
وأوضحت: "قد تتغير الاستراتيجية من كتابة برقية معارضة واحدة يوقع عليها العديد من الناس إلى قيام الأفراد بكتابة برقياتهم الخاصة"، في إشارة إلى القناة الرسمية لوزارة الخارجية للتعبير عن المعارضة، بحيث "يكون لدى الناس طريقة للتعبير عما يشعرون به على وجه الخصوص بشأن هذا الأمر والحصول على رد من كل شخص على حدة بناءً على معارضته لهذه السياسة".
وقال هارسيون مان، إنه نصح الأشخاص الذين لديهم مخاوف بـ"كتابتها ومطالبة رئيسهم أن يمنحهم ضمانات باسمه بأن ما يفعله (الموظف) يتوافق مع القانون الدولي والأميركي والمعايير الأخلاقية للمؤسسة التي يعمل بها".
وقال أليكس سميث، الذي عمل لمدة أربع سنوات في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية قبل أن يتركها في مايو، إنه وجد دائماً أن السياسات تجاه غزة "ناقصة"، وأن إحباطاته بشأن السياسات الأميركية حول الحرب كانت تتراكم. ولكن "القشة الأخيرة" كانت إلغاء عرض تقديمي كان من المقرر أن يقدمه حول التأثيرات الصحية للأمهات والأطفال الناجمة عن "العقاب الجماعي للمدنيين"، على حد قوله.
وقال لشبكة CNN: "كان ذلك بمثابة القشة الأخيرة أيضاً بالنسبة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لأنهم عادوا بإنذار نهائي مفاده أنه يمكنني الاستقالة أو إنهاء خدمتي بسبب الاختلافات".
وقال متحدث باسم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إن الوكالة "لم تتخذ أي إجراءات شخصية رداً على هذا العرض التقديمي"، مضيفًا: "كوكالة، نقدر ونسعى عمداً إلى التنوع في وجهات النظر".
وقال بعض المسؤولين الذين استقالوا علناً إنهم أدركوا في أعقاب هجوم حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر أن رد فعل الحكومة الإسرائيلية من المرجح أن يكون متطرفاً.
وقالت جرينبرج كول، الموظفة السابقة في وزارة الداخلية، والتي أصبحت أول موظفة سياسية يهودية تستقيل علناً، لشبكة CNN: "لقد أمضيت الأسابيع القليلة الأولى بعد ذلك في التعامل مع الصدمة وتأثير ذلك والحزن على فقدان الناس، لكنني كنت أعرف أيضاً على الفور تقريباً أن أي شيء سيحدث، كرد فعل، كاستجابة، سيكون وحشياً حقاً ومروعاً".
وأضافت أنها شعرت بـ"خيبة أمل" منذ البداية بسبب رد فعل الإدارة، لكنها "أرادت أن ترى ما يمكنها فعله من الداخل بسبب قربها من السلطة".
وأشارت في حديثها لشبكة CNN، إلى أنها شعرت أن المخاوف التي شاركتها تم تجاهلها، و"إذا كان هناك أي شيء، فقد تم تصنيفي إلى حد ما كمسبب للمشاكل".
"نتيجة لليأس"
وخلصت كول التي غادرت منصبها في مايو الماضي، إلى أنها "وصلت إلى نقطة لم يعد بإمكانها شخصياً أن تكون على نزاهة مع نفسها وتمثل الإدارة".
واتخذ هاريسون مان، الضابط في الجيش الذي عمل في وكالة الاستخبارات العسكرية، قرار الاستقالة في نوفمبر، بعد أسابيع قليلة من السابع من أكتوبر. وهو يهودي وأول عضو في مجتمع الاستخبارات يستقيل علناً.
وقال مان لشبكة CNN: "لقد كان ذلك نتيجة لليأس من مسار الحرب في غزة"، وأضاف أنه بدا له واضحاً منذ البداية أن "الإسرائيليين سوف يقتلون أعداداً هائلة من المدنيين بلا تمييز"، وأن هذا لن يؤثر على الدعم الأميركي.
وأوضح مان أن ترك منصبه كان "عملية بطيئة للغاية وممتدة"، لذا لم يترك وظيفته حتى هذا الأسبوع، ولم يخبر الناس بسبب استقالته حتى وقت قريب خوفاً من أن يصبح "شخصاً غير مرغوب فيه". وأضاف: "لقد أدركت بعد ذلك أنه لو كنت قد عبرت عن مخاوفي لزملائي، وربما أيضاً لرؤسائي في وقت سابق، فأعتقد أنني كنت لأجد آذاناً صاغية. وأتمنى لو فعلت ذلك".
وقال العديد من المسؤولين لشبكة CNN إنهم تحدثوا مع مسؤولين آخرين استقالوا علناً لطلب المشورة قبل الإعلان عن استقالاتهم.
وقالت جرينبيرج كول: "لا يوجد دليل لكيفية الاستقالة علناً من وظيفتك احتجاجاً، لذلك كان من المفيد التحدث إلى الأشخاص الذين فعلوا ذلك".