أمد/
رام الله: من المصنع حتى طاولة الزبائن، تسلك الجعة المصنّعة في الطيبة في الضفة الغربية المحتلة طريقا مشوبا بعوائق كثيرة، كما كل الصادرات الفلسطينية التي تأثرت بالحرب المتواصلة في قطاع غزة منذ تسعة أشهر.
حتى قبل اندلاع الحرب في غزة، كان على صانعي البيرة في مصنع الطيبة، أن يسلكوا طريقا صخريا للخروج بإنتاجهم من الضفة الغربية المحتلة.
بعد مرور 30 عامًا على افتتاحه، يواجه أقدم مصنع بيرة في الأراضي الفلسطينية مجموعة من العقبات، بدءًا من حواجز الطرق وصولا الى العقبات البيروقراطية والقيود المتزايدة من السلطات الإسرائيلية.
وتقول ماديس خوري (38 عاما) التي تولت إدارة أعمال العائلة من والدها نديم الذي حصل على مباركة الزعيم الفلسطيني السابق ياسر عرفات لفتح مصنع جعة في الضفة في العام 1994، “تراجعت الأعمال بشكل كبير”.
سُمّي مصنع الجعة على اسم قرية الطيبة ومعناها “اللذيذة”. وترك مصنع الجعة بصماته على مشهد البيرة في المنطقة.
لكن وراء الجدار الأمني الذي تقيمه إسرائيل، يواجه المصنع عقبات أكبر بسبب القيود المفروضة على التصدير وحرب غزة التي أضعفت الطلب على المنتوج، وتصاعد عنف المستوطنين.
وتقول ماديس خوري لوكالة فرانس برس “بالرغم من العقبات ما زلنا ننتج. مازلنا نعمل. لا يزال لدينا موظفونا. ما زلنا منشغلين”.
وتحتل إسرائيل الضفة الغربية منذ العام 1967، وتسمح بصادرات فلسطينية بلغت قيمتها في العام 2023، 1,56 مليار دولار وفقًا لمكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني، على الرغم من أنها تخضع لنقاط تفتيش وموافقات تصل أحيانا في آخر لحظة.
ويقول البنك الدولي إن الصادرات من الأراضي الفلسطينية التي يعيش فيها ثلاثة ملايين فلسطيني تراجعت بنسبة 20% منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
ويمكن لمصنع جعة الطيبة الذي يصنع إنتاجه من مكوّنات أوروبية ومحلية، أن ينتج آلاف الزجاجات في الساعة، وتشمل منتجاته البيرة الحلال غير الكحولية.
وتباع بيرة الطيبة في 17 دولة، وفق ماديس خوري التي تقول إن “المبيعات انخفضت بنحو 80% منذ عام 2019، متأثرة بجائحة كوفيد-19 ومؤخرا بحرب غزة” التي اندلعت إثر هجوم غير مسبوق لحركة حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
– قيود التصدير –
وتتابع خوري “الكثير من الناس عاطلون عن العمل وليس لديهم مال. والعمال في السلطة الفلسطينية لا يتقاضون رواتبهم. لذا فإن شراء البيرة أشبه بالترف”.
وتضيف “الناس الآن يدخرون أموالهم لشراء الضروري. والناس ليسوا في مزاج يسمح لهم بالخروج والشرب”.
وزدات قيود التصدير الإسرائيلية على مصنع الجعة الذي يعمل بالطاقة الشمسية ويشغّل فريقا من 15 شخصًا.
وتوضح خوري أن “أمر التسليم يستغرق ثلاثة أيام إذا سار كلّ شيء بسلاسة، وهو ما لا يحدث أبداً”.
وتشير الى خسارة أموال بسبب تأخير عمليات التسليم نتيجة إجراءات ومعاملات إسرائيلية معقدة وقيود تعبئة مفروضة على المنتجات الفلسطينية.
وتقول خوري التي ولدت في الولايات المتحدة لكنها انتقلت إلى الضفة الغربية عندما كانت في التاسعة من عمرها، إنه من المهم بالنسبة للشركات الفلسطينية أن تواصل المساهمة في الاقتصاد المحلي.
وتضيف “عائلتي تؤمن أنه من أجل بناء دولة واقتصاد فلسطينيين، علينا أن نستثمر في أموالنا الخاصة ومعرفتنا وخبرتنا ومستقبل أطفالنا”.
كما تشير الى أهمية “إظهار جانب مختلف لفلسطين… وأن هناك سيدات أعمال يقدن أعمالًا تجارية، حتى في عالم الرجال”.
ويوزّع نصف إنتاج بيرة الطيبة في الضفة الغربية، بينما يباع 35% من الإنتاج في إسرائيل، والباقي في دول أخرى.
– “لن أغادر” –
ويقدّم الإسرائيلي ليئور غوترمان (50 عاما) جعة الطيبة في حانته في القدس الغربية منذ سنوات، واصفا إياها بالمنتج الذي يقدّم رسالة تعايش.
ويقول لفرانس برس “الأهم هو الاحتفاظ بها”، مضيفا أنه يبيع حوالي خمسة براميل من بيرة الطيبة كل أسبوع. “أريد طوال الوقت… أن أظهر أن كل شيء لا يزال طبيعيا. ليس لدي أي عدو هنا من حولي”.
لكن مثل هذه الآراء لا تنفي ارتفاع نسبة التوتر في الضفة الغربية حيث ازدادات المواجهات بين الفلسطينيين من جهة والمستوطنين والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى منذ بدء الحرب.
وتقول خوري “لم أشعر قط بعدم الأمان أثناء التنقل حتى العامين الماضيين”، مضيفة إن المستوطنين “يهجمون في كل مكان”.
وقتل 553 فلسطينيا على الأقل في الضفة بأيدي القوات الإسرائيلية أو المستوطنين منذ اندلاع حرب غزة، بحسب مسؤولين فلسطينيين.
ويعيش نحو 490 ألف إسرائيلي في مستوطنات تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي في الضفة.
ويستضيف مصنع الجعة مهرجان أكتوبر السنوي المستوحى من الحدث الألماني للترويج للقرية والاقتصاد المحلي.
لكن هذا العام لن تكون هناك أي احتفالات بسبب الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
لكن على الرغم من التحديات، تقول خوري إنها ستستمر مع العائلة في الشركة.
وتقول “إن تجاوز الصعوبات يجعلنا أقوى كفلسطينيين. (…) لن أغادر. سأبقى هنا. هذا هو الوطن.”.