أمد/
تل أبيب: في إحدى المرات النادرة، تعاونت أوساط في الجناح اليميني للمعارضة الإسرائيلية مع الائتلاف اليميني الحاكم، في مبادرة لتمرير مشروع قرار في الكنيست (البرلمان) يعارض بشدة فكرة قيام دولة فلسطينية، ويعدها خطراً وجودياً.
وقد جاءت هذه المبادرة من رئيس حزب اليهود الروس «اسرائيل بيتنا»، المعارض، أفيغدور ليبرمان، ومعه زئيف الكين (وهو أيضاً مهاجر روسي) من «حزب أمل يميني»، بقيادة غدعون ساعر، وانضم إليهما من الائتلاف الحكومي كل من النائب يولي أدلشتاين، رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، وهو من «حزب الليكود»، والنائب سمحا روتمان، من «كتلة الصهيونية الدينية»، التي يرأسها بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير.
وقد نجحوا في جمع تواقيع 61 عضو كنيست (من مجموع 120)، واختاروا هذا التوقيت عشية سفر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة، واحتمال لقائه الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض. ووفق رأيهم، فإنهم يتوقعون أن يتعرض نتنياهو للضغط حتى يوافق على إقامة دولة فلسطينية في إطار صفقة سلام شاملة تستند إلى مبادرة السلام العربية.
خطر وجودي
وجاء في العريضة: «الكنيست الإسرائيلي يعارض بشكل حاسم إقامة دولة فلسطينية غرب نهر الأردن. فإن دولة كهذه ستشكل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل، وتخلد الصراع وتزعزع الاستقرار، ولن تكون تلك سوى مسألة وقت حتى تسيطر على هذه الدولة حركة (حماس) وتحوّلها إلى قاعدة للإرهاب الإسلامي المتطرف بتشجيع من إيران». ووفق المنظمين فإنهم يواصلون جمع التواقيع، لكنهم أعلنوا عن هذه الخطوة من الآن حتى يلزموا رئيس الكنيست بجلب الموضوع إلى المداولات قبل أن تبدأ عطلة الصيف الطويلة، التي تبدأ منتصف الشهر الحالي وتنتهي بعد شهرين.
وكان الكنيست قد اتخذ قراراً مماثلاً فقط في 21 فبراير (شباط) الماضي، وصوّت إلى جانبه 99 نائباً. وفي حينه جاء القرار بمبادرة من نتنياهو شخصياً، رداً على التصريحات الرسمية التي صدرت في عدة عواصم في العالم عن دراسة إمكانية الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وجعل هذا الاعتراف خطوة أولى في اتفاقية سلام شامل بين الدول العربية وإسرائيل، تتضمن إقامة دولة فلسطينية.
وقال نتنياهو، في كلمته، يومها، إنه أراد أن يوجه رسالة إلى المجتمع الدولي بأنه، بعد قرار الحكومة، يوجد إجماع في الكنيست يعكس إجماعاً في إسرائيل كلها ضد اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية. وقال: «إسرائيل ترفض إملاءات دولية بخصوص تسوية دائمة مع الفلسطينيين. وتسوية مثل هذه يجري تحقيقها بمفاوضات مباشرة بين الجانبين فقط لا غير، ومن دون شروط مسبقة. إسرائيل ستستمر في معارضة اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية. واعتراف مثل هذا، في أعقاب مجزرة 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سيمنح جائزة هائلة للإرهاب، جائزة غير مسبوقة، وسيمنع أي تسوية مستقبلية للسلام»، وفق زعمه.
نواب عرب في «الكنيست» يشاركون في اعتصام احتجاجي على العنف في المجتمع العربي أمام مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي 31 مايو (أرشيفية – غيتي)
النواب العرب
وبعد نقاش في الجلسة، صوّت 99 من نواب الائتلاف والمعارضة مع تصريح نتنياهو، باستثناء النواب العرب الذين عارضوه، ونواب حزب «العمل» الذين تغيبوا بشكل متعمد، عادّين الجلسة بمثابة «سيرك» ومسرحية ساخرة. وقد طلب نتنياهو حق الكلام بعد التصويت، ليقول إن هذه نتيجة تاريخية، إذ لم يسبق أن أيّد النواب في إسرائيل أي قرار تقريباً بهذه النسبة العالية.
ولكن أهداف القرار اليوم تختلف، فهو موجه ليس فقط ضد فكرة الدولة الفلسطينية والسلام الشامل، بل أيضاً ضد الإدارة الأميركية والرئيس بايدن. والتعاون بين الائتلاف والمعارضة لافت وهو أيضاً له هدف. ففي الائتلاف، يسعى روتمان إلى البروز داخل حزبه وحركته السياسية، بصفته قائداً مبادراً، ويريد أدلشتاين، أن يحسن وضعه في الليكود، بعدما دخل في صدام مع نتنياهو حول إصراره على تمرير قانون تجنيد الشباب الحريدي، فهو يؤيد التفاهم مع المعارضة، ويرفض تمرير قانون يروق لليمين وحده.
وأما المعارضة فإن ليبرمان والكين يريدان البرهنة للجمهور اليميني على أنهما يمينيان أصليان، ويطوقان نتنياهو من اليمين. المشكلة أن المعارضة، المفترض أن تحارب الحكومة على سياستها المتطرفة، توقع بنفسها فريسة لأيدي نتنياهو، وتخدم أهدافه حتى في مواجهة السياسة الأميركية.