أمد/
الناصرة: يصادف اليوم ذكرى وفاة الشاعر الفلسطيني توفيق أمين زيّاد الذي ولد في مدينة الناصرة 7 مايو 1929 وتوفي 5 يوليو 1994, بحادث طرق مروع وهو في طريقه عودته بعد لقاء القائد التاريخي المؤسس الخالد ياسر عرفات في أريحا بعد اتفاقيات أوسلو.
شغل “أبو الأمين” منصب رئاسة بلدية الناصرة حتى وفاته، كما كان عضوا في الكنيست الإسرائيلي لعدّة دورات انتخابية عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي- راكاح.
تلقى توفيق زيّاد تعليمه في مدارس مدينة الناصرة الحكومية، ونال الشهادة الثانوية في سنة 1946. وخلال فترة دراسته كان يساعد أباه في دكان البقالة الذي امتلكه.
بدأ زيّاد الاهتمام بالسياسة وهو في المرحلة الثانوية من دراسته، وتأثر توجهه السياسي التقدمي بأفكار ثلاثة من أساتذته، هم رشدي شاهين وجمال سكران وفؤاد خوري، الذين كانوا يطلعون تلامذتهم على ما تنشره صحيفة "الاتحاد" ومجلة "المهماز". وشارك زيّاد في سنة 1946 في قيادة مظاهرة طلابية ضد السياسة البريطانية المؤيدة للصهيونية.
انتسب زيّاد قبل وقوع نكبة فلسطين إلى فرع الناصرة لـ "عصبة التحرر الوطني في فلسطين"، التي تشكّلت في سنة 1944 وضمت الشيوعيين العرب الذين انفصلوا عن رفاقهم اليهود في الحزب الشيوعي الفلسطيني. وبرز في تلك المرحلة المبكرة حبه للأدب والثقافة العامة. وبدأ ينشر أولى قصائده منذ أواخر الأربعينيات.
انضمّ زيّاد، مع رفاقه في "عصبة التحرر الوطني" الذين بقوا في المناطق العربية التي احتلتها إسرائيل، إلى "الحزب الشيوعي الإسرائيلي" الذي أُعلن عن قيامه في تشرين الأول/ أكتوبر 1948.
نشط زيّاد، طوال سنوات الخمسينيات وحتى مطلع الستينيات، في العمل النقابي في مدينة الناصرة، في إطار "مؤتمر العمال العرب" أولاً، قبل أن يحل هذا المؤتمر نفسه في تموز/ يوليو 1953، ثم في إطار الكتلة الشيوعية داخل منظمة "الهستدروت". وكتب العديد من المقالات في صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية عن أوضاع العمال في إسرائيل، وخصوصاً العرب منهم.
درس أولاً في الناصرة ثم ذهب إلى موسكو ليدرس الأدب السوفييتي.
في سنة 1965، عند وقوع الانقسام داخل الحزب الشيوعي الإسرائيلي، كان زيّاد من ضمن أعضاء الحزب العرب الذي أسسوا مع عدد من رفاقهم اليهود "القائمة الشيوعية الجديدة" (راكاح) في إسرائيل، التي عادت وتبنت اسم "الحزب الشيوعي الاسرائيلي" في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين.
تسلّم زيّاد في سنة 1966 رئاسة تحرير مجلة "الجديد" الأدبية التي كان يصدرها الحزب الشيوعي، وهو ما أتاح له فرصة أكبر للتفرغ لنشاطه الأدبي.
أوفدته قيادة حزبه في مطلع السبعينيات إلى مدينة براغ ممثلاً لها في هيئة تحرير مجلة "قضايا السلم والاشتراكية" (Problems of Peace and Socialism) التي كانت تصدرها الأحزاب الشيوعية. وكلفته بمتابعة شؤون موفدي الحزب من الطلبة إلى جامعات الدول الاشتراكية.
انتخب زيّاد في أواخر سنة 1973 نائباً للكنيست في دورته الثامنة عن "القائمة الشيوعية الجديدة" (راكاح). وعقب قيامه بنشر قصيدته "العبور الكبير" في صحيفة "الاتحاد"، في الذكرى الأولى لحرب تشرين الأول 1973، طالب نواب اليمين الإسرائيلي بمنعه من دخول الكنيست وبنزع حصانته البرلمانية ومحاكمته.
حققت قائمة "جبهة الناصرة الديمقراطية" التي ترأسها زيّاد فوزاً كبيراً في انتخابات المجلس البلدي لمدينة الناصرة التي جرت في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1975، إذ إنها فازت بنسبة 67 في المئة من أصوات المقترعين وبأحد عشر عضواً من أصل سبعة عشر. واختير زيّاد رئيساً للبلدية، فبذل جهوداً حثيثة كي يجعل من مدينة الناصرة عاصمة سياسية وثقافية، وقام بفتح جلسات المجلس البلدي أمام الجمهور، وناضل من أجل مساواة الناصرة في الميزانية مع المدن والبلدات المساوية لها في عدد السكان، وبادر إلى تنظيم مخيمات العمل التطوعي التي شهدتها مدينة الناصرة سنوياً منذ سنة 1976 وحتى سنة 1992.
وبعد النجاح الباهر الذي حققته "جبهة الناصرة الديمقراطية"، ساهم زيّاد، مساهمة فعالة، في تأسيس "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة".
لعب زيّاد، من موقعه في الكنيست وفي رئاسة بلدية الناصرة، دوراً بارزاً في إنجاح إضراب "يوم الأرض"، في الثلاثين من آذار 1976، إذ إنه تصدّى بحزم لعدد من رؤساء المجالس المحلية العربية الذين حاولوا، بضغط من السلطات الإسرائيلية، إفشال الإضراب. ونتيجة موقفه الحازم هذا تعرض للاعتداء الجسدي وجرت محاولة لإحراق منزله.
كرس زيّاد، منذ سنة 1975، معظم وقته لعمله في رئاسة المجلس البلدي لمدينة الناصرة، الذي بقي يشغله حتى وفاته. وأعدّ، قبل رحيله بسنوات قليلة، مشروعاً طموحاً لتطوير المدينة باسم "مشروع الناصرة 2000".
استقال زيّاد من عضوية الكنيست الاسرائيلي في سنة 1990 لكنه عاد، تحت الضغط الجماهيري والحزبي، إلى عضوية الكنيست رئيساً لقائمة "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" في الانتخابات التي جرت في حزيران 1992.
تعرض زيّاد خلال فترة رئاسته بلدية مدينة الناصرة وعضويته في الكنيست الإسرائيلي لمحاولات اغتيال عديدة باءت كلها بالفشل.
توفي توفيق زياد في الخامس من تموز 1994 في حادث سير مروع وهو في طريق عودته من مدينة أريحا بعد مشاركته في استقبال الرئيس ياسر عرفات.
توفيق زيّاد أحد أشجع القادة العرب الفلسطينيين في إسرائيل وأقربهم إلى نفوس الناس، عُرف بدماثة خلقه واستقامته وتواضعه. وهو، إلى هذا، يُعتبر من شعراء المقاومة الفلسطينية البارزين، عكست قصائده انتماءه الحزبي ومواقفه الطبقية والأممية وركّزت على قضايا شعبه الوطنية، وتميّزت بالعُمق والبساطة وسهولة الحفظ، وهو ما سهّل تلحين العديد منها التي تحوّلت إلى أغان غَدت جزءاً من التراث الغنائي الشعبي للمقاومة.
نال توفيق زيّاد في سنة 1990 "وسام القدس للثقافة والفنون والآداب" من منظمة التحرير الفلسطينية. وبادرت زوجته وبعض أصدقائه ورفاقه، بعد رحيله، إلى إنشاء "مؤسسة توفيق زيّاد للثقافة الوطنية والإبداع"، التي تُعنى بجمع إرثه الأدبي. وأنشأت وزارة الثقافة التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، في سنة 1995، جائزة "توفيق زياد الأدبية" تكريماً له.
شارك طيلة السنوات التي عاشها في حياة الفلسطينيين السياسية داخل الأرض المحتلة، وناضل من أجل حقوق شعبه. كان عضواً في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، راكاح، وأصبح عضواً في الكنيست الإسرائيلي لأكثر من دورة انتخابية ممثلاً عن حزب راكاح، كما كان لفترة طويلة وإلى يوم وفاته رئيساً لبلدية الناصرة. إضافة إلى ترجماته من الأدب الروسي وأعمال الشاعر التركي ناظم حكمت، أصدر توفيق زياد عدداً من المجموعات الشعرية من بينها: "أشد على أياديكم (1966)؛ التي تعد علامة بارزة في تاريخ النضال الفلسطيني ضد إسرائيل. تتضمن المجموعة المذكورة عدداً من القصائد التي تدور حول البسالة والمقاومة، وبعض هذه القصائد تحوّلت إلى أغان وأصبحت جزءاً من التراث الحي لأغاني المقاومة الفلسطينية.
لعب توفيق زياد دورًا مهما في إضراب أحداث يوم الأرض الفلسطيني في 30 مارس 1976، حيث تظاهر ألوف من العرب من فلسطيني ال 48 ضد مصادرة الأراضي وتهويد الجليل.
إنا هنا باقون
فليشربوا البحرا
نحرس ظل التين والزيتون
ونزرع الأفكار كالخمير في العجين
نأكل التراب ولا نرحل
هنا لنا ماض وحاضر
هنا على صدوركم باقون كالجدار
ننظف الصحون في الحانات
ونملأ الكؤوس للسادات
ونمسح البلاط في المطابخ السوداء
حتى نسلّ لقمة الصغار
من بين أنيابكم الزرقاء
محاولة اغتياله
لقد ظل زياد مستهدفا من السلطة طيلة حياته، كواحدا من الرموز الأساسية لصمود الشعب الفلسطيني وتصديه لسياسة الحكومة وممارساتها. عدد الاعتداءات التي تعرض لها بيته، حتى وهو عضو كنيست ورئيس بلدية، لا يحصى. وفي كل يوم اضراب عام للجماهير العربية هاجموا بيته بالذات وعاثوا فيه خرابا واعتدوا على من فيه. قصته في يوم الأرض معروفة فعندما حاولت الحكومة افشال اضراب يوم الأرض 30 اذار 1976 الذي قررته لجنة الدفاع عن الاراضي. لكنه اثبت لهم أن القرار قرار الشعب والشعب أعلن الإضراب ونجح وكان شاملاً، فنظمت السلطة اعتداءاتها وقتلت الشباب الستة وجرحت المئات وهاجمت بيت توفيق زياد، "سمعت الضابط باذني وهو يامر رجاله طوقوا البيت واحرقوه" تقول زوجة توفيق زياد.
يا شعبي يا عود الند
يا أغلى من روحي عندي
إنا باقون على العهد
إنا باقون
لن نرضى عذاب الزنزانة
وقيود الظلم وقضبانه
ونقاص الجوع وحرمانه
إلا لنفك وثاق القمر المصلوب
ونعيد إليك الحق الحق المسلوب
ونطول الغد من ليل الأطماع
حتى لا تشرى لا تشرى وتباع
حتى لا يبقى الزورق دون شراع
يا شعبي يا عود الند
يا أغلى من روحي عندي
إنا باقون على العهد
يتكرر الاعتداء في اضراب صبرا وشاتيلا 1982 وفي اضراب سنة 1990 وفي إضراب مجزرة الحرم الإبراهيمي 1994 وفي مرات كثيرة أصيب أفراد عائلته وضيوفه بالجراح جراء الاعتداءات. وكانوا ينفذون الاعتداء وهم يبحثون عن توفيق زياد شخصيًّا. حتى في الاضراب 1994 وتوفيق زياد يقود كتلة الجبهة البرلمانية في الجسم المانع الذي بدونه ما كانت تقوم حكومة رابين، اطلقت الشرطة قنبلة غاز عليه وهو في ساحة الدار. غير أنَّ أبشع الاعتداءات كان في ايار 1977 قبيل انتخابات الكنيست إذ جرت محاولة اغتياله، ونجا منها بأعجوبة حتى اليوم لم تكشف الشرطة عن الفاعلين لكن توفيق زياد عرفهم واجتمع بهم واخبروه عن الخطة وتفاصيلها وكيف نفذوها.
لتوفيق زيّاد العديد من الإعمال الأدبية من أشهرها "أشد على أياديكم" المنشورة عام 1966، وغنا القصيدة مارسيل خليفة, كما قام بترجمة عدد من الأعمال من الأدب الروسي ومن أعمال الشاعر التركي ناظم حكمت..
أُنَادِيكُمْ
أَشدُّ عَلَى أَيَادِيكُم ..
أَبُوسُ الأَرْضَ تَحْتَ نِعَالِكُم
وَأَقُولُ: أَفْدِيكُم
وَأُهْدِيكُم ضِيَا عَيْنِي
وَدِفْءَ القَلْبِ أُعْطِيكُم
فَمَأْسَاتِي التي أَحْيَا
نَصِيبِي مِنْ مَآسِيكُم.
أُنَادِيكُمْ
أَشدُّ عَلَى أَيَادِيكُم ..
أَنَا مَا هُنْتُ في وَطَنِي وَلا صَغَّرْتُ أَكْتَافِي
وَقَفْتُ بِوَجْهِ ظُلاَّمِي
يَتِيمَاً ، عَارِيَاً ، حَافِي
حَمَلْتُ دَمِي عَلَى كَفِّي
وَمَا نَكَّسْتُ أَعْلامِي
وَصُنْتُ العُشْبَ فَوْقَ قُبُورِ أَسْلاَفِي
أُنَادِيكُمْ … أَشدُّ عَلَى أَيَادِيكُم !!
أعماله الشعرية
أشدّ على أياديكم (مطبعة الاتحاد، حيفا، 1966 م).
أدفنوا موتاكم وانهضوا (دار العودة، بيروت، 1969 م).
أغنيات الثورة والغضب (بيروت، 1969 م).
أم درمان المنجل والسيف والنغم (دار العودة، بيروت، 1970 م).
شيوعيون (دار العودة، بيروت، 1970 م).
كلمات مقاتلة (دار الجليل للطباعة والنشر، عكا، 1970 م).
عمان في أيلول (مطبعة الاتحاد، حيفا، 1971 م).
تَهليلة الموت والشهادة (دار العودة، بيروت، 1972 م).
سجناء الحرية وقصائد أخرى ممنوعة (مطبعة الحكيم، الناصرة، 1973 م).
السّكر المُر
بأسناني
سمر في السجن
قصيدة "أي شيء يقتل الإصرار"، غناها جورج قرمز.
قصيدة "صبراً"، غناها جورج قرمز.
أعماله الأخرى
عن الأدب الشعبي / دراسة (دار العودة، بيروت، 1970 م).
نصراوي في الساحة الحمراء / يوميات (مطبعة النهضة، الناصرة، 1972 م.
صور من الأدب الشعبي الفلسطيني / دراسة (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1974 م).
حال الدنيا / حكايات فولكلورية (دار الحرية، الناصرة، 1975 م).