أمد/
عمان: مع استمرار الحرب في غزة وتنامي التوترات في الشرق الأوسط، تتزايد التحديات التي الاقتصادية التي تواجه الأردن، وفي مقدمتها تراجع الدخل السياحي.
ووفق إحصاءات رسمية تراجعت الإيرادات السياحية منذ بداية العام بنحو 6 في المئة، ولكنها لا تكشف الصورة الكاملة، إذ يؤكد عاملون في القطاع أن مبيعاتهم خلال أشهر من 2024 لم تتجاوز 10 في المئة من المبيعات مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان.
تراجع إيرادات قطاع السياحة في المملكة ليس التحدي الوحيد الذي تواجهه السلطات الأردنية، إذ أنها أمام "عملية توازن صعبة" بسبب الحرب في غزة، حيث تتصاعد الاحتجاجات، التي تطالب بمواقف أكثر تشددا تجاه إسرائيل، فيما تحتاج المملكة للحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة.
وتنقل الصحيفة عن مراقبين أن العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني ومستشاريه يسعون إلى التوفيق بين مطالب ملايين الأردنيين، والعلاقات القوية مع الولايات المتحدة، ناهيك محاولات الحفاظ على معاهدة السلام المستمرة منذ عقود.
ومنذ بداية الحرب في غزة، في أكتوبر عام 2023، تخرج تظاهرات بشكل أسبوعي ويومي في بعض الأشهر، والتي تحمل شعارات داعمة للفلسطينيين وتندد بما يحصل في غزة، وكان آخرها مسيرات خرجت يوم الجمعة، في وسط العاصمة، عمّان، رغم حرارة الشمس الحارقة.
تسببت الحرب التي اندلعت إثر هجوم غير مسبوق لحركة حماس داخل إسرائيل في السابع من أكتوبر، بكارثة إنسانية في قطاع غزة مع سقوط عشرات آلاف القتلى.
وعلى مسافة ليست ببعيدة عن وسط البلد، في شارع كان يشهد حركة سياحية يعرف باسم "شارع الرينبو"، لم يعد يستقطب السياح كما كان سابقا، خاصة مع استمرار الحرب.
يسرى قدر (38 عاما)، التي تديرا متجرا في هذا الشارع قالت للصحيفة "إنه أسوأ ما شهدته.. لن يتحسن شيء حتى تتوقف الحرب في غزة".
وتمتعت منطقة الشرق الأوسط قبل الحرب بطفرة في عدد الزوار، إذ سجلت أكبر زيادة بين المناطق العالمية في 2023، وتجاوز عدد زوارها مستويات ما قبل وباء كوفيد 19 بنسبة 20 في المئة، وفقا لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
وقالت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية في أواخر العام الماضي إن لبنان والأردن ومصر، وهي الدول المجاورة بشكل مباشر لإسرائيل وغزة، ستعاني أكثر من غيرها من انخفاض السياحة.
وأشارت إلى أن السياحة تشكل 21 في المئة للإيرادات الخارجية بالنسبة للأردن.
ما يحدث في غزة، يطلق موجة من العاطفة في مختلف أنحاء المملكة، أكان في الفنادق الفارهة، أو حتى في الأحياء الفقيرة على حد سواء، حيث تتنامى مشاعر "الغضب" تجاه الحرب وتبعاتها.
ويوجه أردنيون غاضبون الانتقادات للسلطات الأردنية إذ يرون أنهم لا يفعلون أي شيء للدفع بوقف الحرب والوقوف مع الفلسطينيين، ويتهمونها بحماية إسرائيل، خاصة عندما تم إسقاط طائرات مسيرة وصوراريخ أطلقتها إيران باتجاه إسرائيل في أبريل الماضي فوق الأجواء الأردنية.
وتزعم الصحيفة أنه في "أروقة السلطة في عمّان، تجرى نقاشات حول ما إذا كان ينبغي خفض أو تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، التي لديها قوات في المملكة، وترسل قرابة 1.5 مليار دولار سنويا كمساعدات".
محمد أبو رمان، من معهد السياسة والمجتمع في عمّان قال للصحيفة: "لديك وجهات نظر مختلفة داخل النظام".
من جانبها قالت المحللة السياسية، كاترينا سمور إن "المملكة توازن بين الضغوط المختلفة، لكنها هذا قد لا يكون في صالحه، إذ أن الأردن وضَع نفسه كحكم ووسيط".
ويدين الأردن في التصريحات على لسان مسؤوليه ارتكاب "جرائم الحرب البشعة" في غزة، ويحث المجتمع الدولي على "التحرك بشكل فوري وفاعل، وإلزام إسرائيل بتحمل مسؤولية ممارساتها ومحاسبتها على أفعالها".
ودعمت المملكة قرارات المحكمة الجنائية الدولية في مايو التي طلب مدعيها العام إصدار مذكرات توقيف بحق قادة إسرائيليين، بينهم رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، إضافة إلى قادة من حركة حماس.
تقييد حريات وتحديات اقتصادية
ورغم أن الأردن لا يزال يعتبر دولة ليبرالية نسبيا بالأخص لدى مقارنة المملكة بالعديد من دول المنطقة، يرى العاملون في مجال الإعلام أن "الخطوط الحمُر للنظام" بشأن ما يمكن نشره دون تداعيات قد شُدِّدت "بشكل كبير" منذ بدء الحرب.
وقال آدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش: "هناك مساحة محدودة بشكل متزايد لأي تعبير، ورقابة مشددة على وسائل التواصل الاجتماعي، واعتقال للصحفيين".
وذكرت الغارديان أنه تم اعتقال ما لا يقل عن 1000 متظاهر في عمّان في الشهر الأول من الصراع، خاصة في المظاهرات القريبة من السفارة الإسرائيلية، والتي حاول البعض اقتحامها.
وقال نشطاء للصحيفة البريطانية إنه تم اعتقالهم بعد أن تم التعرف عليهم كمنظّمين أو ألقوا خطابات.
وقال أحدهم لصحيفة الغارديان إنه/ا أمضى/ت أسابيع في السجن في وقت سابق من هذا العام قبل تبرئته/ها من جميع التهم.
وقال الناشط/ة، الذي لم يشارك في الاحتجاجات قبل 7 أكتوبر إن احتمال الاعتقال شبه المؤكد لم يكن رادعا، ولن يكون كذلك في المستقبل.
وأضاف/ت "رأيت الكثير من أصدقائي يُحتجزون، وكانت الاعتقالات وحشية للغاية. كنت أعرف أن وقتي سيأتي. لكن الأردن مهم للغاية في هذا الصراع (في غزة) وما زلت أشعر أنه يتعين علي القيام بشيء ما”.
وقد جلبت الأزمة تحديات اقتصادية، مع انتشار الشكاوى من ارتفاع معدلات التضخم واتساع فجوة التفاوت بشكل مذهل.
وقال رمان: "هناك الكثير من عدم الاستقرار، والشعور بعدم وجود آمال سياسية، ومعدل البطالة بين الشباب مرتفع للغاية".
تزعم الإحصاءات الرسمية أن عائدات السياحة انخفضت بنسبة 6 في المئة فقط حتى الآن هذا العام، لكن الأدلة المتناقلة تشير إلى أن هذا أقل من الحقيقة.
وتقول قدر، التاجرة في شارع الرينبو، إن مبيعات منتجاتها الصحية المصنوعة من الملح والطين من البحر الميت بلغت عُشر ما كانت عليه قبل عام، مما يجعل من الصعب توفير الطعام لأسرتها الممتدة المكونة من سبعة أفراد.
وقالت يوستينا فريد، وهي تاجرة أخرى في شارع الرينبو، إنه في بعض الأيام لم يدخل أحد للنظر إلى السيراميك والأوشحة والجِمال المصغّرة التي تصطف على رفوف متجرها، ناهيك عن شراء أي شيء.
وأضافت الشابة البالغة من العمر 27 عاما لصحيفة الغارديان: "الشيء الوحيد الذي يريده الناس هو الكوفية الفلسطينية"، مضيفة "نحن جميعا نصلي من أجل نهاية الحرب".