أمد/
غزة: تواصل دولة الاحتلال حربها العدوانية على قطاع غزة منذ 284 يوميا، خلفت أكثر من 117 ألفا بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، جراء إغلاق المعابر، ورغم اعتزام المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير جيشها يوآف غالانت، لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية".
ارتفاع حصيلة الشهداء..
أعلنت مصادر طبية، ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على قطاع غزة إلى 38,664 شهيدا، و89,097 مصابا، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وأضافت المصادر ذاتها، أن قوات الاحتلال ارتكبت 3 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، أسفرت عن استشهاد 22 مواطنا، وإصابة 102 آخرين خلال الـ24 ساعة الماضية.
وأشارت إلى أن آلاف الضحايا لا يزالون تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
مجازر متواصلة..
استشهد عدد من المواطنين، مساء يوم الاثنين، في قصف للاحتلال الإسرائيلي على مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة.
وأفادت مصادر محلية بأن عددا من المواطنين استشهدوا وأصيب آخرون، في غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمخيم النصيرات، فيما ذكرت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أن طواقمها نقلت ستة شهداء من المنزل المستهدف.
استشهد سبعة مواطنين، مساء يوم الاثنين، في قصف للاحتلال الإسرائيلي على عدة مناطق في قطاع غزة.
وقال مسعفون في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إنهم تمكنوا من انتشال جثماني الشهيدين كامل أحمد صيام ودرويش شريف صيام، اللذين ارتقيا في قصف إسرائيلي استهدف حي صيام شمال مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وجرى نقلهما إلى مستشفى ناصر في مدينة خان يونس المجاورة.
وأضاف المسعفون أنهم تمكنوا من انتشال 4 شهداء إثر قصف طائرة حربية إسرائيلية شقة سكنية لعائلة سلامة وسط مخيم المغازي وسط قطاع غزة، وجرى نقلهم إلى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح.
وقال مصدر طبي في المستشفى الأهلي العربي "المعمداني"، إن شهيدا وعددا من الجرحى وصلوا المستشفى عقب استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة من المواطنين في شارع النزاز في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
استشهد ثلاثة مواطنين، وأصيب آخرون، يوم الإثنين، في قصف طائرات الاحتلال الحربية استهدف حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
وأفادت مصادر محلية، بأن طائرات الاحتلال الحربية استهدفت مجموعة من المواطنين في شارع المنصورة بحي الشجاعية، ما أدى لاستشهاد ثلاثة مواطنين، وإصابة آخرين.
استشهد وأصيب عشرات المواطنين، يوم الإثنين، في قصف للاحتلال على مختلف مناطق قطاع غزة.
وأفادت مصادر محلية، بأن مدفعية الاحتلال أطلقت عدة قذائف على أحياء تل الهوا، والشيخ عجلين، والصبرة في مدينة غزة، فيما أطلقت الطائرات المروحية النار صوب المواطنين في حي تل الهوا جنوب غرب المدينة.
وقال إن مدفعية الاحتلال قصفت محيط شارع 8 بحي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة.
وأضاف أن مسعفي الهلال الأحمر انتشلوا جثامين 5 شهداء بينهم 3 أطفال جراء استهداف طائرات الاحتلال الحربية، منزلا لعائلة المناعمة في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، بالتزامن مع إطلاق مدفعية الاحتلال قذائفها على منطقة المغراقة وأطراف مخيم النصيرات الشمالية، والمناطق الشرقية لمخيم البريج، إضافة إلى إطلاق نار من مروحيات الاحتلال شمال غرب مدينة الزهراء.
وأشار إلى أن الطيران الحربي المروحي أطلق صاروخا على شقة سكنية في محيط مدراس العودة ببلدة عبسان الكبيرة شرق مدينة خان يونس جنوب القطاع، دون أن يبلغ عن وقوع إصابات.
وفي مدينة رفح، أطلقت مدفعية الاحتلال عدة قذائف على المناطق الغربية من المدينة، بالتزامن مع إطلاق النار من الطيران المروحي.
شهادات مروعة من داخل معتقل "عوفر"
نقل محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين خالد محاجنة، شهادات مروعة عن معتقلين من قطاع غزة، أثناء زيارته لمعتقل "عوفر".
وقال محاجنة في بيان صادر عن هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير، نقلا عن المعتقل (م.ع)، إن بعض المعتقلين في عوفر تعرضوا لعمليات تحرش جنسي بعد تجريدهم من ملابسهم والاعتداء عليهم بالضرب في أماكن حساسة، وهم يعانون حاليا من أوضاع صحية ونفسية صعبة.
وأضاف أن الكلاب البوليسية تهاجم المعتقلين وتنهش أجسادهم وهم مكبلي الأيدي وراء رؤوسهم، إلى جانب تعرضهم لعمليات شبح يرافقها الاعتداء بالضرب.
وأشار إلى أن هناك أكثر من 100 معتقل مرضى وجرحى دون علاج، في ظل اكتظاظ شديد في غرف المعتقل، وهي عبارة عن غرف من الأسمنت تفتقر إلى التهوية ومساحتها لا تزيد عن خمسة أمتار مربعة، وفيها أسرة حديدة بلا فراش ولا أغطية، ويحتجز في كل واحدة منها 25 معتقلا، ينام غالبيتهم على الأرض.
وبين أن المعتقلين يأكلون وهم مقيدي الأيدي، ولكل معتقل وجبة واحدة طوال اليوم وهي عبارة عن 100 غرام خبز، وخيارة أو حبة بندورة وكمية قليلة جدا من اللبن.
وبين أن الحمام مكشوف داخل غرف المعتقل، إضافة إلى وجود كاميرات مراقبة داخل الغرف مسلطة على الحمامات، فيما لا تزال مدة الاستحمام محددة بدقيقة واحدة فقط.
وأشار محاجنة نقلا عن المعتقلين، إلى أن معتقل عوفر يضم عنبرين للتعذيب داخل الغرف ولا يمكن رؤية المعتقلين خلال تعذيبهم، ولكن يسمع صراخهم فقط. ومؤخرا اعتدى جنود الاحتلال على كافة المعتقلين في "عوفر"، ما تسبب بكسر أطراف العديد منهم.
ونقل المحامي محاجنة عن أحد المعتقلين، الذين نقلوا من معسكر "سديه تيمان" إلى "عوفر"، استشهاد أحد المعتقلين المرضى، بعد رفض جنود الاحتلال تقديم العلاج اللازم له.
نتنياهو يكشف مخاوفه من الاغتيال
قال رئيس حكومة دولة الفاشية اليهودية بنيامين نتنياهو، حول محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قال إنه يخشى أن يحدث شيء كهذا في إسرائيل أيضًا: "هناك تحريض على العنف وقتل المسؤولين المنتخبين هنا".
وأضاف في تصريحات للقناة "14" العبرية مساء يوم الإثنين، "يمكن أن يحدث، هناك تحريض على العنف وقتل المسؤولين المنتخبين والوزراء ورئيس الوزراء وأفراد أسرته. إنه على نطاق واسع، وليس على أساس يومي – إنه تقريبًا على أساس كل ساعة، على هذا النطاق، من المستحيل تصديق وجودها: هتافات "خائن"، "قاتل"، "يجب أن تنتهي، مثل تشاوشيسكو"، "مثل موسوليني"، وما إلى ذلك – ليس هناك نهاية إلى أشياء لم نكن نعرفها، على نطاق لم نكن نعرفه. وقال نتنياهو خلال المقابلة التي أجراها مع مراسلنا موتي كاستل: "هذا الأمر غير مقبول".
إنهم يرسلون محققين خاصين ضد ابني. تهديدات بالاغتصاب لزوجتي"
وتطرق نتنياهو أيضا إلى التحريض ضد أفراد عائلته: "هذا ليس موجها ضدي فقط، بل أيضا ضد أفراد عائلتي. ضد بيني، يرسل اليساريون المتطرفون محققين خاصين لنشر موقعه. إنهم يبرؤون الأمر في وسائل الإعلام ثم تأتي حماس وتقول: نحن نعرف مكانك، وسوف نقتلك".
وتحدث عن التهديدات التي تلقتها زوجته سارة: "هناك أيضًا تهديدات بالعنف، وتهديدات بالاغتصاب، وتهديدات أخرى وافتراء ضد زوجتي. زوجتي، التي تعمل على مدار الساعة، تلتقي كل يوم تقريبًا بعائلات ثكلى، وتلتقي بعائلات المختطفين من الكيبوتس والمدينة والقرية – وهم يشتمونها لأنها لم تفعل ذلك – ويهددونها.
وقال نتنياهو ردا على سؤال لماذا لا يقيلون أمين المظالم غالي بيهاريف ميارا: "نتوقع أن يكون أمين المظالم هو المستشار القانوني للحكومة وليس ضد الحكومة. نتوقع منها، والمدعي العام للدولة، ووكالات إنفاذ القانون الأخرى أن يخرجوا ويتحركوا ضد هذه الجرائم الجنائية التي تعرضنا لخطر القتل السياسي.
حرام تطبيع القتل السياسي. وينبغي عليهما أن يتحدثا ضدها وأن يتصرفا ضدها. ولم يفعلوا ذلك حتى الآن، ولم يفعلوا شيئًا تقريبًا.
البقاء في محور فيلادلفيا واغتيال الضيف
وحول الحرب العدوانية في قطاع غزة، قال نتنياهو، أن الجيش (الإسرائيلي) احتل معبر رفح ومحور فيلادلفيا، وأن موقفه الحازم يدفع حماس إلى المرونة.
وأضاف: "علينا زيادة الضغط وكلما ازداد سنحصل على صفقة تحرر أكبر عدد ممكن من المختطفين.
وأشار إلى، إن هناك دلالات مهمة على أن عملية اغتيال قائد "كتائب القسام" محمد الضيف نجحت ولكن لن أقول شيئا مؤكدا حتى نحصل على المزيد من المعلومات.
وصرح نتنياهو، بأن حماس ضعيفة كلما ضربتها أكثر تقدمت الصفقة، مشيرا إلى أن محمد الضيف وبعد أشهر من اعتقاده أنه آمن اكتشف أنه ليس كذلك.
وشدد على أن إسرائيل ستبقى في محور فيلادلفيا على الرغم من معارضة وزير الجيش يوآف غالانت لذلك، مؤكدا أن البقاء "له مزايا سياسية ومزايا أمنية".
السفير الأمريكي
من جهته، قال السفير الأمريكي لدى إسرائيل جاك لوي مساء الاثنين، خلال لقاء مع الجالية اليهودية إنه "لا يستطيع تأكيد" ما إذا كان محمد الضيف رئيس الجناح العسكري لحركة حماس قد قتل بالفعل في الغارة الإسرائيلية في خان يونس يوم السبت لكن "هناك مؤشرات على أن الهدف قد تحقق".
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن يوم السبت أن محمد الضيف قائد الجناح العسكري لحركة "حماس" ورافع سلامة قائد "لواء خان يونس" للحركة، كانا هدفا للغارة الجوية التي تم شنها على مواصي خان يونس وأدت إلى مقتل وإصابة المئات.
حماس: نتنياهو يعطل المفاوضات
أعلن عضو القيادة السياسية لحركة حماس في لبنان، أيمن شنّاعة، عزم الحركة على الاستمرار في المفاوضات بغية التوصل إلى وقف كامل ونهائي لإطلاق النار في غزة وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.
وأكد شنّاعة، في حديث لإذاعة "سبوتنيك"، أنّ "نسف المفاوضات بين حماس وإسرائيل يصب في مصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش المتطرفيْن".
وذكّر شنّاعة بأنّ "الحركة أبدت مرونة عالية جدا في التعاطي مع الأوراق التي كانت تقدم لها عبر الوسطاء المصريين والقطريين من أجل وقف الحرب، إلا أن نتنياهو كان يعيق سير المفاوضات بشخصه ويدلي بتصريحات تصعيدية بين الحينة والأخرى".
وقال: "الجميع أصبح يعلم أن نتنياهو ينسف المفاوضات لمصلحته الشخصية، حفاظا على وجوده السياسي ومنعا من محاكمته في المحاكم الإسرائيلية".
وبيّن شنّاعة أنّ "نتنياهو يرغب في الإبقاء على المنطقة العازلة في شمال غزة ومنع دخول أي مسلحين إلى تلك المنطقة بهدف تفتيش المدنيين العائدين إليها"، مؤكّدا أنّه "أمر لا يمكن القبول به"، ومشددا على أنّ "الحركة ترفضه منذ اليوم الأول للحرب".
وأكد شنّاعة أنّ "اليوم التالي للحرب في غزة هو يوم فلسطيني بامتياز، وأن حماس لن تقبل بتدخل أمريكي – إسرائيلي لإدارة القطاع"، مضيفًا أنه "لا يحق لأي جهة غير فلسطينية التدخل في الشؤون الداخلية لفلسطين".
وأشاد "بالدور الذي تلعبه الفصائل الفلسطينية في غزة والإنجازات التي تحققها من مقاومة وثبات"، وقال إنّ "الفلسطينيين سيحكمون غزة والضفة الغربية".
ولفت شنّاعة إلى أنّ "الحركة لا تريد الدخول في سجالات مع السلطة الفلسطينية أو أي طرف فلسطيني يتعارض مع رأيها"، مشدّدا على أنّ "المعركة الآن مع إسرائيل وأن ما بعد حرب غزة تستطيع الفصائل التفاهم عليه في ما بينها لحكم القطاع والضفة".
سي إن إن: خوف من "حرب أهلية ما بعد الحرب العسكرية" في قطاع غزة
قالت أروى دامون، رئيسة ومؤسسة مشاركة للمنظمة غير الربحية الشبكة الدولية للمساعدات والإغاثة والمساعدة (INARA)، في مقال لها على شبكة "سي إن إن CNN"، أثناء المهام الإنسانية السابقة في غزة، دخل عمال الإغاثة مثلي عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، حيث استقبلنا بحر من الخراب البشري، وتدفقت الخيام الفائضة من المدارس التي تؤوي النازحين وغطت الأرصفة. وشقت حفنة من المركبات والعربات التي تجرها الحمير طريقها وسط ازدحام مروري بشري. تم طمس الناس نفسيًا، أحياء ولكنهم ماتوا بطريقة ما.
وتضيف، لقد اختفت الآن تلك المشاهد المروعة في رفح، كما رأيت الشهر الماضي عندما عدت إلى غزة في مهمة إنسانية أخرى مع مؤسستي إنارة الخيرية بعد غياب لمدة شهرين. لقد أدى التوغل الإسرائيلي في رفح إلى تهجير أكثر من مليون شخص قسراً إلى الجزء الأوسط من القطاع، حيث استولوا على قطعة أرض بائسة أخرى نصبوا عليها خيامهم.
وقدمت المسؤولة الأممية صورة حول ما يكون وخيارات المستقبل لقطاع غزة، جاء فيه:
خلال المهمات الإنسانية السابقة في غزة، دخل عمال الإغاثة مثلي إلى القطاع عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، حيث استقبلنا بحر من الخراب الإنساني، وقد تدفقت الخيام من المدارس التي تؤوي النازحين وغطت الأرصفة، كما شقت حفنة من المركبات والعربات التي تجرها الحمير طريقها ببطء وسط حشود بشرية كثيفة، فقد أصيب الناس بالذهول النفسي، فقد كانوا على قيد الحياة ولكنهم ماتوا بطريقة ما.
وقد اختفت الآن كل تلك المشاهد المروعة في رفح، كما رأيت الشهر الماضي عندما عدت إلى غزة في مهمة إنسانية أخرى مع مؤسستي الخيرية "إنارا"، بعد غياب دام شهرين، وقد أدى التوغل الإسرائيلي في رفح إلى نزوح أكثر من مليون إنسان قسراً إلى الجزء الأوسط من القطاع، حيث استولوا على قطعة أرض بائسة أخرى أقاموا عليها خيامهم.
ولجعل الوضع السيئ الذي لا يوصف أسوأ، أدى إغلاق معبر رفح إلى إعاقة العمليات الإنسانية بشكل أكبر، حيث أغلق الطريق الوحيد لإجلاء المرضى والمخرج الوحيد لسكان غزة، والآن يحتاج عمال الإغاثة مثلي إلى أن يتم نقلهم في قافلة مدرعة عند معبر الحدود الجنوبي مع إسرائيل، والمعروف باسم كرم أبو سالم أو كرم أبو سالم.
الألم والخوف واليأس والخسارة
ووفقا لشهادة مؤسسة المنظمة الدولية للإغاثة، فإن غزة لا تشبه أي شيء رأتها من قبل، فقد كانت في مناطق حرب كافية على مدى السنوات السبع عشرة الماضية لأدرك أن المزيج المتفجر من الألم والخوف والغضب واليأس والخسارة على نطاق واسع الذي عانى منه قطاع غزة وشعبه ــ إلى جانب انعدام القانون المتزايد ــ من شأنه أن يضمن تدهور الأمور إلى حالة من الفوضى المدنية .
"لقد بدأ اليأس والخوف المستمرين في تآكل القواعد الأخلاقية التي تحافظ على تماسك المجتمع، وبدون سيادة القانون، وبدون قوة حفظ السلام، وبدون المساعدات الإنسانية، سوف تشتعل غزة وتنزلق إلى الفوضى الأهلية، وغزة غير المستقرة وغير الصالحة للسكن لا تخدم إلا الأهداف الظاهرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة لتجنب أي محاولات حسن نية لإحلال السلام الدائم بينما يتعدى الإسرائيليون على المزيد من الأراضي الفلسطينية.
ومن خلال نظام اتصال لاسلكي، يحذرنا الصوت القادم من السيارة الرئيسية في موكبنا من "وجود كثيف للناس" على طول طريقنا وانخفاض الرؤية بسبب الغبار، ويحثنا على "إبقاء الأبواب مغلقة"، إنها علامة مشؤومة على ما قد يأتي في المستقبل في هذه الأرض التي تعرضت بالفعل لضربات وحشية.
فتزايد أعمال النهب والأنشطة الإجرامية وانعدام القانون في غزة يجعل الناس يخشون ما يطلقون عليه "الحرب القادمة"، وهي حرب أهلية، فعندما ينتهي الهجوم الإسرائيلي، والانهيار الأمني الشامل وانعدام القانون من شأنه أن تتفجر الخلافات الداخلية، أو يكون البديل خلق فرصة أكبر لحماس للعودة إلى السلطة، وكأن تل أبيب تدعم استمرار حكمها مع حجم التدير والإبادة داخل القطاع.
رغبة في الاستقرار
ويخشى بعض سكان غزة، الذين لديهم شغف قوي بالاستقرار بعد تسعة أشهر من الأعمال العدائية، من أن الإقطاعيات الصغيرة التي بدأت تتشكل وعدم الاستقرار المصاحب لها من شأنهما أن يفسحا المجال لحماس أو نسختها التالية كضمان وحيد للأمن والاستقرار داخل غزة المدمرة، فلا يوجد سوى طريق واحد تسمح إسرائيل للمنظمات الإنسانية باستخدامه من معبر خان يونس للتقدم إلى عمق غزة، ويستخدم هذا الطريق الشاحنات التجارية وشاحنات المساعدات، فضلاً عن القوافل مثل القوافل التي أستقلها، والتي تنقل عمال الإغاثة.
وعلى هذا الطريق هناك جزء من الطريق نحصل على "الضوء الأخضر" من إسرائيل للسير عليه، فقد أصبح هذا الجزء المهجور من الطريق ملاذاً للعصابات واللصوص، يبدو المشهد وكأنه مشهد من فيلم زومبي مروع، ويبدو أن الأسفلت قد تم مضغه ثم بصقه مرة أخرى، فما تبقى من المباني لم يكن أكثر من جثث، وكل شيء رمادي اللون وأسود محترق، فأرفع رقبتي محاولاً استيعاب المشهد، لكن الأمر مستحيل.
فقد كانت هناك مجموعات من الرجال يتسكعون على طول الطريق، بعضهم يحمل الهراوات، وبعضهم يحمل السواطير، إنهم ينتظرون لشن هجوم على شاحنات المساعدات، ولكنهم يبتسمون ويلوحون لسيارات الجيب التي تحمل علامة الأمم المتحدة والتي لا تغرينا كثيراً، وقد شاهدت مراهقين يحفران الأرض القذرة لجمع بقايا كيس منفجر من نوع ما من الحبوب، وهذه في الواقع "أرض لا أحد" في "منطقة حمراء" محددة، وهذا أكثر تنظيماً وإجراماً وشراً مما تجده عندما يتجمع الناس الجائعون فقط حول شاحنة المساعدات.
سوق سوداء مزدهرة للسجائر
ويتحدث المقال عن بعض العصابات التي تدفع نفسها إلى النهب من أجل تلبية احتياجاتها الخاصة؛ في حين تحاول عصابات أخرى بيع كل ما تستطيع الحصول عليه في السوق، ولكن الجماعات الأكثر ذكاءً وتهديداً هي شبكات تهريب السجائر المختلفة، فمنذ السابع من أكتوبر، لم تعد السجائر تدخل غزة باعتبارها بضائع تجارية ـ ولم يتم تقديم أي سبب لذلك، ولكن هذا ليس مفاجئاً على الإطلاق، نظراً لقائمة طويلة ومتنامية من السلع التي تفرض إسرائيل قيوداً تعسفية عليها، وفي رحلتي إلى غزة في إبريل، مازحني أحد المدخنين المتحمسين قائلاً: "إنهم يعرفون أنهم قادرون على تدميرنا من خلال حرماننا من النيكوتين".
وفي ذلك الوقت، كان سعر السيجارة الواحدة نحو 10 دولارات، أما الآن، فقد أصبح يتراوح بين 17 و25 دولاراً، حسب العلامة التجارية، وإذا قمت بتهريب خمسة صناديق فقط من السجائر في شاحنة، فإنك ستحصل على راتب ضخم يصل إلى 20 ألف دولار، وفي بعض الأحيان، تتحول شاحنات المساعدات إلى بغال غير مقصودة لمهربي السجائر، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي تجعلها مستهدفة.
ومشاهدة كل هذا عن كثب أمر صادم، ولكنه ليس مفاجئاً على الإطلاق، ففي وقت سابق من هذا العام كانت هناك محاولة لاستخدام قوات الشرطة في غزة لتأمين المساعدات والقوافل، وخاصة تلك التي تغادر كانساس، ولكن بعد تعرضها لهجمات إسرائيلية متكررة انسحبت، وقد أدى اليأس والافتقار إلى المساعدات الكافية والافتقار إلى الأمن إلى زيادة النشاط الإجرامي، كما اعترف السفير ديفيد ساترفيلد، المبعوث الخاص لوزارة الخارجية للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط، منذ فترة طويلة في فبراير في مقابلة مع مؤسسة كارنيغي.
ومنذ البداية، تخلت إسرائيل عن مسؤوليتها عن ضمان أمن قوافل المساعدات وموظفيها. وتنشر الوكالة العسكرية الإسرائيلية لتنسيق أنشطة الحكومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة باستمرار تحديثات حول عدد شاحنات المساعدات التي تدخل غزة وتلقي باللوم على منظمات الإغاثة بسبب "فشلها في التوزيع ".
والمفارقة المحزنة هنا هي أن منظمات الإغاثة تفشل في توزيع المساعدات، فنحن ببساطة لا نستطيع أن نأخذ المساعدات بأمان من معبر الحدود دون أن نواجه سلسلة من القنابل الإسرائيلية التي تسقط من السماء، واللصوص والعصابات الإجرامية على الطرق الوحيدة التي يُسمح لنا باستخدامها لجمع المساعدات، ولا تسمح لنا إسرائيل باستخدام طرق بديلة، بل إننا لا نملك حتى الإذن بإدخال المعدات اللازمة لإصلاح الشاحنات التي بالكاد تقطع مسافات طويلة، وتؤدي هذه العملية المتعثرة إلى تعقيد الوضع الأمني الصعب بالفعل.
إرساء الأساس للحرب الداخلية
ونمر بمساحة شاسعة من الخراب: هياكل من بيوت الناس التي كانت قائمة بالكاد، أشاهد أطفالاً يبحثون بين الأنقاض، تلتقط عيني بريقاً لامعاً لقطعة قماش خضراء مزينة بالترتر، ثم قطعة قماش أرجوانية. هل كان ذلك متجراً لبيع الفساتين؟ أم بقايا خزانة ملابس شخص ما؟ يركض الأطفال أمام مجاري الصرف الصحي المفتوحة وهم حفاة، ويحمل آخرون جرار ماء ثقيلة مثلهم تقريباً، وفي المسافة يمكنك سماع رشقات نارية متقطعة في أحياء بعيدة عن أي نوع من خطوط المواجهة.
"لا تقلقوا، إنها مجرد نزاعات قبلية، ولكن من الأفضل أن ننزل إلى الداخل"، هكذا قال أحد الرجال الذين ينصبون الألواح الشمسية في ملجأ تدعمه منظمة إنارا، وهو يصحبنا إلى خارج السطح في إحدى الأمسيات، تلاقت أعيننا، وأستطيع أن أرى خوفه، إنه خوف رأيته وسمعته يعبر عنه مرات عديدة خلال هذه الرحلة إلى غزة، إنه خوف من "الحرب بعد الحرب"، حيث يعتقد البعض أنها بدأت بالفعل، "نحن خائفون مما سيأتي بعد ذلك"، كما قال وهو يهز كتفيه.
وغزة ليست غريبة على الديناميكية العائلية القبلية والعصابات، وكما أوضحت لي إحدى صديقاتي من غزة: "لقد نجحت حماس في السيطرة على كل الصراعات القبلية العائلية والعصابات الإجرامية، وكان هذا أحد الأسباب التي جعلتها تحظى بشعبية كبيرة في البداية، والآن يعاد خلق كل هذا في ظل الفوضى، والمهربين، والمافيا التي بدأت تظهر".
الدفاع المدني الفلسطيني: "نعاني صعوبات كبيرة
قال محمود بصل، متحدث الدفاع المدني الفلسطيني يوم الاثنين، إن الاحتلال الإسرائيلي دمر أكثر من 80% من مقدرات قطاع غزة.
وأضاف "بصل" في تصريحات لقناة "القاهرة الإخبارية"، أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل استهداف تجمعات الفلسطينيين ما يؤثر على قدرات الدفاع المدني في البحث عن الجثامين.
وتابع: "نعاني صعوبات كبيرة في الوصول إلى بعض مناطق غزة لانتشار الاحتلال الإسرائيلي بها".
وأشار إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يرفض تواصل الدفاع المدني مع الصليب الأحمر لإنقاذ المدنيين بغزة، كما يمنع الاحتلال الطواقم الإنسانية من مواصلة أداء مهامها في القطاع، ما يزيد أعداد الشهداء والمصابين.
وأوضح أن هناك حالة من عدم الاستقرار في ظل تهديد الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين بالمخيمات ومراكز الإيواء بغزة، مضيفًا أن مجزرة مواصي خان يونس تؤكد أن الاحتلال يواصل استهداف مراكز الإيواء ومخيمات النازحين.
وواصل: "كل مناطق قطاع غزة مهددة بالقصف الإسرائيلي، والاحتلال يتعمد استهداف طواقم الإغاثة والعاملين في المجال الإنساني بغزة".