أمد/
كتب مارك توين أن “التاريخ لا يعيد نفسه لكنه يتناغم في كثير من الأحيان”. إن أي شخص يراقب التفكك الحالي على الساحة الإسرائيلية الفلسطينية سوف يفهم المعنى المأساوي الذي تحدث عنه توين. قد يكون اتساع الأزمة الحالية في غزة وحجمها، لا الأزمة نفسها أو السياق أو حتى اللاعبين هما المميزين، فما سيأتي بعد ذلك سيحدد ما إذا كنا نشهد “ما حدث من قبل مرة أخرى”، على حد التعبير الحكيم الذي جاء على لسان يوغي بيرا، أو شيئًا مختلفًا تمامًا للأفضل أو للأسوأ.
قبل اثنين وعشرين عامًا وبينما كانت الانتفاضة الثانية في ذروتها وكان ياسر عرفات تحت الحصار في مجمعه في رام الله، دعا الرئيس بوش “الشعب الفلسطيني إلى انتخاب قادة جدد، قادة لا يتأثرون بالإرهاب… من أجل بناء ديمقراطية حقيقية”. وبعد أكثر من عامين بقليل، مات عرفات، وفي غضون أشهر ذهب الفلسطينيون إلى صناديق الاقتراع وانتخبوا محمود عباس (أبو مازن) رئيسًا للسلطة الفلسطينية، في انتخابات وصفها بوش بأنها “تقدير لقوة الديمقراطية وجاذبيتها.”
وبعد مرور عام، ذهب الفلسطينيون إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى وهذه المرة لانتخاب المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد ونتيجة لهذه الانتخابات الأخيرة سار الحال إلى ما هو عليه حاليًا في غزة، أو بتعبير أدق، كان فشل ما حدث من قبل ــ عدم تحقيق تطلعات الديمقراطية الفلسطينية والحكم الرشيد ــ هو الذي أدى إلى انتصار حماس في عام 2006، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى انقسام السلطة الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة في العام التالي.
وبعد مرور 18 عامًا، يدعو البيت الأبيض مرة أخرى إلى الإصلاح السياسي الفلسطيني، وإن لم يكن بالضرورة الدعوة إلى الانتخابات أو الديمقراطية. ووفقًا لمتحدث رئاسي، فإن “إعادة تنشيط السلطة الفلسطينية يعتبر أمرًا ضروريًا لتحقيق نتائج للشعب الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وغزة”. ومن الواضح أن رؤية السلطة الفلسطينية الديمقراطية قد ذهبت إلى نفس الطريق الذي سلكته أجندة الحرية التي تبناها الرئيس بوش ـ أي إلى مزبلة التاريخ. وبدلًا من هذه النسخة من السلطة الفلسطينية، تسعى الإدارة بشدة إلى وجود حكومة “معاد إصلاحها” أو “مُعاد تنشيطها” من أجل إيجاد مخرج من أزمة غزة، أما الكيفية التي من المفترض أن يتحقق بها هذا على وجه التحديد ـ الإصلاح أو التنشيط ـ فليست واضحة تمامًا وربما يمكن تمني وجودها.
يبدو أن المفارقة تغيب عن إدارة بايدن، وهي أن أبو مازن قد صمد بعد بوش وأوباما وترامب، وهو الآن في العام التاسع عشر من ولايته التي كان من المفترض أن تمتد لأربع سنوات. لا بد وأن الفلسطينيين ينظرون إلى رغبة الولايات المتحدة في أن تقوم السلطة الفلسطينية بإصلاح نفسها على أنها نكتة لاذعة بعد ما يقرب من عقدين من إهمال المجتمع الدولي لحالة الشؤون الداخلية للسلطة الفلسطينية. لذلك ليس من المستغرب، بحسب استطلاع حديث أجراه مركز العالم العربي للبحوث والتنمية (أوراد) في الضفة الغربية وغزة، أن تبلغ الثقة في السلطة الفلسطينية للإشراف على جهود الإنعاش في غزة 9%، في حين يثق 14% فقط بقدرتها على قيادة الحكم ما بعد الحرب.
ماذا يريد الفلسطينيون إذن؟ حسنًا، وفقًا للاستطلاع الذي أجراه مركز أوراد، فإن 84% يريدون إجراء انتخابات رئاسية بعد الحرب، وعندما سُئل المستطلعون عن تفضيلهم، لم تكن آراؤهم لصالح شاغلي المناصب. لا يمكن أن يكون هذا مريحًا لصانعي السياسة في 1600 شارع بنسلفانيا أو فوجي بوتوم. وإذا كانت السلطة الفلسطينية، في هيئتها الحالية، غير قادرة على الاعتماد على دعم مواطنيها، فكيف يتصور أي شخص أنها قادرة على تحقيق التعافي والحكم، ناهيك عن تلبية المتطلبات الأمنية الإسرائيلية والفلسطينية، في مرحلة ما بعد غزة؟ أليس هذا هو ما أوصلنا إلى هذه النقطة في المقام الأول؟
مع ذلك، لا يعتبر الاستطلاع الذي أجراه أوراد خبرًا غير مرحب به بالنسبة للبيت الأبيض، فوفقًا لنتائج الاستطلاع، انخفض الدعم لكل من حماس والهجوم الذي شنته في 7 أكتوبر 2023 في غزة، بينما زاد في المقابل التأييد للمفاوضات وحل الدولتين. إلى جانب تفضيل الإشراف الدولي على المساعدات الإنسانية وجهود الإنعاش، وحكم يقوده الفلسطينيون وليس حماس ولا السلطة الفلسطينية، قد تكون هناك فرصة للتوصل إلى نتيجة لا تكرر نفسها ولا تتطابق، بحسب توين. وحتى لا يضيع البيت الأبيض هذه الفرصة، فمن الأفضل أن يتجنب المسارات البالية ولكن الفاشلة. إن الاستماع إلى الشعب الفلسطيني على طول الطريق، بدلًا من النظر إلى قيادة غير خاضعة للمساءلة ولا تحظى بالشعبية، قد يكون نقطة انطلاق جيدة.
* أوين كيربي : المدير الإقليمي لشمال أفريقيا والشرق الأوسط للمعهد الجمهوري الدولي ( IRI ) , وما ورد في هذا المقال يمثل رأيه الخاص .
عن مودرن بوليسي