أمد/
لم يعد تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية صراعا سياسيا، يتناول تأمين وصول رئيس موعود، ينتمي لخيار سياسي ينحاز لمحور طهران اقليميا، ولاجندة ثنائي حزب الله وامل السياسية داخليا، بل ان هذا التعطيل اصبح سياسة مقصودة ومنشودة، وخيارا اكثر شمولية، بحيث تمكن من خلاله، الثنائي المذهبي الذي فقد الاكثرية النيابية اولاً بسبب نتائج الانتخابات النيابية، وثانيا بسبب انفراط تحالفه مع التيار العوني، من إدارة السلطة والتحكم بالمصير الللبناني، وكل القرارات والخيارات الاستراتيجية في السلطة والوطن.
الفراغُ الرئاسيُ اصبحَ خطوة خطوة، اداةً للهيمنة وللحكم من خارج المؤسسات والدستور والقانون…
فبواسطة التعطيل الاول؛ الذي تمثل بمنع التئام مجلس النواب في جلسة مفتوحة بدورات اقتراع متتالية كما ينص الدستور، تم التعطيل الثاني وهو عدم تشكيل حكومة تناط بها السلطة الاجرائية بكافة ميادينها، ومن خلال التعطيل الثاني تم التعطيل الثالث وهو عدم القيام بتعيينات قضائية في محاكم التمييز وإهمال إعادة تفعيل مجلس القضاء الأعلى، ليستَتِبَّ ميزانُ العدالة وتُستَوفَى شروطُ المساءلة والمحاسبة الجنائية والمالية والقانونية…
وبالتالي جرى تجميدُ وتخريبُ التحقيقِ في اكبرِ انفجار تقليدي في التاريخ، طال مرفأ بيروت، ونجحت المنظومة المالية والسياسية المصرفية في الافلات من العقاب والمساءلة، حول أكبرِ عمليةِ سطوٍ جرت في التاريخ الحديث، لأموالِ شعبٍ بأكمله ولودائعَ ماليةٍ مصرفيةٍ، لثلاثة اجيالٍ من اللبنانيين والعرب والتي وصلت مبالغها الى مائة وعشرين مليار $ اميركي.
وانطلاقا من نفس التعطيل غابت التعيينات الضرورية في مصرف لبنان، وفي قيادات الجيش والأجهزة الأمنية كافة، واصبحت هياكلَ الدولةِ ومؤسساتِها معلقةً ومؤقته، وتمارس المياومة السياسية والإدارية، وتتلقى أوامرها من مرجعياتها الطائفية، او من جهات لا صفة شرعية لها، ولا صلاحيات قانونية لتعليماتها… وامتد التعطيل الى عجز عن إدارةِ مرافق الدولة ومؤسساتها، وغيابِ الخدمات العامة الأساسية؛ في الصحة والتعليم والأمن والاتصالات والبريد والكهرباء والنقل والرعاية الاجتماعية وغير ذلك.
بوضوح واستعلاء تم تعطيل السلطة الإجرائية وجرى شل السلطة القضائية، وفُرِضَتْ الهيمنةُ على السلطات النقدية والمالية، وامسكوا بقرار السلطات العسكرية والأمنية…
وبدل ان تبادر الحكومة واصحاب السلطة لمواجهة ازمة الانهيار المالي والمصرفي والنقدي، بخطة للتعافي الاقتصادي واعادة هيكلة القطاع المصرفي، والى معالجة الخلل في المالية العامة وخزينة الدولة، قامت بإجراء فريد لم يسبق بتاريخ الدول ان لجأت سلطة اليه قبلها، وهو اعلان انحلال السلطة ومؤسسات الدولة، وتعطيل اية فرصة لاعادة تكوينها، او استعادة انتظامها الاداري والقانوني والدستوري.
هكذا يتمُ حكمُ لبنانَ من سلطةٍ أعلنت انحلالَ عقدِها، ومن فريق لا يتمتع باي شرعية دستورية، ولا يلتزم بأية قواعدَ قانونية، ولا يراعي اية صلاحياتٍ تُحدِّدُ نطاق مهماتِه وحدودَ مسؤولياتِه.
فعلاقات لبنان الخارجية يتولى ادارتها رئيس السلطة التشريعية، ودون ان يتعب نفسه ولو شكلا باعلام وزير الخارجية في الحكومة ورئيسها بمضمون مفاوضاته ورسائله المتبادلة مع دول العالم.
ورئيس المجلس النيابي الذي يستولي على صلاحيات رئيس الجمهورية في المفاوضات الدولية، ويمد صلاحياته ليحل مكان الحكومة ووزير خارجيتها وماليتها، يمتنعُ عن ممارسة اوجبَ صلاحيةٍ له؛ وهي الدعوة لجلسة نيابية لانتخاب رئيس للجمهورية وبدورات اقتراع متتالية…
اما مسألة الدفاع الوطني وحماية حدود الدولة اللبنانية، فقرارها في طهران، فتُعلَنُ الحربُ انطلاقا من لبنان، على لسان وزير خارجية ايران او الناطق باسم فيلق حرسها الثوري السيد نصرالله.
فيما تأتي بعثات اجهزة الأمن الاوروبية لا لتنسق أو تتباحث مع اجهزة الأمن اللبنانية، بل مع جهاز امن حزب الله.
التعطيل المتدحرج يفكك الدولة والادارة والمؤسسات والمرافق والخدمات مترا متر، وشبرا شبرا، فيغدو الوطن ساحة مستباحة، والدولة حطاما متناثرا، والقانون نصا مهملا في عالم الإهمال والنسيان.
عن جنوبية