أمد/
يصادف اليوم، ذكرى ميلاد القائد الوطني والقومي والأممي، مؤسّس حركة القوميين العرب، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، “الحكيم” جورج حبش .
– ولد في مدينة اللد الفلسطينية يوم 1/8/1926 لعائلة مسيحية أرثوذكسية ميسورة.
– أنهى دراسته للمرحلتين الابتدائية والثانوية في يافا و القدس ، ثم التحق سنة 1944 بكلية الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت، تخرج فيها طبيبًا سنة 1951، وفي أثناء دراسته كان من البارزين في المجال السياسي الذين عملوا من خلال جمعية “العروة الوثقى” في الجامعة، ومن خلال “هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل”.
– من ناشطي “جمعية العروة الوثقى” في الجامعة الأمريكية في بيروت التي كان الدكتور قسطنطين زريق محركها الأساسي، ثم شارك في تأسيس “منظمة الشباب العربي” التي نشأت سنة 1951 ثم أصدرت نشرة “الثأر”، وعقدت هذه المنظمة أول مؤتمر لها سنة 1954 برئاسة جورج حبش وانبثق عنها “حركة القوميين العرب”، وكان أبرز أعضاء الحركة وديع حداد وهاني الهندي وأحمد اليماني وأحمد الخطيب وصالح شبل وحمد الفرحان وحامد الجبوري.
– ترشح للانتخابات النيابية في الأردن في آب 1956.
– منعت حركة القوميين العرب في الأردن سنة 1957 فاضطر إلى التخفي والعيش في السر، وفي سنة 1958 ذهب إلى دمشق.
– تزوّج في دمشق في أوائل سنة 1961، وبقي فيها طوال فترة الوحدة، وكانت حركة القوميين العرب في هذه الأثناء قد أيدت بقوة الرئيس جمال عبد الناصر، وتولى أحد مؤسسيها (هاني الهندي) إحدى الوزارات في عهد الوحدة.
– على اثر هزيمة حزيران 1967، قام مع مجموعة من رفاقه في حركة القوميين العرب بتأسيس “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” التي تم الإعلان عن تأسيسها رسميًا يوم 11/12/1967، ومنذ ذلك التاريخ لم تنقطع الجبهة عن منطلقاتها القومية برؤية ماركسية، حرص الحكيم على صيرورتها وتطورها كتوجه ومنهج عمل رئيسي للجبهة الشعبية.
– أعلن انتماءه وانتماء الجبهة الشعبية إلى الفكر الماركسي – ال لينين ي وذلك بعد هزيمة حزيران 1967.
– استمرت علاقته بالرئيس جمال عبد الناصر وثيقة جدًا لكنها بدأت بالفتور في تموز 1970 عندما وافق الرئيس عبد الناصر على مشروع روجرز.
– عام 1970 اندلعت مواجهات عرفت بـ “أيلول الأسود” بين الثورة والمقاومة من جهة والنظام الأردني من جهة ثانية أسفرت عن إخراج قوات الفدائيين من عمان والأحراش فيما بعد.
– جاء إلى لبنان سنة 1971 بعد انتقال قوات الثورة الفلسطينية إلى الجنوب ومخيمات بيروت.
– أعلن في 14/3/1972 التوقف عن إستراتيجية خطف الطائرات.
– أعلن انسحاب الجبهة الشعبية من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في أيلول 1974 احتجاجًا على الاتجاه السياسي الجديد للمنظمة والذي عرف ببرنامج النقاط العشر الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني العاشر.
– كان له إسهام بارز في تأسيس “حزب العمل الاشتراكي العربي” في لبنان وبلدان عربية أخرى.
– حاولت إسرائيل اعتقاله وقتله أكثر من مرة وكان أبرزها محاولة اختطاف إحدى الطائرات فور إقلاعها من مطار بيروت متجهة إلى بغداد لاعتقادها انه كان بين الركاب وجرت الحادثة في 10/8/1973.
– غادر بيروت في آب 1982 مع القوات الفلسطينية وأقام منذ ذلك الحين في دمشق.
– كان له شأن في تأسيس جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني المؤلفة من المنظمات المعارضة لقيادة م.ت.ف والتي اتخذت دمشق مقرًا لها.
– عارض اتفاق عمّان بين م .ت.ف و الأردن الذي وقع في شباط 1986 ودعا إلى إلغائه.
– أصيب بجلطة دماغية في تونس في 17/1/1992 نقل على أثرها إلى أحد مستشفيات باريس، وأثار نقله أزمة سياسية داخلية في فرنسا استقال في أعقابها ثلاثة مسئولين.
– استقال من الأمانة العامة للجبهة الشعبية في أيلول عام 2000 أثناء عقد المؤتمر العام السادس للجبهة.
– أسس “مركز الغد العربي” في دمشق سنة 2002.
– عاش المرحلة الأخيرة متنقلاً بين دمشق وعمان.
– أدخل إلى إحدى مستشفيات عمان في 17/1/2008 لإصابته بجلطة قلبية وتوفى يوم 26/1/2008.
من مأثورات ومقولات القائد الراحل الحكيم جورج حبش:
قوة الإرادة:
– “تستطيع طائرات العدو أن تقصف مدننا ومخيماتنا وتقتل الأطفال والشيوخ والنساء ولكن لا تستطيع قتل إرادة القتال فينا”.
– “لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه”.
– “لا عذر لمن أدرك الفكرة وتخلى عنها”.
حديث عن الذات:
– لقد غادرت الوطن للدراسة في بيروت لأجل الارتقاء، وكلّي أمل وإصرار على العودة إليه حاملاً معي آمالي وأحلامي وعزمي لأكمل مشواري بين أحضان وطني.. وفي لحظة تاريخية فارقة لا يمكن أن تمحى من ذاكرتي.. افتقدت هذا الوطن..!! افتقدت كياني.. وغار الجرح عميقًا في كل جسدي.. إنها اللحظة الأصعب في حياتي التي حولتني من إنسان عاشق لوطنٍ وحياة إلى سياسي يبحث عن وطن.. وحياة أفضل، ذلك هو السر الذي دفعني إلى أن أوظف كل سنوات عمري لأجل استعادة هذا الوطن. وأستعيد معه كل أحلامي وآمالي.
حديثه إلى الشباب:
– إن أهم ما يمكن أن أنقله للأجيال الصاعدة هو خلاصة تجربتي، وما احتوته من دروس، سواء كانت دروس الإخفاق أو دروس النجاح، عليهم أن ينطلقوا من حيث وصلنا، لا لتكرار تجربتنا وإنما بالاستناد إلى دروسها الثمينة كونها دروسًا دُفعت أثمانها تضحيات ودماء غالية وعزيزة، وأن يجتهدوا ويجاهدوا لتخطي إخفاقاتنا وأسبابها، وهذا مشروط بامتلاك الوعي والعلم والمعرفة كأدوات من دونها يستحيل التقدّم، وأن يملكوا الثقة بالذات، وبالمستقبل وبأن الهزائم لا تعني المساس بأهدافنا، فهي صحيحة وعلمية وعادلة وإنسانية إلى أبعد حد.
– إن المهمات كبرى والتحديات جسيمة، وعلى شبابنا أن يشحذ عقله ويشمر عن ساعده ويندفع للعمل، عليه أن يتخطى أخطار التهميش والاستلاب والاغتراب، وأن ينمّي روح التمرد الايجابي وتخطي نفسية الخضوع، وأن يجاهد لتحرير المرأة من كل ما يعوق تقدمها ويحد من مبادرتها وإبداعها، وأن يربط دائمًا بين أصالته وضرورة امتلاك الحداثة وعدم وضعها في مواجهة مميتة، وأن يجيد الإنتاج ليصبح جديرًا بالاستهلاك، إنتاج الفكر والمعرفة والحضارة، والإنتاج المادي بمختلف ميادينه، وآمل ضمن هذا السياق، ألا يشكّل فشل الأحزاب وقساوة الهزائم قوة تدمير لروح الانتظام والانتماء لدى شبابنا، فلا مجال للتقدم ومضاعفة الفعل من دون الانتظام الواسع ضمن أحزاب ومؤسسات ونقابات وجمعيات ونواد، للارتقاء بالانتظام الاجتماعي إلى مستوى التوحيد الشامل للطاقات، وتقليص هدرها وتوجيهها ضمن رؤية إستراتيجية شاملة.
– إنني على ثقة بأن أجيال شبابنا الصاعدة والمتتالية لن تحتاج إلى من يلقّنها ما يجب أن تفعله، فليس من حق أحد، فردًا أو حزبًا، أن يصادر حقها في تحديد طموحاتها وأهدافها مسبقًا، هذه حقيقة، لكن تقف إلى جانبها حقيقة لا تقل أهمية، وهي أن حياة الأمم والشعوب وتاريخها ومستقبلها ليست سلسلة مفككة لا يربطها رابط، إنما هي عملية تراكمية متواصلة، ومن لا يدرك تاريخه ويعيه لن يستطيع إدراك حاضره، وبالتالي مستقبله.
الصراع مع العدو الصهيوني:
– إننا في حالة صراع مفتوح، ونضال مستمر، وصيرورة تاريخية في مواجهة المعتدي.. وليس مستغربًا أن يظهر على هامش هذه الصيرورة النضالية من يعبث بالحق الفلسطيني بصرف النظر عن الأسماء والمسميات، وكل محاولة للعبث بهذه الحقوق الوطنية عن وعي أو بدون وعي هي بمثابة كوابح سياسية وعملية لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وعليه فإن كل المؤتمرات واللاءات والوثائق التي تنتقص من الحق الفلسطيني لن يكتب لها النجاح بفعل تمسك الشعب الفلسطيني بكافة حقوقه وثوابته. هل استطاعت أوسلو ووثائقها أن تنهي الحق الفلسطيني، أو تعيد جزءًا من الحق الفلسطيني؟ إن «إسرائيل» تستطيع أن تقول لاءاتها. ولكن كل واحدة من هذه اللاءات سيواجهها شعبنا بضراوة كفاحيًا وسياسيًا واستراتيجيًا.. ويجب أن يدرك الجميع أن القضية الفلسطينية لا تنحصر في عناوين هذه اللاءات الأربع.. إنما هي الأرض والشعب معًا، أي فلسطين التاريخية.
– أن الصراع مع عدو، كالصهيونية – وإسرائيل – والامبريالية، هو صراع تاريخي مفتوح لن تختزله لحظات انكفاء عابرة، هذا الفهم يدفع عمليًا نحو ضرورة إدارة الصراع بطريقة شمولية، وبصورة يتساند ويتشابك فيها النضال التحرري القومي مع النضال الاجتماعي الديمقراطي، وهذا يعني وعي الديمقراطية كأداة للنهوض وقيم للسلوك والفكر والممارسة لتحرير المجتمع، فالديمقراطية، هي في حد ذاتها، ليست هي الحل وإنما بوابة للحل، أما الحل فهو قوى المجتمع وحريته القادرة على تحديد الأهداف والطموحات والنضال من أجل تحقيقها.
الحكيم والمسألة التنظيمية (الحزب):
– إن التنظيم الذي يقوم على أساس ماركسي، أي بمعنى الاسترشاد بالفكر المنهجي الجدلي، ويلتزم مصلحة الأغلبية المستغَلة والمضطهدة التي تكمن في التحرّر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، سينتصر بينما التنظيم الذي يقوم على أساس برجوازي صغير سيفشل.
– إلا أن الحاجة إلى بناء العامل الذاتي/ الحزب، تشكّل حتى اللحظة القضية المركزية التي تحتل موقعًا هامًا أساسيًا في سلم الأولويات الضرورية من أجل تفعيل العلاقة الجدلية بين الظرف الموضوعي والعامل الذاتي كشرط لا بد من توفره لتجاوز الواقع الراهن.
– إن وقفة التأمل الايجابي التي نريدها، – من وجهة نظري – دعوة إلى التعمق في رؤية ما نحن عليه بصورة نقدية وتشخيص واقعنا بلا أية رتوش أو زيف، بعيدًا كل البعد عن الاستخفاف أو المكابرة، تأمل لا يدعو إلى السكون، بل ينطلق من نبضات قلب جبهتنا وحركتها الصاعدة في إطار الحراك السياسي الاجتماعي العام، الوطني والديمقراطي على الصعيد الفلسطيني بارتباطه العضوي الوثيق بالمشروع التقدمي القومي العربي، إذ لم يعد هناك أية إمكانية للحديث عن تطور وتقدم المشروع الوطني الفلسطيني بانفصاله عن الحامل القومي العربي، أقول ذلك، رغم شدة التباعد أو الانفصام الراهن بين الوطني والقومي.
– إن أهم استحقاق نظام على الصعيد التنظيمي يتمثل في قدرتنا في الجبهة الشعبية على تطوير بناها ومؤسساتها وأدائها بما يلبي الوظيفة والدور التاريخي الذي يجب أن تقوم به ارتباطًا بما تمثله تاريخيًا وما تطرحه راهنًا من رؤية أيدلوجية وسياسية واجتماعية وكفاحية.
– إن تكامل أشكال النضال المختلفة السياسية والاقتصادية والكفاحية والإعلامية والجماهيرية كلها معاول يجب أن تستخدم بطريقة واعية وعلمية واستثمارها بأعلى طاقة ممكنة من الكفاءة ووضوح الرؤية.
الحكيم وحق العودة:
– حق العودة هو حق طبيعي، وقانوني، وجمعي وفردي، ليس لأحد في العالم أن يعبث به، فالمسألة واضحة كالشمس، هناك لاجئون أرغموا على ترك أرضهم وديارهم.. لهم الحق في العودة كحقٍ طبيعي، ولهم الحق في العودة وفق قرار الأمم المتحدة 194، وهو قرار يجيز لهم العودة. والمنطق الطبيعي أن يعودوا لا أن يحل مكانهم مستوطنون قادمون من آفاق الأرض، وعليه فنحن ننظر إلى حق العودة كأساس وجوهر للمسألة الفلسطينية، ولا حلّ سياسيًا بدون ربط حق العودة بالأرض والوطن والكيان السياسي للشعب الفلسطيني.
جورج حبش ومسألة النضال القومي ضد الامبريالية:
– ترتبط عملية التحرّر القومي وعملية التحرر الاجتماعي إحداهما بالأخرى، وهذا ينقلنا إلى الحديث عن جبهات المواجهة المستقبلية، وهي أولاً: الجبهة الثقافية التي يجب أن تتناول أسباب هذا الواقع وتحليله والتفكير في الحلول والبدائل، إنها الجبهة التي تؤمن الأساس الفكري المنهجي لوعي الماضي والحاضر والمستقبل، ومن دونها سيبقى التخلف والانفعال، وهناك ثانيًا الجبهة السياسية، إذ يجب أن تقوم أحزاب وجبهات حكمًا بالجبهة الثقافية، وتشاركها في بلورة الرؤية والتحليل والعلاج، وتنقل الوعي إلى قوة فعل سياسي – اجتماعي منظم، وهناك ثالثًا الجبهة الاجتماعية، فلا يجوز، مهما نركز على الجهة الصهيونية، أن نهمل الموضوع الاجتماعي الذي يتصدى لمعالجة هموم الناس المعيشية، وفي هذا الإطار، أيضًا، ومهما يكن الواقع مرًّا وأنا أوافق على تشخيص هذا الواقع، فإنني أتطلّع إلى تحقيق نهضة عربية كبيرة تتلاءم مع حجم طاقات الأمة العربية وإمكاناتها وتراثها وحضارتها.
– إن الاندفاع الذي يسوقنا إليه أعداء هذه الأمة، الامبريالية الأمريكية و”إسرائيل”، تحت ستار العولمة، وعبر أدوات تحكم هذا الوطن أو تتحكم فيه، هذا الاندفاع أو الدفع لا بد له أن يتوقف، لأنه يسوقنا إلى مخاطر وكوارث ستهون أمامها كل المخاطر أو الهزائم أو النكبات على امتداد تاريخنا الحديث والمعاصر، لكننا جميعًا نُدرك أن هذا الواقع المأزوم والمهزوم الذي نعيشه اليوم يعود في أحد أهم أسبابه المباشرة، إلى تراكم أزمة حركة التحرّر العربية منذ عقود طويلة، وهو تراكم تتجدّد فيه عوامل الهبوط السياسي والتشوه المجتمعي والتخلف العام، مع تزايد التبعية بكل أشكالها، ولكن الإشكالية الكبرى أن تضخم هذه الأزمة لم يكن ممكنًا لولا ذلك القصور السياسي لأطراف حركة التحرّر العربية، وقصور أحزابها وفصائلها عن قيادة عملية التغيير من أجل تجاوز الواقع الراهن.
– إن أول أسباب انتصار المشروع الصهيوني يكمن في أن قياداته أدارت الصراع بصورة شمولية، وعلى أساس إستراتيجية صراعية متقدمة، ويخطئ من يظن أن الحركة الصهيونية مجرد عصابات منفلتة، يمكن وصفها خلقيًا من جانبنا بالعصابات، لكنها في الواقع قامت بدورها ووظيفتها ارتباطًا بأهدافها من النقطة التي وصلت إليها أوروبا والدول الصناعية على صعيد التطور. هذا عنوان أول، العنوان الثاني هو تركيم مكونات القوة. الموضوع الآخر، في هذا السياق، يتمثل في صوغ معايير تتلاءم مع مصلحة المشروع العليا، وهي معايير كانت تتخطى الأفراد والأحزاب، وفي ضرورة الارتقاء بالأفراد إلى مستوى حاجة الوظيفة والدور المطلوب تأديتها، وليس العكس.
– مع تعميق إيماني بضرورة وحدة الأمة العربية ككل، وأهمية ذلك لتحقيق شروط تحرير فلسطين، لا أنظر إلى الوحدة اليوم كمجرد شعار، ولا كما تمت بين سورية ومصر، وإنما من خلال عملية التراكم والتكامل، ومن خلال الوحدات الأصغر: وحدة مصر و السودان ، وحدة المغرب، وحدة دول الهلال الخصيب، وحدة دول الخليج، لكن من الضروري التركيز على أهمية دور سورية فيما يتعلق بالقسم الآسيوي، وعلى أهمية دور مصر بالنسبة إلى القسم الإفريقي. جوهر الاشتراكية ألاً يقوم مجتمع على أساس الاستغلال، وفشل الأنظمة الاشتراكية لا يعني فشلاً للنظرية الاشتراكية ويجب أن يكون كل الاشتراكيين في العالم معنيين بدراسة أسباب فشل التجربة الاشتراكية الأولى.
الحكيم والموقف من أوسلو والوحدة الوطنية:
– مأساة أوسلو لا تعود إلى حدث بعينه، إنها في الواقع حصيلة تاريخية لما سبقها من مراحل، بل يمكن القول إنها حصيلة الهزائم المتراكمة عربيًا وفلسطينيًا، ولا أقصد بالهزائم فقط الانهزام العسكري أمام “إسرائيل”، بل أيضًا – وهذا هو الأهم – عناصرها الذاتية، أي الداخلية، بمعنى عجزنا عن تركيم وتأمين مقدمات الانتصار السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية، وعجزنا عن انطلاق فاعلية المجتمع العربي في كل الدول، وإبقاؤه تحت رحمة الاستلاب والخضوع وقمع الأنظمة البوليسية، فكيف يمكن تصوّر أن ينجح شعب في الانتصار على عدو متقدم يملك أسباب القوة كالعدو الصهيوني، ما دام ذلك الشعب لا يعرف معنى حريته الداخلية، وتسود فيه الغيبية والجهل والانغلاق على الذات، هنا تكمن مرجعية هزيمة أوسلو وغيرها من الهزائم العربية – الفلسطينية.
– الوحدة الوطنية ضرورة ملحّة لمواجهة السرطان الصهيوني، شرط أن تقوم على أساس سياسي واضح، وعلى أساس ديمقراطي، وألاّ تكون تحت رحمة قيادة فردية.
– إن المرحلة السياسية الراهنة ليست ذاتها التي انطلقت منها الثورة الفلسطينية المعاصرة.. وبالتالي الشيء الطبيعي أن تختلف وسائل وأشكال النضال، وأولويات النضال وفقًا للظروف المناسبة، وعلى القيادات الفلسطينية المناضلة أن تقرأ اللوحة الدولية بكل تضاريسها كي تعرف أين موقعها في هذا الصراع الدائر على مستوى العالم.. وابتداع الأشكال النضالية المناسبة، كما عليها أن تدرك أن هذا التوازن الآن، بل الاختلال بتوازن القوى الدولية ليس إلا مرحلة سياسية قد تقصر أو تطول. فلا يجب على هذه القيادات أن تقدم على تنازلات تحت وطأة هذا العالم الأحادي القطبية.. فهو عالم ليس سرمديًا وأبديًا.. إنما عليها أن تؤسّس لحركة وعي وطنية وقومية جديدة لدى الإنسان الفلسطيني والعربي، مضمونها بعث الهوية الوطنية والقومية لجهة عدم الاندماج في ما يسمى الهوية العالمية.. هذا تضليل من قبل الآخر لتسهيل مهمته في احتلال الأرض والعقل والثقافة.
كلمات الحكيم قبل الرحيل:
– في النهاية أقول إن جيلنا حاول أن يقوم بواجبه بصورة جيدة، أو أقل، أو سيئة، وبالتأكيد كان في إمكانه أن يعمل أفضل، وأن يعطي أفضل، وكان في قدرته أن يتخطى بعض الأخطاء الكبيرة، لكن هذا ما حدث، ونحن مستعدون لتحمل مسؤوليتنا وتحمل محاكمة الشعب والتاريخ مهما تكن قاسية، فالهدف في النهاية ليس حماية الرأس، وإنما عدم تبديد خبرة أعوام وعقود وتضحيات لا يمكن تعويضها.
– كلمتي إلى الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة.. أذكّرهم بأن الاستعمار بكافة أشكاله سيرحل عن أرضنا ولنا بالتاريخ عبرة.. لكن الأمر يحتاج أولاً إلى الوحدة، ثم الوحدة، ثم الوحدة.. وإن فلسطين هي الهدف، والهدف الراهن والاستراتيجي، فلا نجعل من خلافاتنا وصراعاتنا الداخلية على السلطة الوهمية والتي هي تحت الاحتلال مجالاً لانتصار الآخر علينا.