أمد/
هل شعرت بالإهانة !؟ وانت تشاهد نبأ اغتيال فؤاد شكر، ارفع قيادات حزب الله العسكرية، وواحد من الرعيل الأول الذي أسس أول نواة عسكرية لحزب الله سنة ١٩٨٢ ، مع عماد مغنية ومصطفى بدر الدين وعبد الهادي حمادة وطلال حمية، وهي نواة بدأت انتسابها لفلسطين في إطار حركة فتح قبل تأسيس حزب الله بسنوات عدة، وهل زادت مرارة المهانة والاذلال بعد اعلان نبأ اغتيال اسماعيل هنية في طهران، وهو يبيت في بيت ضيافة تابع لاستخبارات الحرس الثوري الإيراني، وقد تعددت الروايات في وصف العملية وكيفية حصولها، بين عبوة ناسفة دست في سريره وفجرت عن بعد، او قذيفة صغيرة بحجم ٧ كلغ اطلقت على سريره، من مسافة مئات الامتار، الشعور بالمهانة والاذلال يتراكم ويتعاظم أيضا، بعد تأكيد جيش العدو الاسرائيلي ان غارة المواصي في غزة قد أدت الى وفاة محمد الضيف القائد العسكري الأول لكتائب القسام، ومهندس عملية طوفان الأقصى…
الصورة تبدو قاسية مريرة ومهينة، واذا ما اضفناها لصورة الدمار الهائل في غزة، وحجم الخسائر الإنسانية التي بلغت مائة وخمسون الف ضحية بين قتيل وجريح، اضافة الى مليونين وثلاث مائة الف فلسطيني مشردين فوق ارض، ضاقت بها كل سبل الحياة والخدمات، وانعدمت فيها كل مقومات العيش… تصبح المهانة اشد ألماً والمرارة افدح اثرا….
هل شعرت بالغضب لتراكم الخيبات بعد كل مواجهة، على مدى اكثر من مأئة سنة من الصراع مع المشروع الصهيوني ؟، منذ وعد بلفورسنة ١٩١٧ بالتزام بريطانيا باعطاء اليهود في فلسطين وطنا قوميا، الى ثورة البراق سنة ١٩٢٥ التي انفجرت اضرابا عاما لمنع اليهود من الاستيلاء على حائط المسجد الاقصى الذي يزعمون انه حائط المبكى، إلى قرار الجمعية العامة في الامم المتحدة رقم ١٨١ بتقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية سنة ١٩٤٧، و نكبة فلسطين وتهجير أهلها سنة ١٩٤٨، الى نكسة ١٩٦٧ والتي اعتبرتها الانظمة العربية عدوانا اسرائيليا فاشلا، لم يستطع إسقاط الانظمة العربية “التقدمية! ” في سورية ومصر، على الرغم من ضياع أرض الجولان وشبه جزيرة سيناء واستكمال احتلال كل فلسطين، وهل ازداد غضبك واستشاط غيظك، يوم اعتبرت حرب تشرين حربا تحريرية؟، رغم انها انتهت الى توقيع اتفاقات كمب ديفيد وسلاما مصريا اسرائيليا، وأدت الى فك اشتباك على جبهة الجولان السورية، ضَمِنَ بقاءَها في أيدي اسرائيل حتى يومنا هذا…
وهل أغضبك خروج منظمة التحرير من لبنان ترفع قيادتها شارة النصر!؟، لتذهب بعدها الى اوسلو، وتوقع اتفاقا تعترف به بدولة اسرائيل ولا تنال من خلاله دولة فلسطينية بالمقابل..
وهل تصاعد وتفجر غضبك، حين وجدت انه بعد مرور اكثر من عقدين من الزمن، على اعتماد المبادرة العربية التي اقرتها القمة العربية في بيروت سنة ٢٠٠٢، والتي التزمت بمبدأ الارض مقابل السلام ووعدت مقابل قيام دولة فلسطينية، بتطبيع علاقات الدول العربية مع اسرائيل؟، ان التطبيع هذا قد جرى فعلا، من قبل دول المغرب والإمارات والبحرين والسودان، في صفقة القرن، لكن مقابل لا شيء… وكانت قد سبقت الى التطبيع مع العدو مصر والاردن وقطر.
هل شعرت بالقرف وانت تستمع في مختلف وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، عن بوق ممانع يعدك بان حزب الله سيقوم بتدمير اسرائيل خلال اربعة وعشرين ساعة فقط، ردا على إغتيال الحاج محسن؟، فيما ينافسه إعلامي من ايران ينبؤك بليالي من القصف الايراني على اسرائيل غير مسبوقة…
وهل شعرت بالحاجة للتقيؤ بعد إعلان جهبز إعلامي آخر، ان الرشقة الاولى في عملية ثأر الممانعة، ستصيب ١٣٢ هدفا في اسرائيل دفعة واحدة؟، فيما يضيف في تصريح آخر وعدا بإسقاط طائرات إسرائيلية وأسر طياريها…
لا حدود لعنتريات وبطولات وهمية، وسيناريوهات يوم القيامة لمداواة جمهور تم تخديره بانتصارات وهمية، وبات يشعر بالمهانة، و لا مجال لتخفيف مراراته من الاذلال، الا بجرعات عالية من التوقعات الحالمة، و لا تهدئة لغضبه من سلسلة الخيبات المتراكمة الا حقن وعيه وتزييفه بانتظار معجزات قادمة!.
ويتم ذلك باستنباط نصر مجتزأ من كل كارثة، وابراز صمود محدود، من كل نكسة، واستخراج نقاط ضوء في كل عتمة ظلمة حالكة، ولِحاظُ ملمح انجاز في كل فشل او خيبة، هكذا يروج إعلام الممانعة لفشل إسرائيل في غزة، وكأن إسرائيل لم تقتلع غزة وما فيها، ويجري تصوير عدم استعادة إسرائيل لاسراها، وكأنه يلخص كامل نتائج المواجهة، فيما الحقيقة القائمة ان نتن ياهو ليس مهتما بإستعادة اسراه بتاتا.
مداواة الوجدان بديلا لتغيير الواقع، واحلال الرموز مكان الحقائق، تعاقبنا جميعا على القيام بها على مدى سنوات طويلة من الصراع، انها ازمة ثقافية قبل ان تكون فشل استراتيجية، او قصورا في خوض مواجهة…
تستطيع ان تتجرع كأس المهانة ومرارة الإذلال، مرة تلو أخرى، وتستطيع ان تتكوى بنوبات الغضب نوبة إثر نوبة، تستطيع ان تثور وتصرخ في الساحات والأزقة لاعنا وشاتما ومدينا، كل حاكم او سياسي او مسؤول، وقد سبقك الى ذلك الآلاف بل الملايين الذين ملأوا الساحات وحطموا العروش واسقطوا انظمة وسلطات وقيادات، لكنك لن تتجاوز مأزقا تاريخيا، الا اذا اطفأت شعورك لتفتح عقلك، وتزيح غضبك لتبني فعلك، وتذهب الى المواءمة بين امكانياتك واهدافك
لا نعرف إن كانت عمليات الثأر ستكون بحجم التهديدات والإيحاءات الراهنة، أم أنها ستكون مجرد استعراض قوة، للتسويق الداخلي، وليستخدمه الأتباع في المنطقة مادة للفخر والمزايدة، والتهديد لشركائهم في أوطانهم.
ويبقى امر مثير للتساؤل عن حقيقة خيارات إيران ، فهل تريد فعلا محاربة إسرائيل أم استخدامها لنشر أفلام وإعلانات ومظاهر حماسية لتدعيم سطوتها في المنطقة بدلا من إيذاء إسرائيل، وتبقى المفاضلة لديها بين ان ترد تحصيلا لكرامتها وما نالها من هوان، وبين ان تسعى لتهدئة تضمن علاقة لها ايجابية باميركا.
عن جنوبية