أمد/
بيروت: أفلت فؤاد شكر من قبضة الولايات المتحدة لمدة 4 عقود، منذ مقتل 241 جندياً أميركياً في تفجير استهدف ثكنة عسكرية في العاصمة اللبنانية عام 1983، والذي يُعتقد أنه ساعد في التخطيط له. في نهاية يوليو (تموز) الماضي، قُتل شكر في قصف إسرائيلي على الطابق السابع من مبنى سكني في بيروت.
وتشير صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، إلى أن شكر أحد مؤسسي جماعة حزب الله" اللبنانية التي تصنفها الولايات المتحدة مجموعة "إرهابية"، وصديق مقرب من زعيم "حزب الله" حسن نصر الله لفترة طويلة، ولعب دوراً محورياً في تطوير ترسانة الصواريخ التي جعلت من "حزب الله" أكبر جماعة مسلحة في العالم من غير الدول.
خلال العشرة أشهر الماضية، كان شكر يقود معارك "حزب الله" عبر الحدود مع إسرائيل.
وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، اتهمت الولايات المتحدة شكر بالتورط في التخطيط لتفجير ثكنة مشاة البحرية الأمريكية في بيروت عام 1983، والذي أسفر عن مقتل 241 جنديًا أمريكيًا. وأصبح فيما بعد أول قائد عسكري لحزب الله عندما تشكلت المجموعة رسميًا في عام 1985.
وعلى الرغم من أهميته داخل حزب الله، فقد حافظ شكر على مستوى منخفض للغاية. وتشير تقارير صحيفة وول ستريت جورنال إلى أنه نادرًا ما ظهر في الأماكن العامة، وكان أحد ظهوراته القليلة الأخيرة في جنازة ابن أخيه في وقت سابق من هذا العام، ولم يستمر سوى بضع دقائق.
وقال مسؤول في "حزب الله"، وفقاً لـ"وول ستريت جورنال"، إن شكر قضى يومه الأخير، في 30 يوليو الماضي، في مكتبه بالطابق الثاني من مبنى سكني في حي الضاحية الجنوبية في بيروت، وكان يسكن في الطابق السابع من المبنى نفسه، ربما لتقليل الحاجة إلى التنقل في العلن.
في تلك الليلة، ووفقاً للمسؤول في "حزب الله"، تلقى شكر مكالمة من شخص ما يطلب منه الذهاب إلى شقته في الطابق السابع، وفي حدود الساعة 7 مساءً، قصفت إسرائيل الشقة وثلاثة أدوار تحتها، ما أدى إلى مقتل شكر وزوجته وامرأتين أخريين وطفلين. وأصيب أكثر من 70 شخصاً، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية.
كان هدف الاتصال جذب شكر إلى الطابق السابع؛ حيث جعل من الأيسر استهدافه. وقال المسؤول في "حزب الله" إن الاتصال جاء -على الأرجح- من شخص اخترق شبكة الاتصالات الداخلية للحزب، مضيفاً أن "حزب الله" وإيران يواصلان التحقيق في هذا "الفشل الاستخباراتي".
وتابع: "هناك اعتقاد بأن إسرائيل تغلبت على تقنيات مكافحة التجسس لدى (حزب الله) بتكنولوجيا أكثر تقدماً".
بعد أن فرضت إسرائيل حصاراً على بيروت في 1982، تراجعت العناصر المقاتلة إلى وادي البقاع في شرق لبنان. كان شكر في ذلك الوقت يعمل لدى المديرية العامة للأمن العام، وطُلب منه أن يرافق مجموعة من الدبلوماسيين الإيرانيين من الحدود السورية إلى السفارة في بيروت.
وفقاً لقاسم قصير -وهو محلل سياسي يعرف "حزب الله" وقد عرف شكر منذ أوائل الثمانينات- تم خطف الدبلوماسيين خلال الطريق، ويُقال إن حزب «القوات اللبنانية» هو من خطفهم. وأطلقوا سراح شكر باعتباره موظفاً في جهاز أمني، أما الدبلوماسيون فاختفوا.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن أحد أقرباء فؤاد شكر، أنه تدخل بنفسه في عام 1993، ليقنع مجموعة من المتظاهرين التابعين لـ"حزب الله"، والمعترضين على اتفاقيات أوسلو في بيروت، بألا يصطدموا بقوات الآمن.
وبعد اندلاع القتال بين حركة "حماس" وإسرائيل عقب هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) انضم "حزب الله" للقتال، وبدأ في مهاجمة إسرائيل عبر الحدود، وقتلت إسرائيل نحو 400 عنصر مقاتل وقيادي من الحزب منذ ذلك الوقت.
ويضيف مسؤول "حزب الله"، لـ"وول ستريت جورنال"، أنه بسبب خوف نصر الله من الاختراق الاستخباراتي الذي مكَّن إسرائيل من قتل قادة الحزب، أمر في فبراير (شباط) مقاتليه وعائلاتهم بعدم استخدام الهواتف النقالة، وتابع: «لجأ (حزب الله) إلى استخدام لغة مشفرة، ليس فقط على القنوات المفتوحة، ولكن أيضاً على شبكة الاتصالات الداخلية الخاصة».
ويقول مسؤول "حزب الله" إنه في بداية اليوم الذي تم فيه استهداف شكر، أصدر "حزب الله" أوامر لكبار قادته بالاختباء، نظراً للمخاوف من أنهم قد يكونون في خطر، بعد مقتل عدة أشخاص بسبب مقذوف أصاب ملعباً في قرية مجدل شمس بالجولان، واتهمت إسرائيل "حزب الله" بالمسؤولية عنه، بينما نفى الأخير علاقته بالهجوم.
ويشير مسؤول "حزب الله" إلى أنه بعد القصف الإسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية، لم يكن واضحاً على الفور ما إذا كان شكر قد قُتل.
ويقول: "بعض الأشخاص في (حزب الله) كانوا يعتقدون أنه قد يكون قد امتثل لأوامر الإخلاء وفرَّ. واستغرق الأمر وقتاً للعثور على جثته. كانت قد قُذفت إلى مبنى مجاور".
ويقول شاب جلس على الرصيف قرب المبنى الذي قُتل فيه شكر: "لقد سمعنا اسمه، لكننا لم نره مطلقاً"، مضيفاً: "لقد كان مثل الشبح".
وأوضحت حنين غدار، زميلة بارزة وخبيرة في شؤون حزب الله في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، لصحيفة وول ستريت جورنال: "من المتوقع أن يعيش هؤلاء العسكريون رفيعو المستوى حياة ومهمة سرية للغاية – لا ظهور علني، ولا صور للجمهور، وبالتأكيد لا تفاعلات مع الآخرين في المجتمع الشيعي".
أسفرت الضربة، التي وقعت حوالي الساعة 7 مساءً يوم 30 يوليو، عن مقتل شكر وزوجته وامرأتين أخريين وطفلين. وذكرت وزارة الصحة اللبنانية أن أكثر من 70 شخصًا أصيبوا في الهجوم. يمثل مقتل شكر ضربة كبيرة لحزب الله، وكشف عن نقاط ضعف في عملياته وإزالة أحد أكثر استراتيجييه خبرة.
وقالت كارميت فالنسي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب والخبيرة في شؤون حزب الله، لصحيفة وول ستريت جورنال: "إن عمليات القتل المستهدفة هذه لها تأثير تراكمي على القدرة العملياتية للمنظمة". وأضافت: "كان مصدرًا للمعرفة. كان يعرف كيف يعمل ويتواصل مع نصر الله. لقد تحدثا نفس اللغة".