أمد/
بعد اسبوع على ما وصف كقمة الفرصة الاخيرة في الدوحة فان الادارة الامريكية تبذل مع ذلك جهودها للدفع قدما بصفقة التبادل العالقة ومنع اشتعال حرب اقليمية واسعة. مساء أمس استؤنفت المحادثات في القاهرة، هذه المرة بمشاركة حماس. ولكن احتمالية تحقيق أي تقدم ما زالت ضعيفة، وفي هذه الاثناء يتصاعد القتال والخسائر في القطاع وعلى الحدود مع لبنان.
أمس قتل اربعة جنود احتياط في الجيش الاسرائيلي وأصيب سبعة جنود في حادثين في القطاع. في الشمال اطلق حزب الله صليات ثقيلة من الصواريخ والمسيرات نحو الجليل بعد سلسلة هجمات لاسرائيل في لبنان وفي سوريا، قتل فيها ليس اقل من ثمانية من اعضاء الحزب. استمرار مواصلة الجهود الامريكية من اجل التوصل الى الصفقة يتعلق بالخوف من أنه في الايام القريبة القادمة ستأتي عملية ثأر حزب الله ضد اسرائيل، وأن المنطقة قريبة من تدهور اكبر.
في موازاة المحادثات في القاهرة وصل الى المنطقة رئيس الاركان الامريكي، الجنرال تشارلز براون، الذي يخطط للتنقل بين اسرائيل ومصر والاردن. الولايات المتحدة تحاول الآن الدفع قدما بالمحادثات حول الصفقة بواسطة حل نقطة خلاف رئيسية وهي السيطرة على محور فيلادلفيا. وليس فقط حماس بل ايضا مصر تعارض استمرار التواجد العسكري الاسرائيلي في هذا المحور قرب الحدود بين القطاع ومصر في رفح. القضية تم طرحها ايضا في المكالمة الهاتفية بين الرئيس الامريكي ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مساء يوم الخميس. الامريكيون يحاولون التوصل الى اتفاق اسرائيلي للانسحاب على مراحل من المحور. يبدو أنه كان ليونة معينة في موقف نتنياهو بعد المحادثة مع بايدن، رغم أن مكتب رئيس الحكومة يحرص على القول بأنه لن يتزحزح عن موقفه وأن اسرائيل ستستمر في الاحتفاظ بمحور فيلادلفيا.
احد الادعاء الرئيسية الذي يطرحه رؤساء جهاز الامن يتعلق بضعف قدرة حماس العسكرية. وزير الدفاع، يوآف غالنت، زار رفح في الاسبوع الماضي وكرر الادعاء بأن لواء حماس في رفح تم تفكيكه وهزيمته. في جهاز الامن يعتقدون أنه كان يمكن العودة واحتلال محور فيلادلفيا بدون صعوبة، حتى بعد الانسحاب منه، اذا انهارت الصفقة بعد انتهاء المرحلة الاولى، التي يتوقع فيها أن تقوم حماس باطلاق سراح النساء وكبار السن والمرضى مئات بضع مئات من السجناء الفلسطينيين في اسرائيل.
نتنياهو يحذر من اخلاء محور فيلادلفيا بذريعة أن انسحاب الجيش الاسرائيلي سيمكن حماس من تجديد انبوب الاوكسجين الرئيسي لها، وهو عمليات التهريب في الانفاق تحت المحور. في جهاز الامن يحتجون ايضا على ذلك ويقولون بأن معظم عمليات التهريب في السنوات الاخيرة كانت فوق الارض من خلال معبر رفح، مع غض نظر مصر. غالنت والضباط يضغطون على رئيس الحكومة من اجل تركيز سلم الاولويات على الحدود مع لبنان ازاء الخوف من تصعيد المواجهات مع حزب الله في القريب.
أمس نشرت في “اخبار 12” تسجيلات مقلقة من اللقاء الذي اجراه نتنياهو مع مختطفات تم اطلاق سراحهن من الاسر في تشرين الثاني الماضي، وأبناء عائلاتهن ما زالوا محتجزين لدى حماس في القطاع (من المهم الاشارة الى أن التسجيلات في هذه المحادثات سربت مرة تلو الاخرى، رغم أن من يزورون مكتب رئيس الحكومة يطلب منهم ترك هواتفهم المحمولة والمرور في بوابة الكترونية عند دخول المبنى). في هذه المرة وخلافا للسابق فان رئيس الحكومة لن يتواجه مع جمهور متعاطف يتكون من العائلات المتماهية مع اليمين. المختطفات اللواتي اطلق سراحهن وجهن لنتنياهو اسئلة صعبة وانتقاد شديد. نتنياهو الذي ضم زوجته سارة لهذا اللقاء، تجادل مع المختطفات، وبعض اقواله لم تصمد امام امتحان الواقع.
نتنياهو قال بأنه طلب العفو بسبب دوره في المسؤولية عن المذبحة في 7 تشرين الاول، لاول مرة. وعندما طلبن النساء منه انهاء الصفقة لانقاذ اعزائهن في اسرع وقت من المعاناة في القطاع اجاب: “أي صفقة؟ أي صفقة توجد على الطاولة؟”. يبدو أنه أراد خلق الانطباع بأنه فقط تصميم حماس هو الذي يمنع عقد الصفقة. في ظهورات علنية وحتى في التصريحات الروتينية التي يصدرها مكتبه فان نتنياهو قلل في الفترة الاخيرة من التطرق لموت الجنود في الحرب، في الشمال وفي الجنوب. ايضا اعادة الست جثث لمخطوفين التي تم انقاذها في الاسبوع الماضي في خانيونس لم تستقبل برد من قبله، ناهيك عن الحديث عن امتناعه عن اجراء محادثات مع عائلات المخطوفين من كيبوتسات نيريم ونير عوز وحول زيارته المتباطئة في نير عوز، التي وعد بها قبل شهرين. يبدو أن رئيس الحكومة ببساطة لا ينجح في اظهار التعاطف مع معاناة مواطنيه اثناء الحرب.
حساب مفتوح
في الوقت الذي فيه نتنياهو يتشاجر مع غالنت والقادة الكبار في جهاز الامن حول مسألة الانسحاب من محور فيلادلفيا وممر نتساريم، الجنود يواصلون السقوط في المعارك هناك، في المناطق التي يوصي الجيش باخلائها في اطار الصفقة. ثلاثة من الجنود الاربعة في الاحتياط قتلوا في نهاية الاسبوع بسبب تفجير بيت في حي الزيتون في جنوب مدينة غزة. جهود الجيش الاسرائيلي لضرب البنى التحتية لحماس هناك تجري في معظمها على مسافة بعيدة من ممر نتساريم. النشاطات هناك مختلف عليها في الجيش، وحسب رأي بعض الضباط هو لا يخدم الآن الاهداف الرئيسية للحرب. ولكن عندما تكون القوات منتشرة في المكان فانه يتم استخدام الضغط من الفرقة التي تسيطر على المحور على القيادة العليا من اجل السماح للوحدات بالانطلاق الى عمليات هجومية وعدم انتظار انتشار الدفاع الذي يمكن أن يواجه بهجمات حماس.
المقدم جون سبنسر، الخبير في حرب المدن من الاكاديمية العسكرية الامريكية “ويست بوينت”، ومن المؤيدين البارزين لاسرائيل في الساحة الدولية اثناء الحرب في غزة، رافق قوات الجيش الاسرائيلي في غزة بضع مرات منذ بداية الحرب وامتدح بشكل استثنائي سلوك اسرائيل في القطاع، وقال إن جيوش غربية اخرى كانت ستقتل عدد اكبر من المدنيين في مواجهة التحديات الصعبة للعدو المتخندق عميقا في اوساط المدنيين.
ولكن سبنسر في المقال الذي نشره في الاسبوع الماضي في مجلة “فورن افيرز” كتب بأنه لا يصدق أي شيء من الاقوال التي يحاول نتنياهو الاستمرار في تسويقها. حسب هذا الخبير الامريكي فان حجم الاضرار بقدرة حماس يسمح لاسرائيل الانتقال الى مرحلة “اليوم التالي” في مناطق محدودة في القطاع من اجل الاظهار للغزيين والمجتمع الدولي بأنه يوجد لديها برنامج الذي سيأتي في اعقاب الانجازات العسكرية.
”زعماء اسرائيل يجب عليهم الفهم والبث بوضوح أن تركيز الحرب يجب أن يتغير. فاذا لم تستغل اسرائيل الفرصة لضمان قيادة جديدة في غزة تستبدل حماس فهي ستتنازل عن تفوقها الحالي وتنهي الحرب بهزيمة”، قال سبنسر واضشاف بأنه حتى الآن نتنياهو يمكنه أن يكون مرتاح مما كتبه، وهو يعتقد أن على اسرائيل خلق ظروف تمكن القيادة الجديدة في القطاع من البقاء، وهي النتيجة التي يأمل رئيس الحكومة، لاعتبارات سياسية، بأن لا يصل اليها. استمرار القتال في غزة والجمود في المحادثات يؤثران سلبا على الوضع الاقليمي. في الاستخبارات الاسرائيلية تولد الانطباع بأن ايران، وبالاساس حزب الله، لم تتنازل عن خطط الانتقام في اعقاب اغتيال فؤاد شكر من حزب الله واسماعيل هنية من حماس في لبنان وفي طهران. في نهاية الاسبوع الماضي احتفل الشيعة في الشرق الاوسط بالذكرى الاربعين، التي مركز الاحداث المرتبطة فيها توجد في مدينة كربلاء في العراق. ولكن بالنسبة لحزب الله فان الحساب مع اسرائيل ما زال مفتوحا، واستنادا لتصريحات جهات رفيعة في حزب الله فانه من المرجح أن الرد سيأتي في وقت قريب نسبيا. حجم طموح الاهداف التي سيتم اختيارها ونتائج الهجوم ستؤثر على استمرار الاحداث في المنطقة، وفي اقصى الحالات يمكن حتى أن تؤدي الى حرب شاملة، رغم أن معظم الاطراف المشاركة فيها يقولون بأنهم غير معنيين بذلك. اضافة الى صراخ عائلات المخطوفين فان هذه هي الخلفية للجهود الواضحة التي يستمر الامريكيون في بذلها من اجل التوصل الى الصفقة بمساعدة دول الوساطة، مصر وقطر.
هآرتس – 25/8/2024