أمد/
غزة: تجلس أم محمد، شابة في العشرينات من عمرها من مدينة غزة، على مقعد الانتظار في بهو مركز فتحي عرفات التابع لجمعية الهلال الأحمر دير البلح، وجهها الشاحب يحمل آثار الحرب بوضوح؛ تحتضن طفلها الصغير، جسده النحيل يكاد يختفي داخل ملابسه، صامت ومرهق. إنه أحد ضحايا سوء التغذية، الذي أصبح جزءاً مؤلماً من حياة الكثير من الأطفال في غزة، حيث تركت الحرب بصماتها القاسية على أبسط مقومات الحياة.
عانت الأم من سوء التغذية طوال شهور الحرب، في ظل ندرة الطعام، وانعدام الأدوية، وحتى المياه النظيفة، لم تجد ما يكفي لتغذية نفسها، ناهيك عن ارتفاع الأسعار الذي جعل الأمر أكثر قسوة، حملت طفلها داخلها خلال هذه الأشهر الصعبة، دون أن تحصل على الرعاية اللازمة.
وحين جاء إلى الحياة، وجدت نفسها عاجزة أمامه. لم تستطع أن تمنحه ما يحتاجه من حليبها، ولا أن توفر له الغذاء الذي يمكن أن يعينه على النمو، ترى في عينيه الجوع ولا تملك ما تفعله، سوى حضنه بقلبها الذي يفيض حباً وعجزاً.
لم تجد أم محمد حلاً سوى أن تحمل طفلها ومعاناتها، وتتوجه إلى مركز الدكتور فتحي عرفات في دير البلح. كان قلبها مثقلاً باليأس والقلق، لكنها لم تفقد الأمل تمامًا. هناك، وجدت فريقًا من الأطباء والممرضين في انتظارها، بعناية ودراية فائقتين، على استعداد لمساعدتها. وسط جدران المركز، شعرت أخيرًا ببارقة أمل، وكأن أحدهم قد رفع عنها جزءًا من حملها الثقيل.
رحلة محمد نحو التعافي الكامل
في يوم 20 مارس 2024، وصل إلى مركز الهلال الأحمر في دير البلح الطفل محمد ضيف الله، الذي لم يتجاوز عمره خمسة أشهر وكان وزنه 3.3 كيلوغرامات فقط. كانت حالته الصحية دقيقة وتستدعي رعاية خاصة. استجاب الفريق الطبي المختص بسرعة، واضعًا خطة رعاية شاملة للطفل على مدار خمسة أشهر.
بدأ الفريق بتقديم الدعم للأم من خلال التثقيف الصحي، لضمان متابعة الحالة الصحية للطفل بشكل دقيق ومستمر. تم فحص محمد دوريًا للتأكد من تطوره الصحي، وأُمد بالحليب والغذاء المناسب مثل السيرلاك والبسكويت المدعم بجميع العناصر الغذائية التي يحتاجها جسمه الصغير. بالإضافة إلى ذلك، تلقى جرعات من الفيتامينات لتعزيز مناعته ونموه السليم.
خلال تلك الفترة، وبفضل الجهود المستمرة والرعاية المخلصة من الفريق الطبي، ارتفع وزن محمد ليصل إلى 7 كيلوغرامات، ليعود إليه الأمل في مستقبل مليء بالصحة والحياة.
على الرغم من الظروف الاستثنائية والأزمات المتتالية التي يعاني منها قطاع غزة، بما في ذلك نقص الأدوية، المواد الغذائية، وحليب الأطفال، تمكن مركز الهلال الأحمر في الدير من متابعة عشرات حالات سوء التغذية. وبفضل الجهود المستمرة والمتابعة الحثيثة، استطاع المركز مساعدة تلك الحالات على تجاوز الأزمة والوصول إلى بر الأمان.
إنقاذ ناريمان من سوء التغذية
الطفلة ناريمان المصري، ذات التسعة أشهر، وصلت إلى مركز الهلال الأحمر بالدير في 30 مارس 2024، وهي تعاني من سوء التغذية، بوزنٍ لم يتجاوز 6 كيلوغرامات، بينما كان من المفترض أن يكون وزنها الطبيعي 8 كيلوغرامات في هذا العمر. كانت ناريمان تعيش مع أسرتها في ظروف صعبة، تتشارك فيها المعاناة مع الكثير من الأطفال في قطاع غزة الذين يعانون من نقص الغذاء والرعاية الصحية المناسبة.
على مدى ثلاثة أشهر، خضعت ناريمان لمتابعة دورية من قبل الفريق الطبي في المركز، حيث تم فتح ملف خاص بها وإجراء الفحوصات اللازمة. حصلت على الحليب، الأطعمة، والفيتامينات التي كانت تحتاجها. بفضل هذه الجهود، ارتفع وزنها إلى 7.5 كيلوغرامات، خطوة مهمة نحو استعادة صحتها. قصة ناريمان تعكس نجاح المركز في إنقاذ الأطفال من خطر سوء التغذية، وتقديم بصيص أمل في بيئة يسيطر عليها الألم والنقص.
الطفلة ميرا شولي
الطفلة ميرا شولي، التي لم تتجاوز ستة أشهر، واجهت وضعًا صعبًا عندما وصلت إلى عيادة دير البلح خلال منتصف الحرب، وهي تعاني من أعراض نقص تغذية حادة ووزن قدره 5.3 كيلوغرام فقط. في ظل الظروف الصعبة، كانت ميرا بحاجة ماسة إلى الرعاية العاجلة، حيث أظهرت الفحوصات الطبية أنها تعاني من مشكلة في امتصاص الطعام، مما منعها من اكتساب الوزن اللازم.
بفضل تدخل أطباء وممرضين الهلال الأحمر الفلسطيني، تلقت ميرا العلاج المناسب، الذي شمل الأغذية المتكاملة، المقويات، والفيتامينات. من خلال متابعة دورية دقيقة، تمكنت ميرا من تجاوز أزمتها الصحية والوصول إلى وزنها المثالي، مما يعكس جهود المركز في تقديم الرعاية الطارئة والفعّالة للأطفال في أحلك الظروف.
في ختام هذه القصص المؤثرة، يظهر العمل الدؤوب والتفاني الذي يقدمه فريق الهلال الأحمر في دير البلح، كضوء أمل في أحلك الظروف. من خلال تقديم الرعاية الطبية اللازمة والدعم الغذائي للأطفال مثل محمد، ناريمان، وميرا، يعكس المركز التزامه العميق بمكافحة سوء التغذية والتخفيف من معاناة العائلات في غزة. هذه القصص تجسد الإصرار والأمل في ظل التحديات الكبيرة، وتؤكد أن العناية الإنسانية والجهود المخلصة يمكن أن تصنع فرقًا حقيقيًا في حياة الناس.