أمد/
الساعة الثالثة والنصف فجرا، أفزعني صوت صراخ طفل، تلفتت حولي لم أجده، تسمعت أكثر لصدى الصوت، أخذ نظري يتتبع الصدى، لا أعلم أنا بهكذا حالة أسمع بعينيّ وليس بأذني، توقف نظري باتجاه القمر، مُلملما نفسه خلف هالة شاحبة، يرتجف بردا، بعد طول يوم عراك مع الشمس لتمنحه شعاع دفء، دون جدوى، استبدت وغابت، اجتمعا بنفس اللحظة هو وهي، وكأنها أرادت التشفي ببؤسه.
أناته تزداد، يمزق روحي، أحدق به أكثر، دموعه نهر يحجزني عنه، يسيل، ينهمر بقوة، أغسل وجهي، عينيّ، أفركهما ، أعصرهما ، يتمزق غشاء النوم وينزاح عنهما، تتضح صورتهما، رأيته بجانبه يصرخ ،يضع على بطن طفله حجرا، كان يتكئ عليه، يقيه من افتراس جوعه بكسرة خبز يابسة، ظننت لوهلة أن السمسم يحشوها، حتى انفجر القمر ودوى صوته بكل مكان، وتطاير السوس من كسرة خبزه، بأجنحة كبيرة وصوته كصوت أشباح سكنت في أماكن مهجورة، غادرتها أرواحنا مذ عام موت وخراب.
لوحت له بيدي من تحت أجنحة السوس، ناديته، زدت صراخي، هيا انهض وأمسك بيدي، حاول مرارا، تشبث بيدي، عصرها بيديه لتحميه من السقوط، تهالكت قواه دون جدوى ، تكسرت عظامه تناثرت خارج قمره، ترك بابه مفتوحا خلفه، أصوات أكثر تلاحقني، وجوه أصحابها شاحبة، وأرواحهم تغزها أجنحة السوس بشراسة جعلوني أنهض وأترك فرشة نزوحي المهترئة، وأمسك عصا أهش السوس بها، لكنه يزداد، يتطاير، ينتشر، ينهشني وينهشهم أكثر، لا يبالي بموعده المُحتم مع نار جهنم تلتهم أجنحة غذاها على مص دماءنا وسرقة كسرات خبزنا والتهامها قبلنا!
هيا انهصوا وانظروا للقمر الآن، فيه رؤية يُغبٍرها السوس، ووحدها الحقيقة، وستمر على الأنبياء وصحبتهم .