أمد/
صدر للأكاديمي والمفكّر العراقي كتاب جديد بعنوان “كيسنجر وبريجنسكي: ترست الأدمغة والاستراتيجية الأمريكية”.
يقول د. شعبان في مقدمته الضافية ” كنت كلّما أقرأ تصريحًا لأحدهما أضعه في حقيبتي، وكلما صدر كتاب لأحدهما أفتّش عنه أو أبحث فيما يكتب عنه من نقد كي أعود إليه، أو ليتسنّى لي قراءته بتأمّل أكثر، ارتباطاً مع الأحداث، فضلاً عن استشرافاته للمستقبل، فقد أجد فيه لغة ورأياً ومعلومة ما يفيدني في التحليل والاستنتاج، سواءً لتقديراته أو لبعض إيحاءاته، ناهيك عن استرجاعاته للاستراتيجية والتاكتيك الأمريكيين وأبعادهما الراهنة والمستقبلية، إضافة إلى ما فيها من نقد”.
ويضيف ” فقد ظلّ كيسنجر وبريجينسكي حتى بعد مغادرة مواقعهما الرسمية يلعبان دوراً تنظيرياً لا يمكن إهماله أو إدارة الظهر عنه، لما تحتويه تنظيراتهما من كميّة المعلومات والتقديرات والاستنتاجات، وكان اسم كلّ منهما قد لمع في السبعينيات بشكل خاص تعاقباً، واستمر بعد ذلك على الرغم من مغادرتهما مواقع المسؤولية لمراكمتهما خبرة عملية غنية، ومعرفة واسعة بالقنوات السرّية، فضلاً عن السياسة الدولية ومنعرجاتها ودهاليزها، إضافة إلى مقترحاتهما في المجال العسكري وفي قضايا الصراع الآيديولوجي ضدّ المعسكر الإشتراكي، فقد كان كلاًّ منهما ، إلى جانب صاحب القرار “الرئيس الأمريكي” يشكّلان “العقل السياسي” للإدارة الأمريكية، وللأجهزة الأمنية المختلفة، ناهيك عن معرفتهما بالمطبخ السياسي، العلني والسرّي، وتأثيراتهما فيه”.
وكان بريجينسكي قد غادرنا في العام 2017، أما كيسنجر فقد توفاه الله في العام 2023، وهذا يعني أن تأثيرهما في السياسة الخارجية الأمريكية استمرّ بحدود 5 عقود وربما بعضه ما يزال حتى الآن.
الجدير بالذكر أن شعبان كان قد درس أفكار كيسنجر وبريجنسكي منذ وقت مبكّر في كتاب أصدره في النصف الأول من الثمانينيات بعنوان “الصراع الأيديولوجي في العلاقات الدولية وانعكاساته على العالم العربي” (دار الحوار، اللاذقية، 1985).
وتعتمد دراسته على المزاوجة بين القراءة التاريخية الاسترجاعية والقراءة الفلسفية السياسية، بما فيه تسليط ضوء على الديبلوماسية الأمريكية، ولاسيّما كتاب مارتن إنديك “سيد اللعبة”، الذي صدر مؤخرًا.
ترست الأدمغة أو “مجمّع العقول” هو دراسة ومتابعة ونقد، يمتاز بالحيوية وبعد النظرالذي عرفت به أبحاث د. شعبان، لتطورات السياسة الخارجية الأمريكية في فترة الصراع بين المعسكرين، وما تبعها بعد انتهاء الحرب الباردة وتحوّلات الصراع الأيديولوجي ضدّ الإسلام، بما فيه من وسائل الحرب النفسية الناعمة والصلبة للتغلغل في عمق الخصم والعدو واستغلال نقاط ضعفه.
خمسة أقسام
الكتاب مقسّم إلى خمسة أقسام، تناولنا في القسم الأول سيرة ومسيرة كلّ من كيسنجر وبريجنيسكي ، وذلك تحت عنوان ” غواية الموقع؛ أما القسم الثاني فقد كرّسناه لتحليل مقالتين راهنتين لكل من كيسنجر وبريجنيسكي كجسر بين الماضي والحاضر، وكان القسم الثالث قد بحث في موضوع “ترست الأدمغة”؟ ماذا نعني به؟ وما هو دوره وتأثيره، في رسم السياسات، ولاسيّما في ميدان العلاقات الدولية.
أما القسم الرابع فقد خُصّص لعرض وتحليل أهم نظريات الصراع الآيديولوجي في السيتينيات والسبعينيات، والتي ما تزال تفعل فعلها ليس ضدّ النظام الإشتراكي الذي أطيح به في نهاية الثمانينيات، بل ضدّ كل من يناوئ مشاريع الولايات المتحدة وسياساتها، حيث يمكن “أبلسته” باسم “الإرهاب الدولي” أو “محور الشر” أو العداء لقيم “العالم الحر” في الحرية والديمقراطية، وهي نظريات وإن كانت رائجة في فترة محتدمة من “الحرب الباردة”، إلاّ أنها يمكن أن تنسحب على الحاضر باسم “التعصّب الإسلامي” و “التطرّف الديني” و “معاداة الديمقراطية” و “انتهاكات حقوق الإنسان”، وهذا كلام حق يراد به باطلاً، حيث يستهدف الصين كقوة اقتصادية عظمى في العالم لأنها تنافس موقع الولايات المتحدة، كما يستهدف روسيا التي استعادت مكانتها ودورها كقوة نافذة قريبة من الدور الذي كان يلعبه الاتحاد السوفييتي السابق، خصوصاً في ظلّ قيادة الرئيس فلاديمير بوتين وتعاونها مع الصين، ناهيك عن تأثيرها في الجمهوريات السوفيتية السابقة و الشرق الأوسط.
أما القسم الخامس فهو الموسوم “كيسنجر مستعادٌ” وذهب إلى تسليط الضوء على الدبلوماسية والقوة في الشرق الأوسط، باستعادة التاريخ وليس إعادته، والمقصود الإفادة من دروسه وعبره بما ينفع الحاضر. ولكيسنجر آراء متميّزة على هذا الصعيد، ليس فقط بشأن القضية الفلسطينية والصراع العربي – “الإسرائيلي”، بل بشأن إحتواء إيران وترويضها وزجّها في النظام الذي يسعى لإدامته والحفاظ عليه وعلى قواعده، خصوصاً عند تخلّيها عن تصدير الثورة.
واتمامًا للفائدة ننشر عناوين أقسام الكتاب الخمسة ومباحثه وفصوله المتعددة وذلك بعد مقدمته
القسم الأول: كيسنجر وبريجنيسكي : غواية الموقع – سيرة ومسيرة
من هو كيسنجر؟
من هو بريجنيسكي؟
القسم الثاني : مقابلتان جديدتان لكيسنجر وبريجنيسكي
القسم الثالث : كيسنجر وبريجنيسكي و ترست الأدمغة؟
من كيندي إلى بايدن
نظريات حول الصراع الآيديولوجي
نظرية بناء الجسور
نظرية المجتمع الصناعي
نظرية التقارب والالتقاء
نظرية مجتمع الازدهار والرفاه
نظرية البيان اللاّشيوعي والتفريغ الآيديولوجي
نظرية التآكل والتدرج
القسم الرابع: بريجينسكي ونظرية ضابط الإيقاع العالمي
الدور الأمريكي المعظّم
أوراسيا وقلب العالم
تحولات ما بعد الحرب الباردة
الإسلام بين هلالين
الهيمنة والنموذج
أوكرانيا والبطن الرخوة
القسم الخامس: كيسنجر مستعادٌ : القوة والدبلوماسية في الشرق الأوسط
من مترنيخ إلى بايدن
السلام والنظام
ويستفاليا على الطريقة الكيسنجرية
القرصان الدبلوماسي
ويفرد شعبان خاتمة عن الخلفية النظرية لكيسنجر ويسلط الضوء حول بعدها الفلسفي والتاريخي، فالرجل الذي أثّر في سياسة الولايات المتحدة ونظّر لها كان تأثيره عالمياً وترك بصمته على العلاقة الأمريكية – الصينية بشكل خاص وكذلك على العلاقة بقضية الشرق الأوسط، ناهيك عن دوره في الصراع الفكري والثقافي والإعلامي ضدّ الكتلة الشيوعية، والاتحاد السوفيتي.
ويستنتج شعبان أن على الدبلوماسيين والعاملين في الحقل الخارجي والعلاقات الدولية، أن يُلمّوا بالفلسفة والتاريخ وهما مرجعيّتان لكيسنجر، فلكل علم فلسفة وتاريخ، ودون الإلمام بهما سيكون مثل هذا العلم ناقصاّ ومبتوراً، فما بالك بالعلاقات الدولية، ذات الطبيعة المتحركة والحيوية، ولاسيّما مبادئ علم السياسة والدبلوماسية والقانون من جهة، وبين فن وسلوك وتواصل إنساني ووسائل نفسية للتأثير على الآخر.
رسالة البروفيسور طارق اسماعيل
ويختتم شعبان كتابه باقتباس من رسالة للبروفيسور طارق يوسف اسماعيل عن كتابه التي يقول فيها “عرفتُ كسينجر وبريجينسكي عن كثب منذ ستة عقود من الزمن، فقد درست على أيديهما وارتبطت معهما بعلاقة زمالة بعد ذلك ، ولهذا وجدت أن ما كتبه المفكّر عبد الحسين شعبان، عن هاتين الشخصيتين الأثيرتين، هو جهد أكاديمي رصين ينمّ عن دراية وفهم لطبيعة دور “ترست الأدمغة” كجزء من المجمّع السياسي – الأكاديمي، تساوقًا وخدمةً للمجمّع الصناعي – الحربي، حيث كانت لهما بصمة واضحة على رسم الاستراتيجية الأمريكية، سواءً خلال وجودهما إلى جانب الرؤساء أم فيما بعد، فكرًا وتنظيرًا وتحليلًا واستشارةً.
والمفكّر شعبان حين يتناول العلاقة بين “ترست الأدمغة” والاستراتيجية الأمريكية من خلال كيسنجر وبريجينسكي، فإنه يستبطن غياب مثل هذه المؤسسات التي تساعد أصحاب القرار في بلادنا على رسم الاستراتيجيات الصحيحة، الأمر الذي يتطلّب تجسير الفجوة بينهم وبين الأكاديميين والمثقفين.
كُتِب هذا الكتاب بلغة شديدة الكثافة وأسلوب شائق، يستطيع القارئ من خلاله أن يفهم الكثير من المحطّات التي ظلّت غامضة أو غير مفهومة في الاستراتيجية الأمريكية، لأنه يعرض أهم نظريات الحرب الناعمة والتغلغل الفكري خلال الحرب الباردة أو ما قبلها أو ما بعدها، وخصوصًا السياسة الراهنة، بما فيها وسائل الدعاية المؤثّرة”.
يقع الكتاب في 168 صفحة من القطع الوسط، وصدر عن دار الرافدين (بيروت – بغداد 2024)، وصمم لوحة الغلاف الفنان عمران القيسي.