أمد/
في لحظة فارقة بين الموت والحياة..يتجلى المعدن الحقيقي للرجال العظام
صبيحة يوم 3 ديسمبر من عام 2013،اتصل أحمد فؤاد نجم بصديقه رشدي جاد،وطلب منه أن يمر عليه بالمقطم حيث كان يعيش،وبالفعل جاءه الصديق فطلب منه الشاعر الكبير أن يأخذه إلى البنك،وهنالك استعلم عن رصيده الذي تجاوز،بعد حصول نجم على جائزة الأمير كالاوس-1-وهي جائزة هولندية لم يحصل عليها من العرب غير محمود درويش ونجم،وتبلغ قيمتها 100 ألف يورو،المليون جنيه وعشرات الآلاف من الجنيهات.
طلب نجم من الموظف أن يضع المليون كاملاً في حساب مستشفى سرطان الأطفال،وقال له: “حط الفلوس دي في المستشفى اللي بتعالج العيال الغلابة من السرطان”،ثم طلب منه أن يوزع المبلغ الصغير المتبقي على اولاده نوارة وزينب وأميمة.وبعدها سحب مبلغ خمسة آلاف جنيه ووضعهم في جيبه”
حين وصل إلى باب البنك أعطى موظف الأمن خمسمئة جنيه بلا مبرر..!
وعلى الطريق كان “يكبش” دون حساب أو تقدير ويناول المال لكل مَن يقابله وهو يردد: “خد دول، هات حاجة لولادك”،ثم استوقف سيارة أجرة وعاد بها إلى البيت،وكانت أجرة التاكسي لا تتجاوز بأي حال الخمسون جنيهاً غير أنه أعطى السائق ما تبقى في جيبه من مال،وهو مبلغ قد يتجاوز الألف جنيه،وقد اندهش سائق التاكسي وسأل: ما هذا؟ فرد نجم: “ده رزق العيال”
في ذلك اليوم تحديداً توفي أحمد فؤاد نجم بعد أن وزّع كامل ثورته على الناس الغلابة الذين عاش بينهم ومعهم ودافع عنهم وعن قضاياهم فسُجن بسبب انحيازه إلى تلك الطبقة،طبقة القاع والفقراء والمهمشين..-2-
هذا هو النجم المناضل والشاعر والإنسان.
سلام لروحك الطاهرة..يا “فاجومي”
حتى لا ننسى شاعر الفقراء والكادحين..أحمد فؤاد نجم ” الفاجومي”
إلى أحمد فؤاد نجم في رحيله القَدَري
“الشعراء كالأوطان.. لا يموتون..”
..من يدقّ باب الرّوح
في خفوت الشمس والضّــــــــــوء
من يطهّر الجسد
من دنس الركض
خلف صهيل الـرّوح
من يمنح حبّة قمح
تعبق بعطر الأرض
ليمامة تاهت
في رعب السكون الهائم
من يجفّف الدّمع..
والمحزونون في سبات
ملء الجفون
أوغلوا في الدّمع
في لحظات الوَجْد
فأنطفأ الوجع..
إلى أين تمضي
في مثل ليل كهــذا !؟
والكلمات التي تركتها خلف الشغاف
تشعل شرفاتها
منارة
منارة
ولا يكتمل المكان..
تمنيتَ لو كنتَ نورسا
على شاطئ غزّة
كي تعيد ارتحالك..
كلّ يوم في المياه
تمنيتَ لو تجعل من دموع الثكــــالى
قاربا يجتاز العتمة..
كي يرسي على ضفّة مرهقة
تحتاج يد النهر كي تعبـــــــره
تمنيتَ لو يتوقّف الزّمان
لحظة أو أقل
كي تعيدَ ترميم الحروف
كي تسير بكل فجاج الكون
بغير جواز سفر
كي تروح بنوم
مفتوح الرّوح..
يفيق على جمرة سقطـت
فوق شغاف القلب..
تمنيتَ لو تبرق للبعداء جميعـــا أن:
عودوا..أعطوا-لأحمد-3–بعض وطن !!
ها أنتَ تئنّ
وأنت
إذا استرجعت غربتك
من تيه الضجّة
وعدت بلا وطن
إلى أين تمضي
في مثل ليل-عربيّ-كهذا ؟!
إلى أين تمضي..
بعربات الصّبح المبكــــرة..؟!
ها أنّي أراك تلوّح للأمكنة الأمامية
وهي تغيب..
ثمة نورس يتلاشى
في الأفق البعيد
ثمة وجع بحجم الغيم
يتمطى في اتجاهنا
عبر الضفاف
ثمة شيء ما ينكسر
يتهاوى
ولا يصل المكان
ها أنّي أراك
في هدأة الصّمـــت
تنبجس من اختلاجات العزلـــــة
تنبثق بياضا ناصع العتمة..
من عتبة القلب
نهرا
تجلّله رغوة الإنتظار
أراك..نهرا
تعتعه الرّحيل..
فتهاوى
في أفلاج جفّ ماؤهــا
ها أنّي أراك،تعبر ممرّات الذاكرة
تترك حنجرتك زهرةَ بنفســــــج
تلج حجرات الرّوح
تاركا خلفك..
صهيل الرّيح
كي لا ينهمر الوجــــــع
ويسطو على ما تبقّى من مضغة القلب
السخط..
*أحمد فؤاد نجم (22 ماي1929-3 ديسمبر 2013) في قرية (كفر أبو نجم) بمدينة (أبو حماد محافظة الشرقية)،أحد أهم شعراء العامية في مصر، واسم بارز في الفن والشعر العربي. لقب بـ «الفاجومي المصري»؛ بسبب سجنه عدة مرات.ويترافق اسم أحمد فؤاد نجم مع ملحن ومغن هو الشيخ إمام،حيث تتلازم أشعار نجم مع غناء إمام،لتعبر عن روح الاحتجاج الجماهيري الذي بدأ بعد نكسة 1967.
1-جوائز الأمير كلاوس (بالهولندية: Prins Claus Prijs) هي جوائز دولية يمنحها صندوق الأمير كلاوس سنويًا منذ سنة 1997،تكريمًا للأفراد والمنظمات الذين يسهمون في الثقافة والتطوير المجتمعي بشكل تقدمي ومعاصر. ينتمي معظم من حصلوا على هذه الجوائز إلى دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والكاريبي.
2-كان نجم مهموما بالفوارق الطبقية،وانتقد في العديد من أشعاره انتشار الفساد وإثراء قلة من الشعب على حساب عموم المصريين،وكان أبرزها قصيدة “يعيش أهل بلدي” التي أبرز فيها التناقض الحاد بين طبقتين: أثرياء تتزايد ثرواتهم، وفقراء تتضاعف معاناتهم.
أطلق نجم على نفسه لقب “الفاجومي”،وشرح معنى هذا اللقب قائلا إنه يستخدم في العامية المصرية للدلالة على الشخص المندفع الذي يقول ما يريد بسهولة ودون خوف.
وقال عنه الشاعر الفرنسي لويس أراغون “إن فيه قوة تسقط الأسوار”،في حين أطلق عليه الناقد الأدبي علي الراعي لقب “الشاعر البندقية”،أما الرئيس الراحل أنور السادات فوصفه بـ”الشاعر البذيء”.
3-المقصود:الشاعر الراحل أحمد فؤاد.