أمد/
غزة – تقرير خاص: في غزة المحاصرة، حيث تتشابك خيوط الموت والدمار مع الحياة اليومية، تصبح المأساة أكبر من أن تختزل في أرقام الضحايا أو مشاهد الركام. هنا، لا يقتصر الألم على الغارات والقصف، بل يمتد ليحاصر النازحين في خيامهم بأطنان من النفايات التي تهددهم بالأمراض والموت البطيء.
واقعٌ لا يُحتمل
بعد مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لا يزال القطاع غارقًا في كارثة إنسانية غير مسبوقة. ما يقرب من مليوني فلسطيني نزحوا عن منازلهم، وأُجبروا على العيش في ظروف قاسية داخل مخيمات مكتظة. وفي ظل نقص المساعدات الإنسانية، أصبحت تلك المخيمات مرتعًا للأمراض والأوبئة، مع تكدس أطنان النفايات بالقرب منها.
"لم نعد نبحث عن حياة كريمة، نحن فقط نحاول البقاء أحياء"، بهذه الكلمات يلخص إبراهيم مطر، أحد النازحين، واقع الحال. فقد دفعته الغارات المتواصلة للنزوح عدة مرات، ليجد نفسه في منطقة غرب خان يونس محاصرًا بأكوام النفايات. "النفايات تقترب من خيامنا يومًا بعد يوم، ومعها تأتي الحشرات السامة والأمراض"، يقول إبراهيم بأسى وهو يحاول يائسًا إبعاد القمامة عن خيمته.
النفايات تحاصر النازحين
الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بالقصف والتدمير، بل عمد إلى عرقلة جهود البلديات لإدارة النفايات الصلبة. وبحسب بلدية خان يونس، فإن الاحتلال يمنع نقل النفايات إلى المكبات الرئيسية، مما أجبر البلدية على إنشاء مكبات مؤقتة قرب المخيمات. تلك المكبات باتت مصدر خطر داهم على النازحين، حيث تتسبب في انتشار الأمراض المعوية والجلدية.
"ابنتي تعرضت للدغ حشرة سامة، واحتاجت إلى عدة عمليات جراحية لعلاجها، ولا تزال تعاني"، تقول الحاجة أم محمد، وهي تكافح يوميًا لحماية أسرتها من هذا الخطر الخفي.
كارثة صحية وبيئية
وفق تقارير الأمم المتحدة، فإن الوضع في غزة يزداد سوءًا مع استمرار الحرب. فالدمار الذي لحق بالبنية التحتية تسبب في شلل شبه كامل لنظام إدارة النفايات. قبل الحرب، كان قطاع غزة ينتج نحو 1,700 طن من النفايات يوميًا، ولم تكن هناك سوى مكبين رئيسيين لاستيعابها. أما الآن، فقد دُمرت معظم مرافق جمع النفايات، وتفاقمت الأزمة بسبب استهداف الاحتلال للمركبات والمرافق الصحية.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصف إدارة النفايات في غزة بأنها "أزمة طارئة" تحتاج إلى حلول فورية ودعم دولي. ومع ذلك، لا تزال الجهود المبذولة لإيجاد حلٍّ عاجل تصطدم بالحصار الإسرائيلي وصعوبة إدخال المعدات اللازمة.
نداء استغاثة
في هذا الواقع المأساوي، يعيش النازحون بين مطرقة الغارات وسندان النفايات التي تهدد حياتهم يوميًا. الأمل الوحيد الذي يترقبونه هو تدخل المجتمع الدولي لإنقاذهم من هذا الوضع الكارثي. ومع استمرار الحرب للعام الثاني، لا تزال غزة تئن تحت وطأة الدمار والموت، وسط عجز عالمي عن وقف نزيف المأساة الإنسانية.
لعل أصوات الأطفال الجياع وصرخات المرضى وسط أكوام النفايات تكون النداء الأخير لإيقاظ ضمير العالم!