أمد/
تل أبيب: نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية مساء يوم الأربعاء، تحقيقًا استقصائيًا يكشف عن ممارسات الجيش الإسرائيلي في محور نتساريم بقطاع غزة، بناءً على شهادات صادمة من قادة وجنود خدموا هناك.
تحقيق استقصائي يكشف عن ممارسات خطيرة ينتهجها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث يتم استهداف وقتل أي شخص يتجاوز ما يُعرف بـ"الخط الوهمي"، حتى لو كان غير مسلح أو يقوم بأنشطة عادية كركوب الدراجة. التحقيق أشار إلى أن هذا الخط غير مرسوم على أي خريطة رسمية، ولا توجد أوامر مكتوبة تحدده، لكن عمليًا يتم التعامل معه كمنطقة قتل تلقائية.
شهادات عسكرين وقادة خدموا مؤخرًا في فرقة نيتزر بالجيش الإسرائيلي أكدت أن كل فلسطيني يُقتل يُسجل كـ"إرهابي"، بغض النظر عن كونه طفلًا أو مدنيًا بريئًا. كما وصفوا العمليات بأنها تعسفية وغير مبررة، ما يعكس انتهاكًا واضحًا للقوانين الدولية.
المنطقة الممتدة على طول سبعة كيلومترات، من كيبوتس "باري" إلى الساحل، تم إخلاؤها بالكامل من سكانها الفلسطينيين، وهُدمت منازلهم بدعوى إنشاء طرق وبؤر استيطانية. رسميًا، يُحظر دخول الفلسطينيين إلى هذه المنطقة، لكن عمليًا يتم اعتبارها "منطقة قتل"، حيث يُطلق النار على كل من يدخلها.
التحقيق أشار أيضًا إلى أن الجثث تُترك في المكان، وغالبًا ما تكون عرضة للكلاب الضالة، ما يضيف بُعدًا إنسانيًا مأساويًا لهذا الواقع. هذه الممارسات تثير تساؤلات حادة حول قانونيتها وأخلاقيتها، ومدى التزام الجيش الإسرائيلي بالقانون الدولي الإنساني.
تحقيق "هآرتس" يعرض شهادات مؤلمة من جنود وقادة خدموا في الفرقة 252 بقطاع غزة، ويصفون العمليات العسكرية بأنها عشوائية وتعتمد على التحريض والمنافسة لتحقيق مكاسب إحصائية.
ضابط أنهى خدمته الاحتياطية مؤخرًا أوضح أن "مساحة القتل" تُحدد ببساطة ضمن نطاق رؤية القناص، ما يعكس غياب أي معايير موضوعية لتحديد الأهداف. وأكد أن المدنيين الفلسطينيين الذين يُقتلون هناك يتم تصنيفهم تلقائيًا كإرهابيين، بغض النظر عن حقيقتهم أو ظروف قتلهم.
الضابط أشار إلى وجود منافسة بين الوحدات العسكرية لزيادة عدد القتلى، مدفوعة ببيانات المتحدث باسم الجيش التي حولت هذا الأمر إلى سباق لتحقيق أرقام أعلى. إذا قتلت وحدة معينة 150 شخصًا، تسعى الوحدة التالية لتجاوز هذا الرقم، مما أدى إلى تفاقم الممارسات القمعية ضد السكان المدنيين.
التقرير أبرز أيضًا شهادات لقادة يشعرون بالندم على مشاركتهم في هذه العمليات، ويدركون اللاإنسانية التي تشهدها غزة. أحد القادة قال: "الادعاء بأننا الجيش الأكثر أخلاقية في العالم هو محاولة لإعفاء الجنود من المسؤولية، رغم معرفتهم الدقيقة بما يفعلونه هناك". وأضاف: "لقد كنا في مكان بلا قوانين، حيث لا قيمة لحياة الإنسان. نحن القادة والمقاتلين نتحمل جزءًا من الرعب الذي يحدث".
قائد آخر، رغم تبريره للحرب التي خاضها في 7 أكتوبر، أكد أهمية كشف الصورة الكاملة للجمهور الإسرائيلي. وقال: "حان الوقت ليعرف المواطنون حقيقة الحرب، والممارسات الخطيرة التي يرتكبها بعض القادة والجنود، والمشاهد اللاإنسانية التي نشهدها".
التحقيق يسلط الضوء على جرائم القتل الممنهجة والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي تمارسها القوات الإسرائيلية.
*"نتساريم.. خط الجثث"*
بحسب قائد في الفرقة 252، هناك "خط شمال محور نتساريم يسمى خط الجثث وأهالي قطاع غزة يعرفونه"، وهو منطقة قتل مفتوحة يتم فيها إطلاق النار على أي شخص يعبر هذا الخط. الجثث تُترك مكشوفة لتأكلها الكلاب، وفقًا لما ذكره أحد القادة.
*أوامر بإطلاق النار بلا تمييز*
قائد الفرقة 252 وصف محور نتساريم بأنه "منطقة قتل"، حيث "كل من يدخل يطلق عليه النار"، وأكد أحد الجنود أن "الأوامر هي أن كل من يخترق الحد في نتساريم يجب أن يتلقى رصاصة في رأسه".
*قتل وتلاعب بالحقائق*
التحقيق كشف أيضًا عن سباق وتحدٍ بين الوحدات العسكرية لقتل أكبر عدد من الفلسطينيين، إذ أفاد ضابط إسرائيلي: "نقتل قرب نتساريم مواطنين ثم نعدمهم على أنهم مسلحون".
*انفلات أمني وغياب القوانين*
جنود وضباط احتياط خدموا في غزة أكدوا أن "هناك سلطة غير محدودة ممنوحة للقادة"، وأن "بعض القادة كانوا يبحثون عن نصر شخصي".
أحد الضباط أوضح أن "هذه أول حرب يفعل كل قائد فيها ما يحلو له في منطقته، وهناك عمليات تجري دون أوامر".
*تصرفات أشبه بميليشيات مسلحة*
بحسب شهادات الجنود، "يتصرف الجيش في غزة أحيانًا مثل ميليشيا مسلحة مستقلة دون قوانين".
وأشار ضابط احتياط إلى أن "حياة البشر في غزة لا قيمة لها"، معترفًا: "نحن والجنود نتحمل مسؤولية جزء من الرعب الذي يجري في غزة".
*دعوة لمواجهة الحقيقة*
أحد الضباط أكد أن "على الإسرائيليين أن يعرفوا كيف تبدو الحرب وأفعال بعض الضباط والجنود الخطيرة في غزة"، مشددًا على ضرورة مواجهة هذه الجرائم ووضع حد لهذه الانتهاكات.
هذا التحقيق يعزز من المطالبات الدولية بضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم التي تُعد انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية، ويفتح الباب أمام دعوات أوسع لتحقيق العدالة للفلسطينيين.
النص الكامل بالعربي