أمد/
لا يستطيع القارئُ لرواية (يوم الزينة) أن يملك نفسه من فرط القهقهة، فقد حفلت بقاموس لُغوي غير معهود، وجمعت أروع الأساليب البلاغية التي تجمع بين الجزالة والعمق والتشويق، مِمّا يجعل القارئ يحتاج إلى قراءتها مرات ومرات من روعة المحاورة والتفلسف البديع!
رواية (يوم الزينة) الصادرة عن (دار المعراج للنشر والتوزيع بدمشق) تجمع بين الدّين والسياسة، وتمزج التراث بالمعاصرة، وتعقد مصالحة بين الفلسفة والتصوّف، كل ذلك في قالبٍ أدبي شفّاف!
إذْ تُناقش الصراع السوري المحتدم بين الشعب المقهور والنظام البعثي المستبدّ الذي جثم على صدر البلاد أكثر من نصف قرنٍ من الزمان … فقد طال هذا الصراع لدرجة أنه عندما سقط “طاغية” خلفه مَن هو أطغى منه!
لغز الرواية يتمثّل في أنَّ “بطل الرواية” اشترى قصة أدبيّة، وهو لا يدري ما فحواها؟ فاختطفه البوليس السرّي، وألقَيَ بهِ في غياهب السجن، وتمّت محاكمته بتهمة الترويج لقصَّة تدعو للثورة!
منذ تلك الحادثة؛ تمّت مصادرة تلك “القصة”، وصارت تُعرف بــ”القصة الممنوعة” بلْ صار نشرها أوْ بيعها من المُحرّمات؛ فكان الناس يتبادلونها سِراً فيما بينهم إلى أن جاء اليوم الذي سقط فيهِ الاستبداد، وانهارت جمهورية الخوف، وأُفرجَ عن مؤلّفها، وتمَّ تعويضه أدبياً وماديا.
هذا؛ وتبدأ أحداث الرواية بواقعة اقتحام قوات البوليس لمدينة “حمص” وهدم بعض منازلها وتشريد أهلها عُنوة … وقد نجح بطلُ الرواية -عدنان- في الهرب ليلاً، وبينما هو نائم أفزعته “رؤيا منامية” مُخيفة، ولمّا حكاها لــ”العارف بالله”، قال له: ستصيبكَ بعض المكاره والأزمات، ولكنّ العاقبة ستكون في صالحك!
وبالفعل؛ يتعرض بطلُ الرواية “عدنان” للسجن عدة مرات، ويضطرّ للهجرة خارج البلاد، ويحصل على أعلى الدرجات العلمية، ويُلقي المحاضرات الناريّة، التي يدعو الناسَ فيها إلى الثورة والتغيير، وينجح في تثوير المواطنين، ورفع مستواهم الفكري والثقافي … حتى يخرجوا على “الطاغية” الذي سامهُم سوءَ العذاب ويُسقِطوه … وتدور الدائرةُ على أعوانه، وأبواقه!
وفي اليوم الذي تمَّ فيه تكريم “بطل الرواية”؛ أقبلَ “العارفُ بالله” وعانقه بحرارة، وقال له: هذا تأويلُ رؤياك التي رأيتها منذ أربعين عاماً !
ولمْ تكن مفاجأة أنْ يكونَ أول قرارٍ يُصدِره “رئيس الوزراء” الجديد –قبلَ أن يَتولّى عمله بالوزارة- هو: تكريم مُؤلّف “القصَّـــة الممنوعــــــة”، ومنحه أرفـــع النياشين، وإصدار عُملة تذكاريّــة، مكتوب عليها اسم القصة الحقيقي: (يــــوم الزِّينــــــة)! وتحويلها إلى فيلم سينمائي، ومُسلسل تلفزيونـــي! وتدريسها ضمن المناهج التعليميّة الجديدة! ونشْر وصاياها الذهبيّــة في البلدان الباحثة عن الحريَّــة، والمتعطّشة للكرامـة الإنسانيـّــة!!
الحقَّ أقول: إنها أحدث وأجمل رواية أدبية على الإطلاق، ويمكن القول: بأنها النسخة الأخرى من (رواية 1984) لجورج أورويل!
بلْ إنها كفيلة بتحريك المياه الراكدة، ونشْر الوعي، وبعث الأمل في النفوس، واستنهاض البلاد، ونقلِها من الاستكانة والاستسلام إلى بحرٍ متلاطم بروح الوطنيّة الفتيّة!
هذا، وقد احتوت الرواية على كثير من الأمثال والحِكم السياسية اللاذعة … مثل:
– نحنُ نعيش في عصرٍ يعاقَبُ فيه الإنسانُ لاجتهادهِ، وأخلاقه الحميدة!
– لقد غدت الصراحةُ في زماننا، ذنباً يُدينُ صاحبه، ويَرمي بهِ في المهالك!
لا يُوجد طريقٌ أطول مِن الأقدام، ولا جبلٌ أعلى مِن الإنسان!
الذين يَصرخونَ في وجه الظلم؛ هم فقط الأحياء مِن البشر!
الأُمَّــة التي لا تَشعر بآلام الاستبداد، لا تستحقّ الحريَّــة!
مَن يُكافح الظلْم أكرم مِمَّن يموت مثل الكلاب الضالَّــة!
الثورات يَصنعها الشرفاء، ويَستغلَّها الأوغـــاد؟
لا يمكن إشعال الثورة بقفَّازاتٍ مِن حرير!
حين تعزُّ الولادةُ الطبيعيّة؛ تُصبح الولادةُ القيصريّة قدراً محتوما !