أمد/
فلسطينُ، ..
يا وجهَ الأرضِ الباكي، ..
ويا سرَّ الكونِ ..
الذي تُداريهِ السماءُ ..
بخشوعٍ، ..
أنتِ الوترُ المقطوعُ ..
في قيثارةِ الشرقِ، ..
والنغمةُ التي لا تكتملُ ..
إلّا بدماءِ الشهداءِ العُشاقِ ..
***
يا مهدَ البداياتِ الأولى، ..
ويا شُعلةَ النبوءاتِ ..
التي أضاءت بالنور دروبَ العالمِ، ..
أنتِ الحرفُ الأولُ في سفرِ الحياةِ، ..
وأنتِ آخرُ صلاةٍ قبل انطفاءِ النجومِ ..
***
فيكِ انحنتِ العُصورُ، ..
وركعتِ الممالكُ، ..
فيكِ اجتمعَ الحُلمُ والوجعُ، ..
وصارَ الزيتونُ فيكِ شاهداً ..
على أنَّ للسلامِ أنياباً، ..
وللحقِّ جدراناً ..
تُطْوى عَليها القصائدُ ..
***
يا زهرةَ الجَليلِ، ..
يا عروسَ الجِبالِ، ..
في كلِّ صخرةٍ منكِ يسكنُ نبيٌّ، ..
وفي كلِّ حبةِ ترابٍ تختبئُ قصيدةٌ، ..
وفي كلِّ نسمةِ هواءٍ ..
طيفُ شهيدٍ يُقبِّلُ الغيمَ ..
***
كيفَ نُفسِّرُ عشقاً ..
خَطَّهُ الأنبياءُ بدموعهم؟
وكيفَ نروي حكايةَ أرضٍ ..
أَرضَعَتِ التاريخَ صموداً؟ ..
أنتِ الأملُ الذي لا يموتُ، ..
والشوقُ الذي يُشعلُ ..
في أرواحِنا ثورةَ الوُجودِ ..
***
فلسطينُ، ..
يا قِبلةَ الأرواحِ الحائرة، ..
يا جرحَ الأرضِ المفتوحِ ..
على الخلودِ، ..
سنحملُ اسمَكِ ..
أمانةً في قلوبِنا، ..
ونُشعلُ زيتَ قناديلِكِ ..
في عتمةِ الظلماءِ ..
***
لن نموتَ، وأنتِ فينا، ..
لن ننسى، ..
وأنتِ النبضُ الذي يُحيي أرواحَنا، ..
فيا وطنَ الحُلمِ، ..
ويا أغنيةَ البقاءِ، ..
لكِ منا العهدُ والوعدُ، ..
أنَّنا وإنْ تكالبتِ عليكِ العصورُ، ..
سنُعيدُ إليكِ أسماءَكِ الحُسنى، ..
من القدسِ إلى غزةَ، ..
من رام الله إلى جنينِ، ..
إلى حَيفا ويافا وعَكا، ..
ونكتبُ بدمِنا تاريخَ العودةِ، ..
إلى الجليلِ، والخليلِ، والنَقب ..
إلى اريحا، واللُدِ، ونابلسَ ..
إلى السَهلِ، والوادي، والجبل ..
ونُعيدُ إليكِ، تاجَكِ المسروقَ ..
يا سيدةَ الأرضِ والأكوانِ ..
يا سيدتيِ ..
لكِ الولاءُ والوفاءُ ..
يا وجهَ الأَرضِ الباكيِ ..
على مرِّ الزَّمان ..
وكلُّ يومٍ أنتِ الأغنيةُ ..
والقَصيدةُ والمَقال ..!
…………………………………….
التعليق على النص بقلم أ. د. محمد صالح الشنطي حفظه الله ورعاه.
نص ملحمي وجداني نابع من الأعماق مسربلاً بالعشق كونيّ الرؤى في جماليات التشكيل والتصوير، خيوط نسيجه من أنياط القلب وحشاشة الفؤاد، وخفقاتٍ إيقاعاتها خشوع وتراتيل وأنغام قُدسيّة، وتراتيل وأناشيد تطوف بتضاريس الوطن التي هي سطور من الأمجاد، مُستكنّة في كل ذرة من تراب فلسطين، بحرها دموع وجبالها شموخ، وما أجمل هذه الترجمة الشعرية التي تجمع بين حقائق الماضي وأمجاده وخبرة الحاضر ونضالاته والاستثمار الذكيّ للعلائق بين حنكة سياسية تنشد السلام وقوة كامنة تسند الحق، تتربّصُ بجيوش الظلام. لفتني هذا الاستقصاء والتدبّر التأمّل الذي يقرأ التاريخ بعين العشق المتجذر والانتماء الأصيل، والعدسة الشعرية المرهفة تلتقط مفرداتها مضمخةً بعبير المحبة مُشبعةً بشوق العشق ونجيع الشهادة.
ولا أجمل ولا أروع التقاط الرموز من عطاء الطبيعة وفيض الخير على أرض فلسطين، والطواف بمدنها شواهد حضارة وأيقونات قدسية، لا أجمل ولا أروع دون تكلف في الصياغة ولا تعقيد في التشكيل أو إبهام في التصوير او خضوع لسلطة البحور بل تصنع إيقاعها الخاص من فيض المشاعر وبراكين الشوق وعمق التعلق بكل ذرة ومعلم. لله درك من عاشق للوطن متجذر في همومه ومقاسٍ للأوائه.