أمد/
تأتي ذكرى الأربعين لرحيل الشاعر الوطني و التقدمي الكبير مُعين بسيسو، في أشد وأقسى مرحلة تمر بها القضية الفلسطينية، حيث يتعرض شعبنا في قطاع غزة وعموم فلسطين لحرب إبادة جماعية ممنهجة من آلة البطش الصهيوني بهدف اقتلاعه من وطنه وتصفية قضيته الوطنية، وفي خضم هذه المحرقة التي تتزامن مع رحيل معين بسيسو نُعيد التأكيد على كلمات الشاعر الثائر الذي عاش حياته مناضلاً بالكلمة الحرة، وجعل من قصيدته سلاحاً في وجه الظلم والطغيان والمؤامرات التي استهدفت القضية الفلسطينية .
تأتي ذكرى مُعين بسيسو في وقت من دم تواجه فيه فلسطين لحظة مفصلية في تاريخها، لحظةً تقف فيها غزة شامخة شموخ جبال عيبال وجرزيم، تتصدى بكل عزم وإصرار لأبشع أنواع القتل والتدمير والتهجير التي يقترفها الاحتلال؛ لتظهر غزة في هذه المعركة أسطورة جديدة من الصمود، متحدية كل أشكال التهجير والطمس والتصفية كما تصدى مُعين بسيسو ورفاقه من قبل لمشاريع التوطين والإذابة، و ظهر ذلك من خلال التحريض بقصائده التي تعمدت بحبر الروح ولقحت أعمق الجبهات بالفعل الميداني محمولاً على أكتاف الرفاق يهتف باسم فلسطين:
“لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان”
مشدداً في حينه ومعه كل شعبنا الفلسطيني إن: “كتبوا قرارهم بالحبر سنمحوه بالدم”
” قد أقبلوا فلا مساومة المجد للمقاومة”.
واليوم تمضي غزة على ذات النهج الذي سار عليه معين تذود عن شرفِ القضية الفلسطينية، وتبقى على العهد بالرغم من الجراح والموت الذي يلاحقها من كل اتجاه؛ لتسقط كل مشاريع الهجرة القسرية والطوعية في ثبات تبحث عن بقعة ضوء وسط الركام؛ لتكتب بمحبرة معين كما كتب بالدم لفلسطين وُلوجاً إلى قرص الشمس.
في ذكرى رحيل الشاعر الذي ملأ الدنيا شعراً وانفتح على بَراح الأمل يقرع خزان الحياة؛ لتفيض الأرض حرية وبقاء، ما يمنحنا تجاوز الصمت والنكوص وعدم السكوت عن فداحة ما يجري في غزة.
لا يمكن أن ننسى كيف كان مُعين بسيسو يرى في معاناة شعبنا وقضيته العادلة مشعلاً يضيء طريق التحرير وقد كان له بصماتٍ واضحة في تعزيز مكانة القضية الفلسطينية على مستوى العالم.
كان معين يؤمن أن الأرض لا تُحرر بالكلمات وحدها، بل بكفاح الشعب المستمر ومقاومته التي لا تعرف المستحيل.
اليوم، وبعد مرور أربعةِ عقودٍ على رحيله، نرى أن كلمات مُعين لم تكن حروفًا على ورق، بل كانت نبوءة لشعب لم ولن يستسلم قط، شعبٌ يواجه الموت بصبر، ويدافع عن وجوده بعزم لا يلين.
إن الاحتلال الصهيوني اليوم لا يقتل البشر فحسب، بل يسعى إلى محو تاريخنا، وطمس هويتنا، لكن غزة تعلمنا كما علَّمنا مُعين بسيسو أن الشعب الفلسطيني لا يُقهر ولا يُهزم ولن يستسلم.
من هنا من قلب المعاناة، من قلب الموت، ينبعث فجر الحياة لغزة التي تتحدى العالم أجمع، وتقول:
“لا للموت، لا للتصفية، لا للتهجير، ولن نستسلم أبدًا”.
إن مؤسسة معين بسيسو ستظل على العهد، كما كان يفعل، بأن تكون على عهدة الحق، وصوت الشعب الفلسطيني في كل محفل، في كل زاوية من الأرض التي ما زال الاحتلال يحاول حرقها لشطبها عن الخريطة، وأن شعبنا لن يسمح لهذا الظلم أن يستمر.
لقد أراد الشعب الفلسطيني الحياة، وعليه أن يكون اليوم أكثر من أي وقت مضى متحدًا، مقاوماً، ومؤمناً بحقه في الحرية والاستقلال.
في ذكرى رحيل معين بسيسو، نُؤكد أننا سنظل سائرين على درب الكفاح، على درب الكلمة التي لا تنحني ولا تتنازل، ولن نوقف استمرار مسيرة النضال دفاعاً عن حقوق شعبنا في غزة وكل فلسطين.
إن مُعين بسيسو، في أشعاره، قد صنع من الكلمة ثورة، وستظل ثورته الحيَّة تنبض في قلب كل فلسطيني، حتى نحقق حلمنا في إقامة دولة فلسطين المستقلة، وعاصمتها القدس.
اليوم، وقد اختار مُعين بسيسو أن يصعد إلى العلياء على طريقة الشعراء الذين يتركون مقاعدهم ممتلئة بالزيت والسلاح وأغاني الحرية وأهازيج الكفاح، نجد أنفسنا أمام تركة عظيمة تركها هذا الشاعر الثائر.
مُعين بسيسو، الذي تعاظم في اللحظة التي أجاد فيها طقوس الحياة بلذة المقاتل الطافح شعراً وفعلاً، قد سجل لنا في دفاتر الأيام ما يليق بهذه اللحظة التي نعيشها.
مُعين بسيسو الذي كان ينام في عيون الردى، يهزه الشوق لغزة، وتقض مضجعه القنابل قبل صياح الديكة وزبد البحر، ترك لنا إرثًا من القصائد التي كانت ولا زالت صوتًا للمقاومة، ونشيدًا للحرية.
متى تصحو غزة من موتها وتوقد شموع انبعاثك، وتنهض من طوفان حتفها؟ متى تكتب بحبر روحك، نشيد الحياة؟
إننا في مؤسسة مُعين بسيسو نؤمن أن غزة، كما كان الشاعر، ستبقى تنبض بالحياة، وستظل دائماً مصدر إلهام ونضال، وستبقى مقاومة، على درب مُعين بسيسو، حتى تحقيق التحرير الكامل.