أمد/
تتداول القمة الخطة المصرية للتعامل مع الوضع الإنساني في غزة من حيث رفع معاناة المهجرين وإعادة بناء القطاع بأكمله وإدارته خلال عمليات إعادة البناء وما بعد، وهي خطة تفصيلية تنفذ على مراحل وتؤكد الطابع الدولي لهذا المجهود على رغم الإسهام العربي المتوقع، وتتمسك بالهوية الفلسطينية للقطاع وإدارته.
بعد أقل من 24 ساعة تنعقد قمة عربية استثنائية في القاهرة بناء على اقتراح من جمهورية مصر العربية، وللأسف جرت العادة على المبالغة في التمهيد للقمم بوصفها دائماً بأنها حدث تاريخي، وهي مبالغات أفقدت القمم صدقيتها وأثارت تساؤلات عربية شعبية واسعة على مدى التعاون العربي وفعاليته، لذا يتوقع العالم العربي الكثير الآن وأن يتطلع لمفاجأة بموقف وإجراءات في ظل تحديات جسام وقلق عام.
وتجتمع قمة الرابع من مارس (آذار) الجاري في ظلال هذه الشكوك والتساؤلات، وتواجه مجموعة من التحديات المحورية بالنسبة إلى الأوضاع في غزة ومستقبل القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم في إطار دولة ذات سيادة، وفصل القمة ومواقفها هذه الأمور سيحسم أيضاً تحدياً كبيراً آخر وهو الحفاظ على الدور السياسي الإقليمي للعالم العربي.
وقد دعت مصر إلى انعقاد القمة كرد فعل لاقتراح قدمه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتهجير كل الفلسطينيين من قطاع غزة واستيطانهم مصر والأردن ودول أخرى، مع سيطرة مبهمة للولايات المتحدة على القطاع وتحويله إلى موقع سياحي شاطئي، مما أثار البلدين بشدة ومعهما كثير من الآخرين حتى خارج الإطار العربي.
وقد دعي إلى هذا الاجتماع العربي لهذا الغرض، وسبقه اجتماع تشاوري محدود في الرياض من أجل التعامل مع الأفكار التي جاءت في الاقتراح الأميركي بعمق وحسم، والتصدي له والرد عليه بطرح متكامل، مع وجود رغبة جامعة على الحفاظ على علاقات ثنائية مريحة مع الإدارة الجديدة.
وعلى القمة تقدير المصالح الإقليمية والمواقف التاريخية والاعتبارات القانونية من دون تغفل الأعين بما يبدو أنه تراجع جزئي من ترمب الذي تمسك بفكرته أخيراً، مع التنويه بأنها توصية مطروحة للأطراف وإنما لن تفرض على أحد.
ويخطئ من يتصور أن أسلوب طرح ترمب غير التقليدي كان دليلاً على أن اقتراحاته عشوائية وغير مدروسة، لأن لها أغراضاً إستراتيجية عميقة تستهدف القضاء نهائياً على فكرة إقامة دولة فلسطينية، وهو هدف نتنياهو وأعوانه، وتخفيف الوجود الديموغرافي الفلسطيني في غزة ومن بعدها الضفة الغربية لنهر الأردن، وسريعاً بعد تصريحات ترمب عن برنامج حكومي إسرائيلي جديد لتشجيع التهجير الفلسطيني، دخلت الدبابات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية منذ أيام قليلة للمرة الأولى منذ 20 عاماً، وهي خطوات كلها في سياق سياسة نتنياهو المعلنة بتغيير شكل الشرق الأوسط، والتي شهدنا بموجبها استخداماً مطلقاً للقوة العسكرية واستمراراً للوجود الإسرائيلي في لبنان وسوريا.
وتتداول القمة الخطة المصرية للتعامل مع الوضع الإنساني في غزة من حيث رفع معاناة المهجرين وإعادة بناء القطاع بأكمله وإدارته خلال عمليات إعادة البناء وما بعد، وهي خطة تفصيلية تنفذ على مراحل، وتؤكد الطابع الدولي لهذا المجهود على رغم الإسهام العربي المتوقع، وتتمسك بالهوية الفلسطينية للقطاع وإدارته.
وإن كان من المنطقي أن يطالب المساهمون الخيريون أيضاً بوجود لجان مراقبة أو متابعة لتنفيذ ما يلتزمون به من مشاريع، فسيكون من التحديات السياسية الكبرى المرتبطة بالمقترح كيفية التغلب على الموقف الإسرائيلي بالاستمرار في استهداف أعضاء “حماس” داخل وخارج القطاع، وأن يكون لإسرائيل حق التدخل فيه واليد العليا أمنياً، بحسب الحاجة، ورفضها وأميركا أي وجود سياسي أو أمني لـ “حماس” في قطاع غزة.
وعلى القمة العربية دعم هذا التوجه صراحة حتى وإن فضل بعضهم بعض البدائل التفصيلية الأخرى، لأن الهدف الإستراتيجي يكمن في تمكين فلسطيني غزة من مزاولة حياة إنسانية أهم بكثير من أية جزئية منفردة.
وأقترح وضع الخطة المصرية العربية في إطار أوسع وأعمق، ليس لمواكبة الطرح الترمبي الهلامي وإنما لأن العمليات التفاوضية حول السلام فقدت صدقيتها لدى الجانبين الإسرائيلي والعربي، وجذبهم مرة أخرى إلى الساحة الدبلوماسية جدياً يتطلب أطروحات واقتراحات لا تبدأ مرحلة تفاوض وإنما تطرح حلاً نهائياً للنزاع، وشمولية الطرح تمكننا من التعامل مع الساحة الفلسطينية كشعب متكامل من دون التوقف عند الاستبعاد أو الترجيح الرسمي لفصيل أو حركة أو منظمة، والمقصود بذلك طرح يتعامل بصورة متكاملة ومترابطة مع أزمة غزة وإنشاء دولة فلسطينية، والعلاقات الطبيعية بين إسرائيل والعرب، وترتيبات أمنية إقليمية تتجاوز الإطار العربي – الإسرائيلي، وكلها أمور طرحت جزئياً سابقاً عدا الترتيبات الأمنية.
وإذا أخذنا المواقف المعلنة للأطراف على محمل الجد فإن المطالب الأساس للفلسطينيين هي دولة فلسطينية ذات سيادة على أساس “حدود 67″، وكلاهما إنهاء الصراع لكلا الجانبين وتوفير السلام، وتهتم إسرائيل بخاصة بتوسيع العلاقات الثنائية والإقليمية وتطبيع العلاقات بينها والعالم العربي، وتعزيز الأمن في الشرق الأوسط، ولذلك فإنني أقترح طرحاً متكاملاً تعلن الأطراف الإقليمية، وبخاصة إسرائيل والفلسطينيين، موافقتها على مختلف عناصره من البداية، ويجري إقراره في مجلس الأمن الأممي، مما يعني موافقة المنظمة وأعضاء مجلس الأمن عليه، بما في ذلك أميركا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، ويشمل عناصر أربعة وهي:
1- تبني الخطة المصرية لإعادة إعمار دولية وعربية لغزة تنفذ خلال ثلاثة أعوام مع تشكيل حكومة فلسطينية تكنوقراط ولجنة إشراف دولية على التنفيذ.
2- إقرار تنفيذ خطة عمل لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية خلال خمسة أعوام على أساس حدود عام 1967 مع تعديلات طفيفة قابلة للتنفيذ.
3- تنفيذ قرارات “قمة بيروت” العربية 2002 بعرض إقامة علاقات عربية – إسرائيلية طبيعية بعد انتهاء الاحتلال.
4- إنشاء اتحاد أمني إقليمي مع إنهاء الاحتلال يعتمد في البداية على ثلاث ركائز وهي إدارة الأزمات وحل النزاعات والأمن الإقليمي ونزع السلاح.
إن الاقتراح طموح، وتبنيه يعكس ثقة وقدرة القادة العرب على اتخاذ مواقف والتحرك والتأثير دولياً، ويتطلب المتابعة الدبلوماسية الفورية على أعلى مستوى، كما أنه أكثر جاذبية وكشفاً للمواقف الحقيقية للأطراف لتناوله المطالب المعلنة كافة في آن، لأن الطلبات المعلنة كافة مجابة، ورفضه يعني عدم الالتزام بالسلام والتطلع إلى الهيمنة غير المشروعة، وهو ما يجعلني أكرر أن القمة العربية أمام تحديات جسام.