أمد/
لندن: أعلنت السلطات البريطانية عن إدانة من وصفتهم بـ "فريق من العملاء الروس"، يضم مواطنين بلغاريين، تم تجنيدهم للقيام بعمليات اختطاف وحملات تضليل مزعومة، وأعمال مراقبة ضد القوات الأوكرانية، وتجارة أسلحة سرية مع الصين، فيما وصفته صحيفة "ذا تليغراف" بأنه "أكبر تحقيق في قضية تجسس في بريطانيا".
ووفق التحقيقات، تلقت المجموعة، التي اتخذت "جريت يارموث" في المملكة المتحدة قاعدة لعملياتها، أوامرها من موسكو عبر عميل يحمل اسم "يان مارساليك"، وهو رئيس شركة تقنيات هارب، وصار الآن أحد أكثر الرجال المطلوبين في أوروبا.
وبعد محاكمة استمرت 12 أسبوعًا في محكمة "أولد بيلي" في لندن (مسرح دراما القضاء البريطاني، كما يطلقون عليها)، تمت إدانة كاترين إيفانوفا (33 عامًا)، وفانيا جابيروفا (30 عامًا)، وتيهومير إيفانشيف (39 عامًا)، وهم أفراد المجموعة الذين أداروا عمليات المراقبة على الأرض.
وكان اثنان آخران من المتهمين، هما أورلين روسيف وبيسر دجامبازوف، اللذان كانا المشغلين الرئيسيين للعصابة، اعترفا بالذنب قبل المحاكمة بتهمة التجسس.
وقالت المدعية العامة للقضية أليسون مورجان، إن روسيا دولة "معادية"، بمعنى أنها تشكِّل تهديدًا للأمن القومي البريطاني، على الرغم من أنها لم تكن في حالة حرب فعلية مع المملكة المتحدة، كما نقلت "ذي إندبندنت".
محفوفة بالمخاطر
تنقل "ذا تليغراف" عن قائد قيادة مكافحة الإرهاب في شرطة العاصمة دومينيك مورفي، إن تفاصيل القضية كانت "مثل شيء لا تتوقع قراءته إلا في رواية تجسس"، وأضاف أن هذا هو أحد أكبر التحقيقات في التجسس التي عرفها أو شارك فيها منذ أكثر من 20 عامًا، تمثل فترة عمله في مكافحة الإرهاب.
وتابع: "إن هذا التجسس على نطاق صناعي تقريبًا تم لصالح الدولة وأجهزة الاستخبارات الروسية، ويتعلق الكثير من أنشطتهم بجوهر الحريات والأمن القومي الذي نحتاج إلى حمايته هنا في المملكة المتحدة".
وتشير صحيفة "ذي إندبندنت" إلى أن شبكة التجسس البلغارية التي وصفتها بـ"المتطورة" وتعمل لصالح موسكو، نقلت أسرارًا إلى روسيا لمدة ثلاث سنوات تقريبًا، مشيرة إلى أن من تم إعلان إدانتهم جزء من مجموعة "نفذت عمليات مراقبة على المنشقين الروس، ووضعت حياة العديد من الأشخاص في خطر، مع خطط لاختطاف وقتل أهداف معينة" من بينهم صحفي استقصائي، وسياسي كازاخستاني سابق، ومحامٍ روسي.
كما تجسست المجموعة أيضًا على قاعدة للجيش الأمريكي في ألمانيا، حيث قيل إن القوات الأوكرانية كانت تتدرب، وخططت الشبكة لست عمليات تجسس "كانت محفوفة بالمخاطر للغاية"، شملت تصوير أهدافها، وتنظيم الاتصال المباشر واستخدام المتهمات كطعم جنسي لجمع المعلومات، وفق "ذي إندبندنت".
وعند إلقاء القبض عليهم، تم اكتشاف مئات من أجهزة التجسس، وأجهزة تشويش الإشارات، بالإضافة إلى 33 جهازًا صوتيًا، و55 جهاز تسجيل مرئي، و221 هاتفًا محمولًا، و495 بطاقة SIM، و11 طائرة بدون طيار، و75 جواز سفر، و91 بطاقة مصرفية بأسماء مختلفة.
وأفادت إحدى جلسات "أولد بيلي" أن المجموعة تلقت مئات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية، والتي تم تحويلها عبر رئيسهم الروسي "روبرت تيتز"، والذي قيل إنه يحمل اسم وجنسية مواطن نمساوي هو "يان مارساليك".
مراقبة وتصفية
حسب وثائق التحقيقات التي أفرجت عنها السلطات البريطانية، بين شهري سبتمبر ونوفمبر 2021، استهدف المتهمون الصحفي الاستقصائي كريستو جروزيف (64 عامًا) من موقع "بيلينجكات"، والذي كشف عن روابط روسية بهجوم سالزبوري عام 2018 وإسقاط طائرة تابعة للخطوط الجوية الماليزية في يوليو 2014.
وكان مارساليك يأمل هندسة قصة حب مزيفة بينه وبين خبيرة التجميل المقيمة في لندن جابيروفا، كما كانت هناك خيارات مختلفة، بما في ذلك سرقة جروزيف، وحرق ممتلكاته، واختطافه ونقله إلى موسكو، أو حتى قتله.
وكانت العملية الثانية تستهدف صحفيًا استقصائيًا روسيًا آخر مقيمًا في المملكة المتحدة، وهو رومان دوبروخوتوف، مؤسس موقع The Insider ويعتبر هدفًا للمخابرات الروسية، إذ تم وضع إيفانوفا لتجلس بجانبه على متن رحلة من بودابست إلى برلين، ونجحت في التقاط رقم التعريف الشخصي الخاص بجهاز آيفون الخاص به.
وكانت العملية الثالثة في لندن وشملت مراقبة المنشق الكازاخستاني بيرجي ريسكالييف في عنوانين غرب لندن، حيث تم ارتداء ملابس سائقين للوصول إلى المنازل واستخدام سيارات الإسعاف "كغطاء مثالي" لإخفاء أنشطتهم.
وتضمنت العملية الرابعة تنظيم احتجاج مزيف خارج سفارة كازاخستان في سبتمبر 2022.
أيضًا، في عام 2022، قام المتهمون بعمليات مراقبة على Patch Barracks، وهي قاعدة جوية عسكرية أمريكية في شتوتجارت بألمانيا، واستخدموا تكنولوجيا متطورة للغاية لجمع معلومات استخباراتية حساسة.
واستهدفت العملية السادسة المحامي الروسي كيريل كاتشور، عندما كان يقضي وقتًا في الجبل الأسود بين سبتمبر 2021 ويناير 2022.
علاقات قوية
خلال المحاكمة، عرف المحلفون أن أعضاء المجموعة لديهم علاقات في "أعلى مستويات" الحكومة البلغارية، وأن إيفانوفا ودجامبازوف والمتهمة جابيروفا ساعدوا في انتخابات عام 2021 عندما دخل الرئيس رومن راديف السلطة.
وفي رسائل نصية بين روسيف ودجمبازوف، قال الأخير إنه يتمتع "بعلاقة قوية للغاية" مع راديف واثنين آخرين من كبار السياسيين البلغاريين، والتي قال إنها "قوية للغاية".
وعلمت المحكمة أن محاولة اغتيال المنشقين الروسيين سيرجي ويوليا سكريبال في هجوم التسمم في سالزبوري أظهرت أن أجهزة الاستخبارات الروسية كانت مستعدة للقتل على الأراضي البريطانية، وبينما جعل البريطانيون من الصعب على روسيا تنفيذ عملياتها، أدى ذلك إلى استخدامها بشكل متزايد لعملاء غير روس.
كما نقلت "ذا تليجراف" أنه بالإضافة إلى إدارة فريق عملائه، شارك زعيم الشبكة مارساليك في إعادة تنظيم مصالح مجموعة "فاجنر" التجارية في إفريقيا في أعقاب رحيل مؤسسها يفجيني بريجوجين، وفقًا لمصادر أمنية.
وتشير الصحيفة إلى أنه حتى الآن، ومنذ شوهد آخر مرة في مطار صغير في النمسا خلال الإيقاع بمجموعته، باءت محاولات تعقب مارساليك بالفشل، رغم النشرة الحمراء التي أصدرتها الشرطة الدولية (إنتربول) بحقه، وتفكيك شبكته من العملاء.
وقال مصدر على صلة بالاستخبارات الروسية للصحيفة البريطانية: "هذه قاعدة غير مكتوبة في أجهزة الاستخبارات.. إذا تم التخلي عن مارساليك ولم يتم إنقاذه، فإن أشخاصًا آخرين سيفكرون لماذا يتورط مع جهاز الأمن الروسي بينما لن ينقذونهم".
وأضاف: "لقد حصل على الحماية، وسوف تستمر حتى نهاية حياته".