أمد/
في ظل واقع فلسطيني منقسم ومأزوم، وواقع عربي وإسلامي خانع ومهزوم، لن يكون سوى حصاد مر مهما كانت تضحيات الدم كبيرة. شعبنا منذ أكثر من مائة عام يضحي بالغالي والنفيس، ولكن لم يكن الحصاد سوى نكبة، ونكسة، وانقسام ووكسة. والآن تعرض ويتعرض شعبنا لحرب إبادة فاقت كل تصور وتخيل وتوقع، ومع ذلك لا زالت القيادة الفصائلية ترقص على جراح الشعب، وتبيعه خطب وشعارات وتصريحات حول أوهام النصر. ها هو العدوان يتجدد بشراسة دموية، أين التهدئة والتفاهمات والضمانات. الشعب يدفع ثمن مغامرات وعنتريات ومهاترات لم تجلب له إلا الفناء والدمار، لا إنجاز في معركة التحرير، وفوق ذلك ضرب لمقومات وركائز معركة الصمود، بحيث أصبح الصمود على الأرض مهدد بآلة الفناء والبربرية الصهيونية. ودعم شبه مطلق من الولايات المتحدة، وشبه مطلق من المعسكر الأوروبي.
يبدو أننا ندفع ثمن عدم وجود قيادة فلسطينية رشيدة منذ بداية نشوء الحركة الوطنية الفلسطينية سنة 1919-1920م. حيث تمثلت القيادة آنذاك في نخب اقطاعية جعلت مصالحها الزعامتية والعائلية فوق المصلحة العامة. وانقسمت هذه القيادة وفق مصالحها الخاصة مما ترتب على ذلك ضياع فلسطين نكبة 1948م. ثم حاول الفلسطينيون في ظل فراغ سياسي وطني عقب النكبة والتهجير والتشتت من الانتماء لأحزاب قومية أو أممية مثل حركة القوميين العرب، أو الأحزاب البعثية والأحزاب الشيوعية، أو الأخوان المسلمين أو حزب التحرير على أمل أن تنفذ من خلالها للنضال من أجل تحرير فلسطين والعودة. وحلقت شعارات عدة مختلفة بين الوحدة طريق العودة والتحرير، أم التحرير والعودة طريق الوحدة. واكتشف الفلسطينيون أن هذه الأحزاب لا تضع في مركزية توجهها قضية فلسطين فكان الانتقال الفلسطيني نحو تأكيد الذات والهوية الفلسطينية بإنشاء حركات وفصائل وطنية فلسطينية تتبنى الكفاح المسلح كإطار سياسي فكري عسكري ناظم، مثل حركة فتح، أو أحزاب وحركات جمعت بين الفكر السياسي وخاصة اليساري كموجه للبندقية في المشروع التحرري. ومع ذلك فإن هذه الفصائل والأحزاب الوطنية إن جمعتها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية بعد سيطرة الفصائل المقاومة الفلسطينية عليها، وتغيير الميثاق من ميثاق قوميا إلى ميثاق وطني يؤكد على أن الكفاح المسلح هو طريق التحرير بقيت أسيرة مصالحها الحزبية على حساب مصلحة الوطن. وعدنا لمربع الزعامتية والحزبية الضيقة التي أضاعت تضحيات الشعب الجسام دون أن تترجمها إلى حصاد مثمر. حتى عندنا جاءت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ودفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا من دماء ابنائه كان الحصاد سريعا ولا يناسب التضحيات في اتفاق أوسلو الهزيل، وما تبع ذلك من سلطة حكم ذاتي لم تتطور لدولة، وشابها الفساد وبروز زعامات قطفت ثمار أوسلو في استحقاقات وظائفية ومالية وبطاقات في أي بي، بحيث أنها وقعت أسيرة مصالحها الخاصة على حساب مصالح الوطن والشعب ومشروعه التحرري.
وعندما جاءت انتفاضة الأقصى في محاولة لتصحيح المسار التفاوضي من خلال الجمع بين التفاوض السياسي والعمل المقاوم دفعنا اغلى ما نملك وحدتنا الوطنية. وحدث الانقلاب والانقسام الفلسطيني البغيض الذي دفعنا ثمنه كشعب ثمنا باهظا.
وأمام المصالح الحزبية فشلت كل محاولات الحوار الفلسطيني الفلسطيني في المصالحه ورأب الصدع. ودخلنا في متاهات ( تحول الوطن إلى زنزانتين)، وأن كل حزب أو قوم بما لديهم فرحون. وهكذا وصلنا الى عدوانات وحرب إبادة نتيجة مصالح حزبية ضيقة، وزعامات غير رشيدة قذفت بنا في مغامرات غير محسوبة العواقب. وهذا يشير أن الشعب الفلسطيني قد ابتلي منذ نشوء حركته الوطنية بقيادات غير رشيدة جعلت زعامتها الاقطاعية أو الحزبية هي بوصلتها وليس مصلحة الوطن مصلحة الشعب. قيادات لم ترتق إلى عظم المسؤولية التي تتطلبها القضية الفلسطينية بتعقيدات نشوئها، وتعقيداتها المحلية والإقليمية والدولية كوننا نواجه استعمار كولوني متشعب النشوء والتحالفات والمصالح، وليس استعمارا تقليديا. ولذلك ونظرا لأداء اقطاعي أو وطني أو اسلامي متعثر كان الحصاد مرا رغم التضحيات الجسام. وهذا يدفعنا لتساؤلات عدة حول مدى كون الأحزاب والفصائل الوطنية والإسلامية رافعة للمشروع الوطني أم عبء عليه؟ لماذا هناك زرع وتضحيات والحصاد دوما مرا. نتقدم خطوة لو افترضنا أننا نتقدم جدلا ثم يكون التراجع خطوات؟
لابد من وقفة تقييمية لكل حركتنا الوطنية، ولكل الأداء الذي فشل في معركة التحرير رغم مرور أكثر من سبعة عقود على النكبة، والآن يواجه فشلا ذريعا ربما في معركة الصمود بعد أن تم جعل قطاع غزة وطن موت وأنقاض، وصرخات التهجير. فإذا فشلنا في معركة التحرير ألا يوجد قيادة رشيدة تقودنا نحو إنجاز افضل في معركة البقاء والصمود.